الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«الشرطة المصرية» فى مواجهة حرب الردة على «الدولة الوطنية»

«الشرطة المصرية» فى مواجهة حرب الردة على «الدولة الوطنية»

فى ذكرى عيد الشرطة المؤرخ ٢٥ يناير من كل عام أصبح لزامًا علينا أن نحاول شرح فلسفة ما حدث فى هذا اليوم من عام ٢٠١١ الذى اختير بعناية من أجل الطمس التاريخى المتعمد لمناسبة تجسد أسطورة من أساطير النضال المصرى ضد المحتل الإنجليزى. فى يناير ٢٠١١ انطلقت قوافل الفوضى من أجل توجيه العقاب الجماعى والعشوائى للشرطة المصرية، كما لو كان الهدم من الممكن أن يكون وسيلة للتقويم. طوابير الفوضى خرجت فى طريقها لاستهداف كل ما يمثل الشرطة حجرا كان أو بشرًا. كان الهدف هو هدم خط الدفاع الأول من أجل تحقيق ما يلى: - تعطيل أداة إنفاذ القانون من أجل إرساء قواعد الفوضى وفرضها أمرًا واقعًا. - تفريغ الدولة من مظاهر وجودها تمهيدا لإحلال الكيانات الثورية باعتبارها صالحة للإدارة محل مؤسسات الدولة الرسمية. - استدراج الجيش لمهمة إنقاذ اضطرارية بعد أن تم إخراج الشرطة قسرًا من الخدمة، من أجل حصاره فى نفس مرمى استهداف الشرطة لتحقيق السقوط الكامل للدولة. - الإيحاء والخداع بوجود قدرة شعبية للقيام بمهام الدولة من خلال ما سمى باللجان الشعبية لتسفيه فكرة الدولة فى ذهنية المواطن وأنه يمكن استبدالها بكيانات عُرفية. نقول بلا مواربة إن ما حدث فى يناير ٢٠١١ هى عملية انقلاب حضارية واجتماعية وسياسية على فكرة الدولة نفسها! ■ ■ ■   قادة الفوضى لم يكتفوا بحرب الشوارع التى انطلقت نحو الشرطة باستخدام الأسلحة النارية وبأسلوب الحرق المتعمد لمركباتها ومنشآتها، بل راحوا يصفون السلوك الإنسانى الفطرى لضباطها وجنودها بالهروب من الخطر بوازع غريزة البقاء بأنه عملية انسحاب منظمة! ذلك من أجل التعتيم على جريمة التعدى والإتلاف والحرق، ومن أجل قطع الطريق على أى تعاطف مع الشرطة التى تم تصويرها أنها تخلت عن واجبها الدستورى، وكذلك من أجل إطالة المدى الزمنى المحتمل لعودة الشرطة لمواقعها قبل أن تتمكن الفوضى من احتلال كيان الدولة. الوصم بالانسحاب والهروب والتولى كان هدفه فرض هزيمة على الشرطة فى حرب لا يمكن أن تكون طرفا فيها ضد شعب هى مكلفة بحمايته أصلًا. بل تجاوز مخطط الفوضى تفاصيله الآنية إلى استهداف جيل ناشئ حتما سيلتحق بالشرطة ومطلوب أن تكون ثقافته هى الانتقام لما حدث فتصير الأزمة النفسية بينهم وبين أفراد الشعب مستدامة. ما حدث فى يناير هو مخطط لعملية فوضى انشطارية مستدامة لتقويض الدولة ومن ثم إسقاطها. ■ ■ ■  نعود إلى الوراء إلى ما قبل يناير حيث عملية الاستهداف طويلة المدى التى طالت الشرطة حقوقيا وسياسيا وإعلاميا من خلال رصد لحظى لبعض التجاوزات، وتضخيمها وفرضها على الرأى العام كما لو كانت منهجا ثابتا للوزارة إيذاءً للمواطن واستعلاءً عليه، لقد كان الهدف هو تحويل صورة الشرطة فى الذهنية العامة من فكرة النظام إلى فكرة التنظيم الذى يستهدف الشعب المصرى، من أجل تحقيق ما يلى: - دفع الشرطة للانسحاب إجرائيًا والتواجد الشكلى فقط وبالتالى تفقد قيمتها فى وجدان المواطن. - مراكمة الغضب داخل النفسية انتظارا للحظة الانتقام الجماعية. - تبرير سلوكيات بعض العناصر الإجرامية الجنائية من أجل دمجهم فى لحظة تخريب متفق عليها اتخذت فيما بعد من الغطاء الثورى واجهة لها. - إيجاد أرضية مشتركة موحدة مع جماعات الإسلام السياسى خاصة تنظيم الإخوان بادعاء أن الجميع مضطهد من الشرطة. - إظهار الشرطة بمظهر أداة النظام السياسى ولو على حساب الدولة ودون أى وازع أخلاقى أو قانونى. أى أن الهدف العام كان هو إخراج الشرطة من دائرة القانون