السبت 6 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عرائس الأطفال لعبة الصغار وحلم الشباب

عرائس الأطفال لعبة الصغار وحلم الشباب
عرائس الأطفال لعبة الصغار وحلم الشباب




تحقيق - مروة مظلوم


«حورس آن الأوان لتعتلى عرش أبيك وتحكم بميزان عدله فتنزع الشر من قلوب أدمنته وتغرس بذور الخير فى قلوب تناسته» ..  بأى لسان روت إيزيس قصتها فما كانت إلا عروس خشبية تتحكم فى أطرافها مجموعة من الخيوط المربوطة بإحكام إلى عصى خشبية يحركها مجموعة من الكهنة خلف ستار أسود، يمثلون أقدس قصصهم بأسلوب يخطف أبصار الكبار والصغار فينصتون باهتمام .. فكرة جبارة التقطها أحدهم من ألعاب الأطفال فى الشوارع فكانت ملهمة لأول عرض مسرحى للعرائس  منذ 5000 عام قبل الميلاد..

نصيحة إيزيس لولدها اختلفت كثيراً مع خفة ظل جاهين فى ليلته الكبيرة «فتح عينك تأكل ملبن.. إوعى لجيبك لا العيب عيبك قرب جرب نشن وسطن إيدك وسطن اضرب..يحميك يا بنى تبقى غالبنى..قرب خدلك حتة ملبن»، الإنشاد والباعة والسيرك والسرقات وحلقات الذكر مشاعر متضاربة وأصوات مختلطة لأجواء المولد نقلها بحرفية الثلاثى جاهين ومكاوى وناجى.. ذلك العالم السحرى الخلاب الذى نفتش فى تحقيقنا هذا عنه وما له وما عليه.
ناجى شاكر صاحب «المولد»
ناجى شاكر الأب الروحى للعرائس فى حديثه عن الليلة الكبيرة قال إنه تعرف على «جاهين» فى أواخر الخمسينيات ونشأت بينهما صداقة، وفى عام 1960 طلب منظمو المهرجان العالمى للعرائس فى بوخارست أن يقدم المصريون عرضاً للعرائس، وكان ناجى فى هذا الوقت من المعجبين بأوبريت الليلة الكبيرة الذى تعرضه الإذاعة المصرية، فاقترح على جاهين ومكاوى تحويله إلى مسرحية عرائس، ولكن «جاهين» تخوف من هذه الخطوة فى البداية، ولكنه وافق تحت إلحاح ناجى.
«الليلة الكبيرة» من بدروم الأوبرا لمسرح الأزبكية
ومن الصعوبات التى واجهت الأوبريت إعداد 45 عروسة بشخصيات مختلفة وتدريب محركين لها، وتحويل الأغنية من 10 دقائق إلى 30 دقيقة فى أقل من ستة أشهر. ولم تتوقف الصعوبات مع ذلك، فتوفير مكان لإقامة العرض لم يكن بالسهولة المتوقعة، ليضطر صناع الأوبريت إلى عرضه فى بدروم قصر عابدين، ثم انتقلوا إلى بدروم فى دار الأوبرا، ومنهما إلى خيمة فى حديقة مسرح الموسيقى العربية، إلى أن استطاعوا الخروج من هذه الأزمة بإضافة الضلع الأخير لـ«الليلة الكبيرة»، المخرج صلاح السقا، ليعرض الأوبريت على مسرح العرائس بالأزبكية.
أما جيل الشباب فكانت له طرق متشعبة للبداية التقت فى معوقات الطرق على أبواب عالم العرائس والدخول إليه والاستمرار فيه فأصبحت القضية وجودية أكون أو أكون رغماً عن الجميع.
 لعبة مهدت طريق الاحتراف
«الطفل عندما ينحت دميته بنفسه ويقوم بتصميم ملابسها وتحريكها تصبح جزءا منه وربما تعبر عن أحاسيس لا يستطيع التعبير عنها بشكل مباشر ووسيلة تعليمية وتربوية فعالة» هكذا بدأت ابتهال مصطفى مصممة العرائس حديثها عن عالمها الصغير فى تصميم وتحريك عرائس الماريونت والقفاز والمابيت وخيال الظل فتقول: «العروسة تؤثر على وجدان الطفل، يهتم  بالنصائح غير المباشرة التى تأتى على لسانها فيتقبلها ويستوعبها بشكل أعمق، وتبقى فى ذاكرته لوقت أطول وتكون محببة بعكس الطرق التقليدية فى النصح».
