صناعة الجهل «1-2»
فى عام 2008 صدر كتاب بعنوان Agnotology: The Making and Unmaking of Ignorance... الكتاب يتحدث عن الجهل ويضع له تعريفات محددة...الجهل ليس هو غياب المعرفة وغياب المعلومات فقط مثلما قد يتبادر إلى الذهن...الجهل يتخطى هذا إلى المعرفة الخطأ أى السير فى عكس اتجاه المعرفة تماما...غياب المعرفة فقط هو أمر طبيعى فلا يوجد لا شخص ولا جهة تمتلك المعرفة كلها...وقديما قال بعض الحكماء «من قال لا أعلم فقد أفتى»....وقال الإمام مالك «إن من فقه العالم أن يقول لا أعلم»...ربما الاعتراف بعدم العلم ينافى الطبيعة البشرية و يصيبها بالانزعاج...نتندر كثيرا على من تستوقفه من المارة لتسأله عن عنوان معين...قلما تجد من يقول «لا أعلم»...الغالبية سترشدك سواء بعلم أو بجهل...ستعرف هذا من ذاك عندما تصل فى نهاية المطاف إلى العنوان المطلوب. وعليه فيمكن إعادة تعريف الجهل بأنه غياب المعلومة السليمة أو وجود معلومات مغلوطة...ربما يمكن إضافة بعض الأمور التى تساعد على تفشى الجهل و منها كثرة المعلومات وزيادتها على الحد الطبيعى...نعم كثرة المعلومات قد تؤدى إلى نتائج عكسية وتحدث نوعا من الجهل الناتج عن الحيرة وإثارة الشكوك فربما تحدث تلك المعلومات الكثيرة نوع من الاضطراب....ربما يوجد بها بعض الفرعيات التى تبدو للوهلة الأولى أن بها تناقض واختلاف...من أشهر الأمثلة على نقص المعرفة مع زيادة المصادر ما نراه اليوم من انتشار محموم للقنوات الفضائية والذى بدأ مع بداية الألفية الثالثة تقريبا...قارن كم المعارف وأيضا درجة الاستمتاع بهذا العدد المهول من القنوات وما تبثه من أفلام ومسلسلات وبرامج وأغان ومباريات رياضية وفنون وثقافة...إلخ... قارن ذلك كله بما كنا نحصل عليه أيام كان عدد القنوات اثنين فقط وأيضا لم يكن الإرسال يمتد ويتصل على مدار الـ24 ساعة مثلما يحدث الآن...لن أتحدث عن عصر الإذاعة مقارنة بعصر التليفزيون لعدة أسباب منها أن هذه وسيلة مختلفة عن التليفزيون ولكن مثال عدد القنوات هو مثال كاشف لأن العامل الأساسى هنا هو العدد....عدد المصادر ومنها يتضح تأثير حجم المعلومات على المعرفة....بالتأكيد يوجد نقطة تعادل هى العدد الأمثل للقنوات والذى بعدها يبدأ منحنى المعرفة فى الهبوط ولكن بصفة عامة يمكن أن نقول إن زيادة عدد القنوات لم يقابله زيادة فى حجم المعرفة بنفس القدر...ربما لم يزدها إطلاقا بالنسبة للبعض... لن أقول إنه زاد البعض جهلا كى لا أكون مبالغا.