وبالتالى فإن أى تعامل غير قانونى معها هو رد فعل مبرر مبدئيًا. ■ ■ ■  التفاعل السياسى الإخوانى والإعلامى والحقوقى مدعوما بتواصلاته الخارجية أحدث تأثيراته الجماهيرية التى تجلت يوم ٢٥ يناير ٢٠١١ عندما قتل المتظاهرون مجند شرطة فى هذا اليوم ضربا بالحجارة والأيدى فى شارع محمد محمود وقبل أن تستخدم الشرطة أى وسيلة من وسائل فض التظاهرات أو الاشتباك مع المتظاهرين بل إن جنود الأمن المركزى نزلوا بلا درع ولا عصى. بعدها اكتمل المشهد الذى كشف عن أن مجموعات مدربة وممولة أجنبيًا واجهتها ٦ إبريل كانت وظيفتها استفزاز وإنهاك الشرطة من أجل استدعاء الدماء وتسليم المؤسسة الأمنية جسدًا منهكًا ومشتتًا لتنقض عليه المجموعات الإخوانية المسلحة يوم ٢٨ يناير مدعومة بتشكيلات أجنبية مسلحة دنست سيادة الدولة وهى مطمئنة بعملية التمويه الثورى المخادعة والتى نجحت فى إخراج الشرطة من الخدمة من أجل الانفراد بمؤسسات الدولة واحدة تلو الأخرى بعد سقوط خط الدفاع الأول. تذكر عندما ظهرت الوجوه التى كانت تحمل المولوتوف كضيوف فى البرامج تحتل الشاشات وتواصل الطعن فى جسد الشرطة المسجى على أرض الوطن. ■ ■ ■  استمرت تلك المجموعات الموصومة ثوريا مدعومة بمجموعات الإخوان التى ظهرت فى العلن على أطلال بقايا السجون ومبانى الأقسام المخربة ووحدات المرور التى دمرتها النيران ومركبات الشرطة المحطمة، استمرت فى الزحف نحو الدولة فى حربها للارتداد على هذه الدولة التى كان مقصودًا هدم فكرتها من أجل إعادة صياغة المسخ الإخوانى. انطلق الجميع رافعين شعار الثورة مستمرة من أجل مد أجل مبرر عملية التخريب، وهو شعار غير علمى وغير منطقى لأن الفعل الثورى هو وسيلة مؤقتة للتغيير ولا يمكن أن تكون مستمرة. وسط حالة الفوضى المخلقة انهارت الحالة الأمنية عندما تم تغييب الشرطة وظهرت أكذوبة الانسحاب عندما قوبلت محاولات الشرطة للعودة بقيادات حروب الردة عن الدولة تحول دون العودة حتى إتمام عملية السيطرة الميدانية للتنظيم الإخوانى. ساعتها ظهرت معارضة مجتمعية وطنية لحالة الفوضى التى عمت البلاد ولم تكن فى حسبان مجموعات انتحال الصفة الثورية، وتعالى النداء الوطنى على الشرطة بضرورة العودة، فوصل النداء إلى الجسد الذى كان ملقى فى ميدان الوطن لتدب فيه الروح من جديد محاولا الوقوف مرة أخرى. ■ ■ ■  طوال نفس العام لم تتوقف محاولات تشتيت الشرطة فى أحداث محمد محمود وماسبيرو وغيرها من مناوشات وصولًا لتسليم الدولة للتنظيم الإخوانى الذى كان جاهزًا بميليشياته لحماية مقراته وقياداته فقط تاركًا الدولة للعبث الثورى المستهلك. ولما وصل التنظيم الإخوانى لحكم البلاد لم يجد من يمهد الطريق له إلا الشرطة المصرية لكن المفاجأة حدثت عندما ظهرت حقيقة هذه الشرطة التى حاول التنظيم طمسها ، فتجلت حقيقتها وحقيقة فلسفتها بأنها مؤسسة وطنية غير قابلة للتأدلج أو لخدمة الأنظمة غير الوطنية. لم تخرج الشرطة عن إطارها المؤسسى باعتبارها كيانا مدنيا وهيئة نظامية بل إن الإخوان هم من حاولوا استدراجها إلى مساحات التنظيم وإلى ما هو خارج مؤسسية الدولة فحدث الانعزال عن التنظيم وليس عن النظام العام. ■ ■ ■  وفى الوقت الذى كانت الشرطة فيه هدفًا ثوريًا فى ٢٠١١ فإنها هى ذاتها تحصنت بالوعى الشعبى، وأصبحت فى طليعة أدوات الدولة لحماية إرادة الشعب، فظهر المشهد الأسطورى لضباط شرطة محمولين على الأعناق فى ميدان التحرير عشية ٣٠ يونيو ٢٠١٣. فى هذه اللحظات وفى مواجهة الاتهام الغابر بالانسحاب فإن هذه الشرطة تقدمت صفوف المواجهة لإرهاب الإخوان وقدمت آلاف الشهداء لتقول إنه لا مزايدة على الدماء وأن من قدم روحه لوطنه لا يمكن أن يكون منسحبًا يومًا ما.