26 يونيو 2019 - 45 : 14
رئيس مجلس الإدارة
عبد الصادق الشوربجي
رئيس التحرير
احمد باشا

حقوق اليتيم فى العصر الفرعونى

إيذاؤه جريمة ورعايته التزام.. وحماية حقه مهمة الملوك

قد لا تحتاج مصر لإثباتات على ريادتها للعالم فى كثير من الأشياء والأحداث التاريخية،لكننا فى بعض الأحيان نحتاج كى نتذكر أنها كانت سباقة دائما عبر التاريخ فى أفعال إنسانية كثيرة أقربها يوم اليتيم الذى تحتفل به مصر غدا،حيث تميزت الحضارة المصرية عبر عصورها المختلفة بالمعاملة الإنسانية مع اليتيم ورعايته حق رعاية،ولا أقل من دليل على ذلك أن الإساءة لليتيم كانت تعد من الذنوب الكبيرة فى مصر القديمة،بل وصلت إلى حد التهمة التى لا يتمنى أحد أن يوصم بها،وكل هذه القيم والمعانى الإنسانية فى التعامل مع اليتيم ظل متواصلة حتى تجسدت فى أسمى معانيها فى معية الحضارة الإسلامية، وذلك إستنادا على آيات القرآن الكريم التى حثت على إكرام اليتيم والإحسان إليه وحفظ ماله،وجزاء هذا كبيرا كما ورد فى حديث الرسول محمد»ص»حين قال:(أَنا وَكافلُ اليتيمِ فى الجنَّةِ هَكَذا وأشارَ بأصبعيه السبابة والوُسطَى وفرَّجَ بينَهُما).



كشف د. أحمد بدران  أستاذ الآثار والحضارة المصرية القديمة كلية الآثار جامعة القاهرة أن مصر القديمة اهتمت باليتيم وعملت على رعايته،وعرف اليتيم فى النصوص المصرية القديمة باسم «نمح nmh»، وأيضا «تفن tfn»بمعنى يتيم،وكانت رعاية اليتيم تمثل إلتزاما أخلاقيا وجزءا رئيسيا من الضمير الجمعى المجتمعى المستمد من العقيدة المصرية القديمة.

كما أن المعبود حورس كان مثالا واضحا على الطفل اليتيم، وذلك بعد مقتل والده أوزير على يد عمه ست وقامت برعايته أمه رمز الحنان والحب الوفاء للربة إيزيس بمعاونة مجمع الأرباب الذى حكم فى نهاية الأمر بعرش مصر لحورس وريث أوزير وإقصاء ست بعيدا بل أكثر من ذلك أن المصرى القديم كان ينفى عن نفسه جريمة إيذاء اليتيم أو اغتصاب ممتلكاته أو سلب ميراثه حيث ورد فى كتاب برت إم هرو أى الخروج فى النهار المعروف بكتاب الموتى وبالتحديد فى الفصل رقم 125 الخاص بالاعترافات الإنكارية:»أننى لم أحرم اليتيم من ميراثه» كما أن المعبود آمون رب طيبة الشهير نعت بأنه زوج الأرملة ووالد اليتيم فى إشارة واضحة إلى النظام الإجتماعى التكافلى التراحمى فى المجتمع اقتداءا بالمعبود،كما ورد على احدى الشقافات التى تؤرخ بعصر الدولة الحديثة:»بالنسبة لمن ليس لديه أطفال عليه أن يتبنى يتيما ويقوم على تربيته ورعايته».

 كما ورد على لوحة الهبة من عهد الملك أحمس الأول أنه أعطى الزوجة الإلهية أحمس نفرتارى العديد من الهبات والعطايا وذكرت أحمس نفرتارى حيث تمدح المعبود آمون قائلة:»لقد كسانى بينما لم املك شيئاً واغنانى بينما كنت يتيمة».

وأيضاً ذكر الملك أمنمحات الأول من الأسرة الثانية عشرة عصر الدولة الوسطى فى تعاليمه أنه:»أعطى السائل وأطعم اليتيم»،بالإضافة إلى أن نصوص السيرة الذاتية لحكام الأقاليم فى مصر القديمة والذين هم بمثابة المحافظين فى العصر الحديث،جميعهم ذكر أنه أعطى الأرملة وواسى اليتيم وكفكف دموع اليتيم وعمل على رعايته.

ويلاحظ من خلال النصوص المصرية القديمة أن رعاية الأرملة وحماية اليتيم وكفالته والإحسان إلى الفقير كانت محط إهتمام الملوك والحكام وأفراد الشعب المصرى كله، وورد فى تعاليم حينتى الثالث لولده مريكادع من عصر الإنتقال الأول: أن الأب خيتى يحث إبنه على أن لا يرد الأرملة وأن لا يسلب جزءا من ممتلكات وميراث اليتيم».

ونفس الأمر أورده الملك أمنمحات الأول من عصر الدولة الوسطى، بل إن الملك رميسى الثالث من الأسرة العشرين عصر الدولة الحديثة يذكر فى نصوصه أنه أعطى اهتماما خاصة للعدالة ووضع نصب عينيه الأرملة واليتيم،وكان ذلك من فضائل الملك الحاكم وواجباته تجاه رعيته سيرا على درب المعبود تجاه خلقه.

 

بلاغة الفلاح الفصيح 

 

كشف د.أحمد بدران أنه من أفضل ما يروى عن اليتيم فى مصر القديمة ما ورد فى قصة الفلاح الفصيح التى تؤرخ بعصر الأسرة العاشرة العصر الإهناسي، حيث يخاطب «خو إن إنبو» المحمى من أنوبيست فلاح وادى النطرون الذى سلب من بضاعته عن طريق ناظر العزبة «جحوتى رنمتى نخت» فيتوجه بالكلام إلى المعبود أوزير قائلاً «أنت والد اليتيم».

 

حورس.. أشهر يتيم فى مصر القديمة 

 

يعد حورس وهو إله الشمس عند القدماء المصريين من أشهر الذين حكموا فى مصر القديمة، وهو يتيم الأب بطريقة درامية طبقة للتاريخ، فهو إبن إيزيس وأوزوريس، وقام عمه ست إله الشر بقتل والده أوزوريس، ويظهر كما صوره المصريين القدماء على شكل صقر ذي نظرة حادة بجسد يشبه الإنسان كثيرًا، وعندما كبر حورس انتقم لوالده من قاتله وهو عمه ست، حيث قام بقتله وتولى هو الحكم، وتعد عين حورس من أبرز مفردات الحضارة المصرية القديمة.