السفير محمد سامح عمرو لـ«روزاليوسف»: لا يوجد لدى «اليونسكو» قوات لحماية التراث والمواقع الأثرية
شاهيناز عزام
حوار .. شاهيناز عزام
قال الدكتور محمد سامح عمرو سفير مصر ومندوبها الدائم لدى اليونسكو ورئيس المجلس التنفيذى: إن المنظمة تسعى لمساعدة مصر فى ترميم موقع آخر مدرج على قائمة التراث العالمى المهدد بالخطر وهو موقع أبو مينا بالإسكندرية. كما قمنا فى المنظمة بالتحرك الى مصر لانقاذ متحف ملوى بعد نهب مقتنياته مشيرًا إلى أنها قامت على الفور بنشر القطع المنهوبة على موقعها الإلكترونى مما ساعد فى وقف أى محاولة لنقل أو بيع هذه القطع بشكل غير مشروع فى الأسواق الخارجية مؤكدًا أن التعرض للتراث العراقى والسورى على يد الجماعات الإرهابية يعد جريمة فى حق الإنسانية.
■ أين أنتم من مصر ... وما دورها فى المساعدة لتنفيذ خططنا التنموية؟
- علاقة اليونسكو بمصر علاقة وطيدة مستمرة لسنوات. فمصر كانت من بين الدول التى أسست هذه المنظمة، ومنذ تأسيس المنظمة استفاد كل منهما من الآخر. فمن يقول أن اليونسكو ساعدت مصر فى نقل معابد أبوسمبل عليه ألا ينكر ان المنظمة استفادت من ذلك حيث اعتبرت منذ ذلك الحين المنظمة الدولية المعنية بحماية التراث والآثار على مستوى العالم. لقد كان هذا المشروع العملاق اللبنة الأولى لتبنى اتفاقية اليونسكو لحماية التراث الثقافى والطبيعى لعام 1972 حيث تجاوز عدد مواقع التراث الثقافى والطبيعى المدرجة على قوائم اليونسكو حتى الآن أكثر من ألف موقع. أيضا فقد ساعدت اليونسكو مصر فى اتمام مشروع إعادة إحياء مكتبة الاسكندرية ثم قادت حملة أخرى لإقامة متحف النوبة بأسوان ومتحف الحضارة بالقاهرة والذى تعمل الحكومه بخطى ثابتة للانتهاء منه.
■ ما جهودكم الحالية للحفاظ على تراث وآثار مصر؟
- اليونسكو تعمل مع مصر فى هذا القطاع المهم على عدة مستويات. وسأعطى لك أمثلة على ذلك مثل التعاون المشترك للحفاظ على منطقة القاهرة التاريخية، وسعى المنظمة لمساعدة مصر فى ترميم موقع آخر مدرج على قائمة التراث العالمى المهدد بالخطر وهو موقع أبو مينا بالاسكندرية. كما قامت اليونسكو بالتحرك الى مصر لانقاذ متحف ملوى بعد نهب مقتنياته، وقامت على الفوز بنشر القطع المنهوبة على موقعها الإلكترونى ما ساعد فى وقف أى محاولة لنقل أو بيع هذه القطع بشكل غير مشروع فى الأسواق الخارجية. كما كانت اليونسكو موجودة من خلال خبرائها فى موقع متحف الفن الإسلامى خلال أيام قليلة بعد تفجيره وأصدرت إدانة دولية للهجوم الإرهابى فى نفس يوم الانفجار وقدمت مساهمة مالية كرسالة سريعة لحث الدول لتقديم المساعدات وهذا ما تم بالفعل حيث قدمت ألمانيا وسويسرا وإيطاليا والإمارات العربية المتحدة مساعدات مالية وفنية ساعدتنا فى إعادة ترميم المتحف ومقتنياته.
وأخيرا فمبجرد توافر المعلومات لمحاولة بيع آثارنا فى المعارض وصالات المزادات بالخارج تكون اليونسكو هى وجهتنا الأولى لعرض هذه الحالات، وعليه يقوم اليونسكو بمخاطبة هذه الجهات مما ساعد فى تحقيق نجاح لوقف عدد من حالات البيع للقطع الأثرية المصرية مستثمرين فى ذلك مكانة المنظمة دوليا وجهودها لوقف الاتجار غير المشروع فى آثارنا بالخارج.
■ ماذا عن مجال التعليم، هل هناك أى مشروعات لليونسكو لدعم مصر فى هذا المجال؟
- التعليم هو أحد أهم أولويات الحكومة المصرية واليونسكو تتابع جيدا الاهمية التى يوليها رئيس الدولة لموضوع التعليم. ويكفى أن أقول هنا أن اليونسكو أوفدت خمس بعثات فنية فى مجال التعليم خلال السنة الماضية بعد أن كان التعاون فى هذا المجال متوقفا لفترة طويلة، ووضعت اليونسكو عدة برامج لتقديم الدعم الفنى لمواجهة ظاهرة محو الأمية ودعم برامج التعليم الفنى بل وخصصت مبلغًا ماليًا بحوالى نصف مليون دولار لتنفيذ هذه البرامج.
