26 يونيو 2019 - 45 : 14
رئيس مجلس الإدارة
عبد الصادق الشوربجي
رئيس التحرير
احمد باشا

على أنغام المخرطة والإيقاع

الخروج من عباءة التقاليد فى «صبايا مخدة الكحل»

   «صبايا مخدة الكحل» عمل متعدد المشاهدة والإيحاء قد يوحى لك بحالة صوفية أو ربما تراه طقسا فرعونيا أو صعيديا كل ذلك يأتى من اعتماده على الجمع بين خليط من الفنون فى عمل واحد؛ فهو عرض ينتمى إلى المسرح الطقسى وليس المسرح التقليدى أو كما يطلق عليه صانعه هو نموذج حى للمسرح البوليفونى «متعدد الصور والمستويات».



المسرح الطقسى

يعتمد العرض فى التعبير عن فكرته الرئيسية وهى فكرة تحرر المرأة من كبت السجن والاستسلام لتقاليد المجتمع البالية عن طريق استخدام واستعراض طقوس اجتماعية مختلفة استخدمها المخرج لعمل مزج ممتع ومتقن الصنع مع آلات الإيقاع متعددة الأصوات حيث قدم طقوسا فرعونية وصعيدية بدءا من الملابس وانتهاء بالمكحلة التى تستخدمها المرأة عادة للزينة هذه المكحلة هى محور العمل من البداية وحتى النهاية، ف للمخرج وجهة نظر فى الانفراد باستخدامها لأن المرأة الفرعونية كانت تتكحل عند الوفاة فقط، بينما نحن نستخدم هذا الكحل فى مرحلة الولادة والزواج فى مجتمعات مختلفة وبالتالى المرأة الشرقية لها طقوس استثنائية تخصها وحدها ارتبطت هذه الطقوس بتاريخ تفرد المرأة منذ عهد الفراعنة وحتى الآن ففى العمل خليط واضح بين الطقوس الفرعونية مثل الضرب بالقاقيب وبين صور أخرى تحوى هذه القباقيب للمرأة فى الصعيد وكأن الأولى امتدادا للأخيرة اجتمع هؤلاء فى دائرة مخدة الكحل التى تطوف بها منذ الولادة وحتى الوفاة.

الخروج من عباءة التقاليد

كما يدعو العرض للثورة على التقاليد خرج هو أيضا من عباءة المسرح التقليدى؛ حيث يعتمد على الحكى والغناء والعزف الموسيقى والتعبير الحركى من خلال بطلة العمل الجدة سميرة عبد العزيز التى تروى مجموعة من العبارات المرسلة عن الرغبات المكبوتة وسعى الفتيات أو المرأة لنيل حريتها والانطلاق بالثورة على المجتمع حيث تجلس الجدة فى المنتصف وحولها الفتيات من أعلى واسفل فى مستويين متوازيين على سرير حديد انقسم إلى أكثر من برواز تجلس فيه كل فتاة بمفردها كأنهن محبوسات داخل تلك البراويز يمارسن طقوس الزينة والثورة بالإكسسوارات المتعددة التى تنوعت بأيديهن بجانب اثنتين يجلسن أمام الجدة فى المقدمة أحطن الفتيات بهذه المرأة العجوز وبثورتهن على الواقع لتحقيق ما كانت هى نفسها تأمله وتتمناه لكنها ربما لم تدركه فى حياتها ازدحمت القاعة بالفتيات الثائرات سواء بالتعبير الحركى أو باندماجهن بالعزف الإيقاعى باستخدام أدوات المطبخ أحيانا مثل «الحلة» و«المخرطة» باعتبارها أدوات المرأة التى تمثل قوتها وسطوتها بالمنزل مع إلقاء الأشعار، التحم العمل ككتلة واحدة جامعة فى مشهد واحد الموسيقى بالرقص والغناء والعزف الإيقاعى باستخدام أدوات منزلية وليس مجرد آلات إيقاعة امتزجت كل هذه العناصر فى مشهد واحد لتخرج بصورة سمعية وبصرية انتصرت لممارسة الطقوس والتعبير عنها بشكل أعمق من الحوار المرسل والتمثيل.

