الجمعة 11 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الدهشة الفلسفية فى عصر المعلومات

الدهشة الفلسفية فى عصر المعلومات

عذرًا عزيزى القارئ فالعنوان ليس من قبيل الفلسفة أو الفزلكة أو جذب الانتباه ولكن القضية بالفعل تحتاج إلى إلقاء بعض الضوء عليها. بداية يقول أرسطو: «إن ما دفع الناس فى الأصل ويدفعهم اليوم الى البحوث الفلسفية الأولى هو الدهشة»...الدهشة تلك الهزة والرجة الوجدانية والعقلية العنيفة التى تصل أحيانا إلى حد الذهول هى المحرك الأول للتفكير الفلسفى... مايطلق عليها دهشة الفلاسفة هى المدخل لكل النظريات والمدارس الفلسفية المختلفة.. هذه الدهشة الفلسفية تكون فى غاية الخطورة عندما يتعرض لها العامة والجهلاء, ففى الغالب لن تذهب بهم إلى مكان مناسب... بقى أن نقول: إن الدهشة الفلسفية تحدث نتيجة الملاحظة والتفكر فى الجديد والقديم... فى المألوف وغير المألوف...فى المسلّم به وفى غير المسلّم به أيضًا. ماذا عن عصر المعلومات وهذا التدفق الرهيب للمعلومات والأخبار والشائعات على مدار الساعة ومن جميع أنحاء العالم... من مصادر ذات درجة ثقة كبيرة ومن مصادر خادعة ومن الأفراد أنفسهم الذين يرددون ما يتعرضون له من معلومات بصورة ميكانيكية وغالبا ما يحدث هذا دون تمحيص أو تدقيق أو تفكير إطلاقًا أو أحيانًا بأقل القليل منه...قليل لا يسمن ولا يغنى من جهل. إذا قام أحد بالتحدث إليك أكثر من خمسة دقائق فإنك تصاب بالملل.... إذا حاولت قراءة كتاب مهما كان شيقًا فإن تركيزك ينهار بعد عدة صفحات وتجد أنك ترى الحروف والكلمات ولكن لا شىء يعلق بذهنك... إذا حاولت مشاهدة التلفاز فانك ستشعر بالملل بعد عشرة دقائق مهما كان البرنامج او الفيلم الذى تشاهده شيقا... تجد أنك تترك كل هذا وتفزع إلى هاتفك المحمول لتتصفح حسابات التواصل الاجتماعى الخاصة بك.... تشاهد مقطع فيديو لا يزيد على دقيقة ونصف وإن زاد فإنك لا تستطيع لذلك صبرا... ثم تترك هاتفك وتحاول استكمال قراءة الكتاب فلا تلبث أن تعيد الكرة بعد ثلاثة صفحات على أقصى تقدير... والسبب أن عقلك أصبح مشوشًا لايستطيع التركيز أكثر من دقائق معدودة فى العالم الواقعى ثم ما يلبث أن يعود إلى الواقع الافتراضى ليبحر فيه إبحارًا بلا هدف وبلا حد أو شاطئ يرسو عليه. ما يحدث داخل العقل هو الأخطر... فالتفكير العميق غير موجود... التمحيص والتحليل ومقارنة البدائل ومراعاة المحددات وخلافه من تقنيات التفكير العميق العقلانى الفلسفى الذى يقود إلى الحكمة... كل ذلك يتوارى أمام السطحية والاندفاع نحو استكمال الإبحار... إبحار مدفوع بالخوف من فقدان التواصل والخوف من عدم الإلمام بكل ما يطرح على تلك الشبكات بغض النظر عن الأهمية أو المصداقية. ولذلك فإن الدهشة التى تحدثها أخبار تلك الشبكات هى دهشة خطيرة لأنها لا تمر على العقل تقريبا وأن مرت فإنها تمر على عقل مشوش جائع للمزيد من الأخبار وزاهد فى التفكير العقلانى. إذا كنت من مدمنى تلك الشبكات ومر عليك سنوات وأنت تفعل ذلك فإن عقلك ووجدانك ودهشتك وتفكيرك وتصرفاتك فى خطر... ما أقوله لا يستدعى الدهشة ولكن يجب أن يقف كل منا وقفة مصارحة شخصية.... يقف مع تصرفاته وإدمانه وعقله ووجدانه ويحاول اكتشاف تلك التأثيرات ويحاول أن يضع لها حدا. تغريدة: البعض يقنن والبعض ينفصل تماما.