■ ما الذى يمكن لليونسكو ان تقدمه لدعم مشروعات الشباب؟
- على مستوى نهر النيل فقد نجحنا فى تنظيم اجتماعين العام الماضى لتعزيز التعاون الفنى والعلمى بين الخبراء من دول حوض النيل. وتعتبر هذه الخطوة مهمة جدا خاصة بعد النجاح الذى تحقق مؤخرا بين دول الحوض الشرقى للنيل حيث يمكن ان يساعد التعاون العلمى فى تقريب وجهات النظر وتذليل كثير من العقبات.
وفى إطار تعزيز دور المراكز العلمية والبحثية التابعة لوزارة الموارد المائية والرى وان يكون لها نشاط إقليمى خاصة لتقديم الدعم الفنى لدول حوض النيل فقد نجحنا الشهر الماضى فى استصدار قرار بالإجماع عن المجلس التنفيذى للمنظمة بوضع المركز الإقليمى للتدريب والدراسات فى مجال المياه فى المناطق القاحلة وشبه القاحلة تحت مظلة اليونسكو ليكون أحد مراكزها من الفئة الثانية. وعليه سيكون هذا المركز وسيلة إقليمية لتحقيق الأهداف والأولويات الاستراتيجية الخاصة باليونسكو وببرنامجها الهيدرولوجى الدولى، ولاسيما فيما يتعلق بتعزيز إسداء المشورة بشأن السياسات وبناء القدرات فى الدول العربية والمنطقة الأفريقية وتوطيد التعاون فيما بين بلدان الجنوب. كما سيتم ربط هذا المركز بجميع المعاهد والمراكز المماثلة التى تعمل تحت رعاية اليونسكو، وذلك بغية دعم التأثير والأهمية المتزايدين للتعاون الذى تقيمه شبكة ومراكز معاهد الفئة الثانية لليونسكو على الأصعدة المختلفة سواء الإقليمية او العالمية.
ونسعى حاليا لوضع المعامل المركزية للرصد البيئى بالقناطر ليكون أيضا مركزا من الفئة الثانية تحت مظلة اليونسكو، وقمنا بالفعل بإتخاذ جميع الترتيبات لعرض الموضوع على الدورة القادمة للمجلس التنفيذى فى أكتوبر من هذا العام.
■ سياسة مصر الخارجية تولى أهمية خاصة لأفريقيا واليونسكو يعتبر أفريقيا من أهم أولوياته أيضا ... فما الدور الذى يمكن أن تسهم به مصر بالنسبة لأفريقيا؟
- اتفق معك تماما فى أهمية دور مصر لدعم الدول الأفريقية لتحقيق خططها التنموية ولعل خير دليل على ذلك ان الزيارة الأولى للرئيس السيسى للخارج بعد توليه الحكم مباشرة كانت للمشاركة فى اجتماع القادة الأفارقة فى غينيا الاستوائية. ويتفق التوجه المصرى فى ذلك مع ما توليه اليونسكو من أهمية خاصة لقضايا القارة الأفريقية وتعتبرها على رأس أولوياتها. وهنا يمكن ان نؤسس مجالاً للتعاون بين مصر واليونسكو لتحقيق هذا الهدف المشترك. وحيث إن مصر لديها صندوق خاص للتعاون الأفريقى يعمل تحت إشراف وزارة الخارجية فأعتقد أن اليونسكو يمكن ان يستفيد من خبرات مصر فى هذا المجال كما يمكن للمنظمة الدولية الاعتماد على الخبراء المصريين فى المجالات المختلفة لتنفيذ برامج المنظمة فى أفريقيا. كما يمكن من وجهة نظرى ان تستفيد اليونسكو من موقعنا الجغرافى وما لدينا من رصيد علمى ضخم لتكون مصر أداة للربط بين دول القارة الأفريقية، وان يوجه جزء من أموال المانحين الموجهة لأفريقيا لدعم برامج البحث العلمى من خلال الجامعات المصرية وأن يتم على هذا الأساس تقديم منح للطلاب الأفارقة للدراسة بالجامعات المصرية. فعلى سبيل المثال طرحنا فى اجتماع التعليم السنة الماضية باليابان هذا النموذج للتعاون بحيث توجه اليابان جزءًا من مساعداتها المالية لأفريقيا إلى الجامعة اليابانية فى مصر وأن يتم ابتعاث الطلاب الأفارقة للدراسة بها. وعليه يمكن ان تتحقق عدة فوائد أهمها ربط الطلاب الأفارقة بمصر بما يساعد فى دعم أواصر العلاقات المصرية الأفريقية. ولاشك ان ذلك سيكون خطوة متميزة لتحقيق الاندماج الثقافى والعلمى بين دول القارة برعاية مصرية.
