أيمن عبد المجيد
مصر والكرة ورقعة الشطرنج
مهم جداً للباحث عن حل للأزمة السياسية المصرية، وبناء دولة حديثة قوية، أن يعمل علي تحرير الذهنية المصرية العقل الجمعي، من محيط الفكر الضيق، أن يبني عقول رجال دولة، نظرتهم تتخطي حدود الجغرافيا باتساع مدي الأمن القومي، هذا المدي بات اليوم يسع العالم، وأن يدرك هذا الشعب أن المعادلة الدولية تحكمها وتحركها المصالح، وليس الشعارات الوهمية ومنها دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان وما شابه من شعارات الغرب الرنانة، فالديمقراطية لديهم تنتهي عند حدود دولتهم، ولا حقوق لإنسان لغير مواطنيهم، ربما يكون كلامي صادما لك عزيزي القارئ لكني أعتقد أنه الحقيقة.
ولنطبق عمليا هيا بنا نخرج من محيط فكر الميادين المغلق، غادر معي ميدان التحرير والاتحادية والنهضة ورابعة العدوية، ضع الكرة الأرضية أمامك، حركها بأناملك، أنظر للعالم يدور أمامك هاهي القارات والدول العظمي والصغري، انظر إلي أمريكا، لاحظ روسيا، جاء الخليج بمحيط بصرك ، السعودية، قطر الأمارات العربية، ما هذه الدماء والأشلاء والحطام أنها الشام، لا تدع الكرة تتوقف حرك بأناملك مرة أخري، فلسطين المحتلة، العراق المنكوبة، ليبيا وبقايا حطام قذائف حلف الناتو وسلاحه المتناثر في أيدي الصبية وشباب القبائل، تونس وحلم إصلاح الدولة ورائحة الدم تنثرها الاغتيالات السياسية.
ماذا قرأت علي الخريطة، لا عليك تمهل، اعد تحريك مجسم الكرة الأرضية، توقف عند أمريكا،
استخدم العدسة المكبرة، لاحظ تلك الخيوط الممتدة، إلي اسرائيل خط الدعم اللوجستي، أنها تستهدف أمن الكيان الصهيوني، الفلسطينيون يذبحون فيخرج البيت الأبيض يقول إن تل أبيب تدافع عن نفسها، لاحظ تلاشت حقوق الإنسان، هناك خيط ممتد لسوريا هل تراه، أمريكا تدعم المعارضة المسلحة استخباراتيا وبالسلاح ضد بشار الأسد، لكنها لم تتدخل بالشكل الحاسم الذي استخدمه حلف الناتو في ليبيا، دعم محدود في سوريا، ومتأخر، لماذا أليس الإنسان في ليبيا من جنس الإنسان في سوريا؟!
بلي ولكن لعبة المصالح يا صديقي، الدعم المحدود يبقي الصراع قائم دون أن يحسم احد طرفاه النزاع، فيستمر القتال واستنزاف الدولة السورية وتنهار بنيتها التحتية، فيكون أمامها عشرات السنين لتقوم لها قائمة، ولن يسمح لها، أنها ذات السنوات التي ستنعم فيها اسرائيل بالأمن في هضبة الجولان المحتلة، فالشعب السوري والجيش السوري مشغولان بقتال بعضهم البعض حتي يصنع بديل موالي، فمن يدريهم لمن ستذهب الأسلحة إذا رحل الأسد.
مكسب آخر الجماعات الجهادية وجدت، عدوا بديل فأوليات التكفيريين منصبة الآن علي الرحيل لبلاد الشام لإسقاط الطاغية بشار، وإقامة أمارة الشام الإسلامية، فرصة جيدة لتجميع القطط الثمان في قفص سوريا، لاصطياد من سيتبقي منهم.
خطان آخرين باتجاه مصر الأول مع الجيش والثاني مع جماعة الأخوان، عندما سألت الإدارة الأمريكية هل ما حدث في ٣٠يونيو ثورة أم انقلاب عسكري؟ قالت سنتمهل ولن نحسم موقفنا النهائي، وبعد فترة من الحياد، قال وزير الخارجية الأمريكي، ليس انقلاباً، ثم ارسل مبعوثاً أمريكي اًونواب كونجرس، وقال جون ماكين ما معناه أن ما حدث ليس ثورة والحكام الأن ليسوا منتخبين، والمنتخبين مسجونيين، والتفاوض يتم بين طلقاء لا سجناء، الرئاسة المؤقتة رفضت ذلك التدخل والتصريحات المضللة لعضو الكونجرس الأمريكي المنافس لباراك أوباما في انتخابات رئاسية سابقة.
خلاصة الموقف الأمريكي، أن السي أي أيه، يوزع الأدوار علي الساسة، بلعبة القنوات المفتوحة، ففي مصر الأحزاب الليبرالية ضعيفة في الشارع، والكتلة الصلبة ذات الجماهيرية والقدرة علي تحريك المياة الراكدة والفعل السياسي هو الجيش، ولا تريد أمريكا أن تخسر الجيش المصري، لمصلحتها باستقرار مصر يضمن استقرار المنطقة، لكنها في ذات الوقت تفتح قناة مع الأخوان فمازال تيار الاسلام السياسي، له أرضية جماهيرية، قد تمنحة كتلة برلمانية فاعلة قد تصل للثلث المعطل، وهنا ان لم يستخدم لخدمة مصالح أمريكا، فقد يستخدم للضغط علي النظام الجديد حال تعارضه مع المصالح الأمريكية.
دمج فصائل الإسلام السياسي في المعترك السياسي، يدفعه لتفاهمات وتقديم تنازلات مقابل الدعم الأمريكي، وهنا يسيطر علي التطرف الذي يتخذ من أمريكا وإسرائيل عدوا في فترات الإقصاء لكسب الجماهيرية واستقطاب المتعاطفين، سأعطيك مثال في صراع الأخوان مع نظام مبارك كانت الشعارات في المظاهرات وأغلبها بالجامعات « خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود وعلي القدس رايحين شهداء بالملايين والموت لأمريكا» كل هذا تلاشي مع وصول الإسلاميين للحكم، علي الأقل مواءمات ، كما أن تفجير خطوط الغاز المصدر لإسرائيل توقف، وبعد عزل الرئيس مرسي، حدث تفجير واحد، كان بمثابة أنذار لأمريكا، ومع موقفها الداعم لخروج أمن للإخوان، ترك التكفيريين اسرائيل ووجهوا فوهات أسلحتهم لصدور جنود الجيش والشرطة المصريين، فالعدو تم استبداله ولو مرحليا وربما لسنوات.
أحد العوامل الأخري المفسرة للموقف الأمريكي الأخطبوطي تجاه الأزمة المصرية، أن تنظيم الأخوان عنكبوتي دولي، فتأثير مكتب الأرشاد ممتد لأنظمة قائمة بالمنطقة كالسودان، وتونس ولبيا، ومقاتلين علي الأرض في سوريا، والحلف مع الأخوان مفيد للتأثير داخليا، وب المحيط الأقليمي، فما زالت قطعة الجماعة ذات جدوي علي رقعة الشطرنج.... أوقف مجسم الكرة الأرضية ونكمل غدا أن شاء الله.