لذلك نجد أن العرائس كانت ولازالت للمحامية الحقوقية رانيا رفعت مؤسسة مسرح البرجولا إدمان الطفولة الذى رافق أحلام الشباب وصار حقيقة تعيشها فتقول «كنت طفلة مدللة لها غرفة  تسكنها العرائس ولكل عروس اسم وبيت وتاريخ ميلاد وقصص وحكايات أشاركهم ويشاركوننى حكيها.. رغم ممارستى لمهنة المحاماة فإننى لم أتخلص من هوسى بالعرائس، اكتشفت مواهبى معهم فأنا أكتب وأمثل وأحرك العرائس وأسست لهم فرقة خاصة باسم (البرجولا)».
أما وليد بدر فالصدفة وحدها دفعت به إلى مسرح العرائس ليقف عليه وهو فى بداية المرحلة الإعدادية عندما غاب أحد أصدقائه المشاركين فى عرض العرائس بمركز ثقافة الجيزة فارتدى «ماسك» البجعة بدلا منه،  وتلا العرض عروض كثيرة منها مسرحية ايزيس تأليف توفيق الحكيم وإخراج كرم مطاوع  وإنتاج المسرح القومى.. لكن النقلة الحقيقية فى مشوار وليد بدر هى «عالم سمسم» حيث قام بأداء صوتى وحركى لشخصية «نمنم» حيث تلقى بدر تدريبه على التكنيك الخاص بالعرائس التليفزيونية على يد مارتى روبنسون المدرب الأمريكى وصارت شخصية «نمنم» جزءًا لا يتجزأ من شخصيته  ثم توالت الأعمال التليفزيونية العرائسية بشخصياتها المتنوعة مثل ظاظا وجرجير وغيرها.
 متاهة الدخول إلى عالم العرائس «علم نفسك بنفسك»
فيما يبدو أن إرث السرية والشللية الذى بدأت به فكرة العرائس فى مصر القديمة ظل ملتصقاً بفكر الأحفاد فالدخول إلى عالم العرائس ليس بالأمر الهين إنه معركة وإليكم عدد من تجارب أبرز المصممين من الشباب، تروى لنا ابتهال مصطفى تجربتها فتقول: «أنا من عائلة فنية أحببت المسرح وتربيت على حبه، ثم بدأت فى البحث عن أماكن يتم فيها التدريب على تقنيات العرائس ولكن للأسف لم يكن هناك فرق مستقلة أو ورش تقوم بالتدريب على هذا الفن داخل مسرح العرائس أو خارجه فاتجهت إلى الاكتشاف والتجربة بنفسى عن طريق الخبرات التى اكتسبتها من كلية التربية الفنية كالنحت على سبيل المثال، ثم اتجهت إلى تبادل الخبرات مع الزملاء الفنانين، ثم بدأت فى تقديم الورش التى دربت فيها على تقنيات العرائس منذ عام 2008 فى العديد من المؤسسات والمراكز الفنية فأردت أن انشر هذا الفن الجميل لما له من تأثير على وجدان الأطفال وتقديم القيم والنصائح لهم فى إطار محبب وأيضا هذا المجال أصبح غير مخصص للأطفال فقط ولكن أصبح مؤخراً يتناول قضايا تعنى المجتمع بأكمله».
وعن تجربة البرجولا تقول رانيا رفعت: «لأننى أدرك دور الفن وقوة تأثير العرائس السحرية فى نشر الفكرة اتجهت لعمل مسرح «توعوي» يهتم بالقضايا الاجتماعية والسياسية والقانونية ومعى فريق كامل مكون من 15 شابًا وفتاة تم تدريبهم فى مدرسة «البرجولا»، وبناء مسرح كامل يشارك فيه الجميع بشكل احترافى من أغان وموسيقى وديكور، ومن ضمن العاملين بفريقى الشاعر محمود عبد الرازق جمعة والشيخ علاء تلميذ الشيخ إمام ود.يحيى موسى».