الإخلاص للفكرة

تحرر العرض من منطق الدراما التقليدى للعروض المسرحية وقدم فى تجربة استثنائية الشكل الطقسى التراثى اعتمد بشكل رئيسى على العزف الموسيقى بمجموعة متنوعة ومختلفة من الآلات الإيقاعية والوترية مثل الطنبورة، البريكشن، الطبلة، الرق، القانون، العود، والناى قدمت هذه الآلات بقيادة المايسترو انتصار عبد الفتاح خليط موسيقى ومزج ممتع ومتفرد مع العمل المسرحى بجانب الحوار الشعرى للكاتبة كوثر مصطفى ففى هذا العمل حالة من الإخلاص والتوحد مع فكرة العرض الخاصة بالدعوة لانطلاق المرأة فى القرن الواحد والعشرين والثورة على التقاليد الثابتة ففى سبيل نبذ هذا الثبات قدم عبد الفتاح عملا متحركا فنيا يصلح إلى الإعادة والتقديم فى أى مكان وبأى زمان كما أن منطق التجرد والتوحد فى الدعوة إلى الأفكار من شدة الإيمان بها هو منطق صوفى بالأساس وبالتالى منح العمل هذا الشعور بالسمو والارتقاء خاصة فى اشعاره التى اقتربت فى صفائها من اشعار المتصوفة وبالتالى كان للعرض متعتان متعة سماع ايقاعات موسيقية وإنشاد بأشعار تراثية مع تداخل ستونة بأدائها النوبى لأشعار فلكورية كل هذه العناصر كان لها صدى كبيرا على المشاهدين فمن لم يعتد مشاهدة المسرح ستجذبه النشوة ومتعة اكتشاف هذا العالم التراثى متعدد الأوجه ففيه اجتمعت أشكال الثقافة الفلكورية المصرية الأصيلة ليثبت أن هذا التعدد خرج من رحم ثقافة واحدة فتوحدت الحضارة المصرية بالرقص والموسيقى وضرب القباقيب كما تميز هذا العرض بتقديم أكثر من مشهد ورؤية فى لحظة واحدة ولشدة صعوبة قيادة هذا الخليط الفنى النادر دأب المخرج انتصار عبد الفتاح على الجلوس بين الموسيقيين والفنانين لتوجيههم أثناء العرض وكأنه مايسترو يقود اوركسترا وكورال!

ليست هذه المرة الأولى التى يقدم فيها هذا العرض بل سبق أن قدمه المخرج انتصار عبد الفتاح عام 1996 ضمن فعاليات مهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبى وفاز وقتها بجائزة أفضل عرض كما شارك ضمن فعاليات أيام قرطاج المسرحية ولم يكن ضمن التسابق بينما من شدة إعجاب اللجنة بالعمل منحته جائزة ووضعته ضمن عروض المسابقة الرسمية وخلال العام الماضى كان من المقرر إعادة العرض ضمن الاحتفال باليوبيل الفضى للتجريبى لكن لم يسمح الوقت بإعادته وفضل المخرج تقديمه من جديد برؤية معاصرة على خشبة مسرح الطليعة بقاعته الصغيرة باسم «صبايا مخدة الكحل» فى إشارة إلى المستقبل ما بين الماضى والمستقبل يحيى إنتصار عبد الفتاح قيم الثورة على التقاليد.

شارك فى بطولة العرض الفنانة سميرة عبد العزيز، حربى الطائر، شهيرة كمال، رشا سامى، نهال القاضى، مارينا صبحى، سمر حسين، سحر حسين، لمياء حميدو، شيماء جابر، فيروز انتصار، ندى أشرف، نورا حسنى، نجلاء يونس، نهى مندور أداء حركى آيات محمود، آن توماس، بالاشتراك مع ستونة سيناريو ورؤية موسيقية وصوتية إنتصار عبد الفتاح ديكور وملابس نعمية عجمى حوار كوثر مصطفى.