الجمعة 19 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
صوت النيل
كتب

صوت النيل




 


 كرم جبر روزاليوسف اليومية : 18 - 10 - 2009

 

إذا احترمنا النهر العظيم.. سوف تحترمنا الحياة


1


بالفعل، إذا احترم المصريون النيل، فسوف تحترمهم الحياة، لأن النيل هو الذي منحهم الحياة، وليس من باب رد الجميل أن يتعرض النهر العظيم لكل هذا الحجم من الإهمال والتعديات.


تصدرت هذه المعاني احتفالاً هادئاً وبسيطاً أقيم بأحد فنادق القاهرة الكبري مساء السبت أمس الأول للإعلان عن قيام جمعية أهلية جديدة اسمها "صوت النيل"، لتنمية ثقافة الاهتمام بالنهر.
الجمعية يرأسها رجل الأعمال الدكتور حسن راتب، وحضر الاحتفال محافظ الجيزة سيد عبدالعزيز، وعدد كبير من المفكرين والكتاب والفنانين والمهتمين بهذه القضية.
2
الكلمات التي سمعتها في الاحتفال تعترف بأن المهمة صعبة وتحتاج عشرات الجمعيات الأهلية وليس جمعية واحدة، لأن التعديات كبيرة ومتعددة ابتداءً من رمي المخلفات في النهر حتي اقتطاع أجزاء منه.
أول مخالفة كنا نراها بالعين المجردة في الفندق الذي نقف فيه وفي الفنادق المقابلة علي الضفة الأخري، التي اقتطعت الشاطئ لنفسها، وحرمت ملايين المصريين من التمتع به.
المخالفة الثانية كانت في العدد الكبير المترامي من الأندية والمطاعم والمشاتل التي حرمت المصريين من الجزء الباقي من النيل، مع أن الأصل هو أن يكون النهر ملكًا للجميع، وليس حكرًا علي أحد.
3
شتان بين مياه النيل في أسوان ومياه النيل في القاهرة، فالنهر قبل أن يبدأ رحلة الألف كيلو متر إلي الشمال، يكون فعلاً مثل التبر السايل بين شطين.
وبعد رحلة مليئة بالمخلفات والصرف الصناعي والزراعي والبشري والملوثات والحيوانات النافقة والأشجار اليابسة، تكشر مياه النيل عن أنيابها، وتصل إلينا واهنة وغاضبة.
شتان بين مياه تشبه الفضة في كأس كريستال، وبين مياه عكرة وملوثة في "كوز صفيح صدئ".. هذا ما نفعله بالنيل، وما نفعله بأنفسنا.
4
أكثر من شعر بالتقديس نحو النيل هم الفراعنة، ولعنوا من يعتدي عليه أو يلوث مياهه، وتوعدوه بالعقاب، لأنهم فهموا جيدًا أنه سر الحياة، مثل الروح تمامًا في الجسد المصري.
أكثر من أساء للنيل وأهانه هم نحن أحفاد الفراعنة، وابتكرنا أشكالاً وألواناً وفنونًا من الانتهاكات الصارخة، التي سيحاسبنا الله عليها يوم القيامة.
الله سبحانه وتعالي يقول: "وجعلنا من الماء كل شيء حي".. وهذا النهر بالنسبة لمصر هو سر الحياة والبقاء والخلود، وهل من الممكن أن نتصور شكل الحياة في مصر بدون النيل؟
5
النيل ليس مجرد نهر يجري في أراضينا، ولكنه شريان التواصل والتقارب والدفء والعلاقات الحميمية، هو الذي جمع المصريين منذ جريانه حول ضفافه، ووحدهم من التشتت في الصحراء.
خلق فيهم غريزة التعاون والتسامح والسلام، لأنهم لم يكونوا أبدًا قبائل بدوية مشتتة في الصحراء، تتناحر وتتصارع من أجل بئر مياه، وإنما تتصالح من أجل تفعيل الحياة والخير والنماء.
النيل هو الذي طبع أخلاق المصريين بالهدوء والمحبة والتسامح والتعاون، لأن خيره الوفير يكفيهم ويزيد، ومن أراد منهم أن يعيش، فأمامه كل روافد الحياة.
6
كيف نحمي النيل؟.. هذا هو السؤال: كيف نعيد إليه الشعراء الذين هجروه والعاشقين الذين أداروا ظهورهم له.. والأدباء الذين استلهموا منه أعمالاً خالدة وباقية؟
هل يشعر الذين يعتدون علي النيل مثلاً بعذوبة وقوة الكلمات الرائعة التي تقول: "أنا النيل مقبرة للغزاة" أو "النيل نجاشي، حليوة أسمر".. أين احتفالات النهر وعروس النيل؟
السبب أننا لم نعد نحترم النيل، فغضب علينا النيل، لم نعد نتغزل في محاسنه ونغني لصفائه.. فبادلنا نفس الشعور ولسان حاله يقول: إذا عدتم.. عدت.
7
أعتقد أن أول مهمة للجمعية الوليدة هي أن تختار يومًا للاحتفال السنوي بعيد النيل، وأن تقام الاحتفالات والمهرجانات في كل أنحاء القطر المصري، علي ضفاف النهر العظيم.
عيد النيل، مثل شم النسيم، يجب أن يكون عيدًا مصريا خالصًا، يخرج فيه الجميع إلي ضفاف النهر لزراعتها بالورود وتزيينها بالأقواس والبالونات والألوان المبهجة.
شكرًا للدكتور حسن راتب، ولجميع من ساهموا في إحياء هذه الفكرة النبيلة، فربما تكون بداية لأن يلتف المصريون حول شيء لا يختلف عليه.. النيل العظيم.


E-Mail : [email protected]