 الاحتكار والإنتاج
تضيف رفعت «أنها تعتمد فى مسرحها على دعم مهارات المواهب الشابة وإعدادها لذلك فهى تفتح الباب كل 3 شهور لدخول أعضاء جدد فى فرقتها بعيداً عما هو سائد فى هذا الوسط  «الشللية» وهى أحد أهم العقبات التى تواجه مسرح العرائس فى مصر، كذلك  تكلفة إنتاج المسرحية التى تصل إلى 50 ألف جنيه ولا يوجد أى دعم من جانب الدولة لهذا الفن الذى يعد متنفسًا لحرية التعبير وهى الاحتياج الإنسانى الأعظم، فضلاً عن مضايقات الأمن  للفرق الجوالة معتبرين أن تواجدها تجمهر وهو ما يهدد الاستقرار، فى حين أن معظم مسرحيات الفرقة تناقش قضايا حيوية وحقوقية فى الشارع المصرى مثل أطفال الشوارع فى مسرحية «الشارع مملكة يا أخينا» و«البنت بيتا وبلد الأبيض والأسود»، كبار وصغار فى الشوارع يستقبلون مثل هذه العروض بفرحة أشبه بمظاهرة ويتابعونها بانبهار شديد، وتأكيداَ منهم على وصول الرسالة نناقشهم بعض العرض ونوزع جوائز عبارة عن كتب».
 تصنيع العروسة
كانت مغامرة منها عندما قررت ترك وظيفتها  للركض وراء حلمها «مسرح باطرو المتحرك» لكن سارة البطراوى فعلتها وعن تجربتها فى مجال تصميم وتصنيع العرائس تقول إن معظم العاملين فى هذا المجال كانوا يعدونه أحد الأسرار الحربية واقتحام فتاة مثلها له كان بمثابة إعلان الحرب على صناعتهم أو مملكتهم التى لا ينافسهم فيها أحد واستغرق الأمر منها وقتًا كبير لتصنع كيانًا خاصًا بها «Batro Puppets» كان لابد لها من كسر قالب «الليلة الكبيرة» والخروج عن المألوف  فى وقت أصبح الاتجاه السائد فيه والغلبة لألعاب الفيديو والكمبيوتر، فكان المطلوب منها تقديم التراث بشكل عصرى وأن تحرك قطع الخشب أو «الأصنام» لتصنع منها شيئًا مبهجًا يجلب السعادة أينما حل وبدأت فى تصنيع العرائس تبعاً للغرض منها بداية من عروس عيد الميلاد وعرائس الشخصيات المشهورة والأراجوز وعرائس العصى والبيج ماوس والماريونيت ولكل واحدة طريقة وتكنيك مختلف فى الصنع فمنها البسيط - كل المطلوب منها تمشى  وتسلم- ومنها المعقد - كعازف البيانو كل أصبع له خيط  يتحكم فى حركته- ، وأنشأت مسرحا متنقلا أشبه بصندوق الدنيا، «مسرح عرائس باطرو المتحرك» كيان متنقّل بين  محافظات مصر كلها، ويقدم عروض ليس الهدف منها التسلية فحسب وإنما تقديم أفكار جديدة عن حقوق الإنسان وقضايا اجتماعية حيوية وتضيف «البطراوي»: «نحن أوائل الناس فى صناعة العرائس لكننا أغلقنا عقولنا على عبارة «سر المهنة» وماتوا وهم يحفظونه، لذا لجأت والعديد من العاملين فى المجال لتعلم المهنة ممن لايكترثون بأسرارها ولايعتبرونها حكراً فى أوروبا ويعملون على تطويرها واستخدام خامات مختلفة وأعلى فى الجودة، وعليه فإن عدد مصممى وصانعى العرائس يمكن حصره على أصابع اليد الواحدة».