■ ما دور اليونسكو فى تعزيز استخدام اللغة العربية؟
- اللغة العربية هى إحدى اللغات الرسمية للأمم المتحدة ولليونسكو، كما تعد اللغات بوجه عام المفتاح الذى يمكنا من فهم ثقافة الآخر. وهناك توجه واضح من اليونسكو بضرورة العمل على الحفاظ على اللغات المختلفة فى إطار ضمان التعددية والتنوع الثقافى. وتأتى اللغة العربية من ضمن اللغات التى تسعى المنظمة للحفاظ عليها ولذلك تم تخصيص يوم 18 ديسمبر من كل عام ليكون يوما عالميا للغة العربية. وتحرص المجموعة العربية باليونسكو على إقامة احتفالية خاصة فى هذا اليوم لنشر الثقافة العربية والأدب العربى والموسيقى العربية داخل المنظمة. وبالطبع فهناك العديد من البرامج التى يمكن أن تقوم بها المنظمة للحفاظ على هذه اللغة الثرية. كما أن هناك مجالاً للتعاون بين مصر واليونسكو حيث يمكن الاستفادة من جهود المركز القومى للترجمة التابع لوزارة الثقافة. وقد حرصت على زيارة هذا المركز وفوجئت بعدد الكتب العلمية والأدبية المترجمة من لغات أجنبية الى اللغة العربية، الا اننى أرى ضرورة ان يمتد نشاط هذا المركز لترجمة روائع الأدب العربى إلى اللغات الأخرى إسهاما منه فى نشر الفكر والثقافة العربية وأن نعطى صورة صحيحة لفكرنا ولعلمائنا تعكس كنوز حضارتنا. فعلى سبيل المثال نحتفل هذا العام بالسنة الدولية للضوء وتم تنظيم فاعليات باليونسكو وكان الشخصية المحورية هو العالم العربى ابن الهيثم. وقد كان لهذا الحدث الدولى المهم بالغ الأثر فى الترويج للعلماء العرب الذى قادوا حركة التنوير فى المراحل التاريخية المختلفة. ومن هنا تأتى أهمية ان يلعب المركز المذكور دورًا كبيرًا فى الحركة الثقافية الدولية والترويج لعلماء العرب.
ومن ناحية أخرى فقد أطلق اليونسكو مشروعا مهمًا الأسبوع الماضى حيث شارك عدد من الخبراء العرب للتباحث حول كيفية توفير القدرة للبلدان والمجتمعات الناطقة بالعربية للتعامل مع شبكة الإنترنت. كما ناقش الخبراء القضايا المتعلقة بإدارة الإنترنت ومن بينها تقديم المنهجية المناسبة لتطوير المعاجم التى تساعد على استخدام اللغة العربية على شبكة الانترنت؛ والعمل على تحقيق الاستفادة للبلدان الناطقة باللغة العربية لاستخدام معاجم المصطلحات لإدارة الإنترنت. وأعتقد ان هذا المشروع يحتاج الى رعاية خاصة من منظمة الأليسكو لتكون شريكًا رئيسيًا لليونسكو فى ضمان استمرار هذا المشروع وتحقيق النتائج المرجوة منه.
■ ماذا فعلت اليونسكو بالنسبة لتدمير التراث الثقافى فى العراق وسوريا؟
- التعرض للتراث العراقى والسورى على يد الجماعات الإرهابية سواء من خلال تدميره أو بيعه إلى الخارج يعد جريمة فى حق الإنسانية. ولا أعتقد أننا شهدنا فى العصر الحديث أمثلة لحالات التدمير المتعمد ضد التراث الثقافى مثلما حدث مؤخرا فى كل من العراق وسوريا، والذى أصبح متاحا للجميع من خلال وسائل الاعلام. وللأسف الشديد لا يوجد لدى اليونسكو قوات تتدخل بها لحماية التراث ومواقع الآثار التى تتعرض للتدمير مثل المنظمات الإنسانية.
ومع ذلك تسعى اليونسكو لحشد الجهود الدولية لمواجهة هذه الظواهر الإجرامية سواء من خلال العمل على استصدار قرارات للأمم المتحدة مثل القرار الصادر عن مجلس الأمن خلال شهر فبراير الماضى الذى عكس وعى الجماعة الدولية بحجم المشكلة. كما أن اليونسكو تتواصل مع الأمم المتحدة والهيئات المعنية مثل الإنتربول والاتحاد الدولى للجمارك فور علمها بوجود حالات نهب وتصدير غير مشروع للقطع الأثرية بغية العمل على وقفها فى الحال ومنع الاتجار بها. علاوة على ذلك فقد أطلقت اليونسكو حملة دولية باسم «متحدون من أجل التراث» بهدف رفع الوعى العام لدى الشعوب وخاصة جيل الشباب بأهمية حماية التراث الثقافى والمواقع الأثرية.
كما تسعى اليونسكو من حين لآخر لحشد الدعم الدولى لجمع الأموال اللازمة لإعادة ترميم ما يتم هدمه أو تدميره مثلما حدث فى بعض الدول كالعراق وسوريا، وان ترصد حالات التدمير وتضع الخطط القابلة للتنفيذ لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح بمجرد أن تسمح الظروف على الأرض بإيفاد خبرائها إلى مثل هذه المناطق والدول.