 الاتحاد الدولى لفن العرائس
وليد بدر رئيس المركز الوطنى لفن العرائس  UNIMA Egypt كانت له قصة غريبة  فى إلحاق مصر بالاتحاد الدولى لفن العرائس «UNIMA» يحكيها لنا فيقول: «حصلت على دورة تدريبية فى مؤسسة جيم هانسون بالولايات المتحدة الأمريكية وذلك لتقديم شخصية نمنم فى عالم سمسم ووجدت أن فن العرائس بمصر غير معروف تماماً فى أوروبا على الرغم من أننا أول من عرف عروسة الماريونيت فى التاريخ، وهذا أحزننى كثيراً ومع الاستمرار فى تقديم عالم سمسم أحببت أن أقدم عرضًا مسرحيًا له نفس النهج التعليمى والترفيهى كما يقدم فى عالم سمسم ففكرت فى إنتاج عرض ومن خلال الفكرة أسست فرقة لها أهداف وأنشطة تقوم بها مجموعة من محبى فن العرائس وقدمت العرض ثم أسست موقع للفرقة على الانترنت بدأت من خلاله التواجد كفرقة مصرية فى الإطار العالمى وأشارك أيضاً فى المهرجانات الدولية فقد شاركت الفرقة فى مهرجان العرائس بالبوسنة والهرسك وأيضا بمهرجان العرائس ببراغ ومهرجان العرائس بدولة أذربيجان ومهرجان العرائس بدولة الصين ومن خلال التواجد الدولى خاطبت الاتحاد الدولى لفن العرائس لمشاركة مصر فى الاتحاد وبالفعل قمت بكل الإجراءات التى تسمح لمصر المشاركة فى الاتحاد الدولى لفن العرائس، وقد حضرت مصر لأول مرة فى تاريخها الجمعية العمومية للاتحاد بدولة الصين 2012، وحصلت مصر على العضوية الدائمة.
وجاءت فكرة إقامة معرض لفنون العرائس المصرية من تنظيم  UNIMA Egypt بالتعاون مع مسرح القاهرة للعرائس وتحت رعاية الاتحاد الدولى لفن العرائس  UNIMA International ويضم المعرض عرائس من كل الجهات الفنية المهتمة بفنون العرائس المصرية  من جهات حكومية وجهات خاصة وجهات تعليمية (الكليات والمعاهد الفنية) كما يضم المعرض عرائس للفنانين المحترفين والهواة المهتمين بفنون العرائس.
 العرائس ليست على خارطة الدولة
يرى وليد بدر أن مشكلة مسرح عرائس الدولة أنها تقوم بالفعل بالدعم المالى لمسرح القاهرة للعرائس ولكن دون فكر تربوى بما يقدم للطفل أو الكبير، والدولة هى المسئول الأول كذلك دعم الفرق الخاصة والحرص على تبادل الخبرات مع الدول العربية وهو ما تحاول فعله الهيئة العربية للمسرح وتقديم العروض بأسعار تسمح للجميع بحضورها فى كافة أنحاء الجمهورية فمسرح واحد لا يكفى أن يقدم عروضه إلى 100 مليون نسمة فسعة المسرح 300 كرسى فلو حصل وانه قدم 365 عرض فى السنة بواقع عرض يومى فإن من يشاهد عروضه هم 109500 أى لا يتعدى 1%  من السكان وهذا لا يحدث بالطبع فمسرح العرائس لا يقدم سوى 100 حفلة فى السنة.
وتضيف  إبتهال  مصطفى: مشكلة العمل فى مجال العرائس خاصة داخل مصر هو عدم وجود الوعى الكافى بأهمية هذا المجال واعتباره موجها للأطفال فقط، فيصعب على المؤسسات التى تعمل بشكل مستقل أن تحصل على الدعم الكافي، فقد أنشأت مؤسسة (ماريونت) لفنون الدمى ومسرح العرائس بجهودى الذاتية بمشاركة بعض الفنانين داخل وخارج مصر وإلى الآن لم أحصل على الدعم من داخل المؤسسات المعنية بمسرح الدمى داخل مصر!.
وترى ابتهال أننا لسنا بحاجة إلى دبلجة أو الأعمال المترجمة فهناك العديد من العروض لفرق مستقلة فى مصر وأيضاً فى مسرح القاهرة للعرائس مأخوذة من الأساطير والقصص العربية والمصرية، تخاطب جميع شرائح المجتمع من كبار وصغار، ومؤخراً أقيم معرض «العرائسيين»وهو يعتبر أول معرض للدمى بجميع أنواعها يقام فى مصر للعديد من فنانى العرائس المتخصصين والموهوبين وكانت السمة الأساسية للمعرض هى «الأساطير».