26 يونيو 2019 - 45 : 14
رئيس مجلس الإدارة
عبد الصادق الشوربجي
رئيس التحرير
احمد باشا

يتامى.. صنعوا ذاكرة وطن

اليتم أنواع.. فمن مات أبوه وهو صغير لم يبلغ الحلم بحسب تعريف المعجم العربى فهو « اليتيم»، أما من ماتت أمه وهو صغير فيربى بلبن غيرها، فيسمى «العجى»، فمن مات والداه الاثنان وهو صغير فهو بحسب تعريف المعجم «اللطيم».. وبحسب الواقع هو أكثر الناس حرمانا  من أسمى غريزة وعاطفة إنسانية.. وفى تاريخ الوطن قائمة من أسماء لأطفال عاشوا فى صغرهم  يتامى، وعجايا، ولطم، بضم اللام والطاء، وما أن كبروا حتى صنعوا من حرمانهم عطاء غمروا به الإنسانية فحفرت أسماؤهم فى ذاكرة ووجدان الوطن.



 

جمال عبد الناصر

أخفى عنه الجميع سبب انقطاع خطابات أمه وهو فى الثامنة

 

فقدان الزعيم جمال عبد الناصر لأمه ليصبح بحسب المعجم « عجي» وهو  فى سن الـ8 سنوات كان له أثر بالغ من الحزن فى حياته امتد حزنه عليها حتى بعدما كبر وأصبح رئيسا للجمهورية بحسب رواية صديقه الراحل «محمد حسنين هيكل»، وكانت فاجعة «ناصر» فى موت أمه أكبر بعدما أخفى الجميع عنه سبب انقطاع خطابات أمه التى كانت ترسلها اليه وهو يدرس فى مدرسة الابتدائية بالقاهرة.

«جمال عبد الناصر» طفل الابتدائية سهر الليالى يخط حروفا متشابكة لكلمات بسيطة بالكاد تعلم كتابتها من اجل الإطمئنان على أمه، وبعد كثرة الخطابات جاءه الرد من أبيه فى خطاب يخبره بأن والدته منشغلة فى أعمال البيت ,ولم يعد لديها الوقت الكافى للكتابة له ,فعاش «ناصر» الطفل فى انتظار يوم الأجازة بفارغ الصبر ليعود الى بلدته « الخطاطبة « ليرتمى فى احضانها بعد غياب، الا ان صدمته انه دخل البيت فلم يجد الا سيدة جديدة هى زوجة أبيه التى جاءت من اجل تربية إخوته بعدما رحلت أمه.

ووفقا لهيكل فإن  وفاة والدة عبد الناصر كانت صدمة حياة الرجل الذى سيغير وجه مصر بعد سنوات:ويروى هيكل : «كنت أحس أنه لما يتكلم عن أمه حتى وهو كبير، وهو رئيس جمهورية، فيه ظل يفوت فى عينه».

 

 

 

 

محمد على باشا

مؤسس مصر الحديثة الذى تحدى طغاة «الأستانة» 

 

مؤسس مصر الحديثة محمد على باشا، الذى حكم مصر ما بين 1805 إلى 1848، كان منذ الرابعة عشرة من عمره يتيم الام والاب معا اى «لطيم» بحسب المعجم، بل وكان ضمن 17 أخا لم يعش منهم سواه.. وهذا هو يتم أيضا بل أشد اليتم بؤسا ومعاناة، وقد ولد فى مدينة «قولة» شمال اليونان عام 1769 لأسرة البانية، وبعد ان فقد كامل اسرته قام عمه «طوسون» بكفالته ورباه مع اولاده، لكنه لسوء حظه مات هو الآخر وهو مازال طفلا فتكفل بتربيته صديق والده يسمى «الشوربجي» واعتنى بتربيته حاكم «قوله أيضا»، وما ان اشتد عوده حتى أدرجه صديق والده بسلك الجندية التى اظهر فيها براعة المباغتة وقوة الاحتمال.

 واختلف المؤرخون بشأن وصف محمد على باشا فمنهم من اعتبره بالفعل الحاكم الذكى الذى استطاع ان ينهض بمصر ويبنى دولة قوية، ومنهم من يصفه بأنه احد الغزاه الذى استغل ثروات البلاد من أجل بناء مجد أسرته العلوية، ومكنه ذكاؤه واستغلاله للظروف المحيطة به من أن يستمر فى حكم مصر لكل تلك الفترة، ليكسر بذلك العادة العثمانية التى كانت لا تترك واليًا على مصر لأكثر من عامين…

خلال فترة حكم محمد علي، استطاع أن ينهض بمصر عسكريًا وتعليميًا وصناعيًا وزراعيًا وتجاريًا، مما جعل من مصر دولة ذات ثقل فى تلك الفترة، إلا أن حالتها تلك لم تستمر بسبب ضعف خلفائه وتفريطهم فى ما حققه من مكاسب بالتدريج إلى أن سقطت دولته فى 18 يونيو سنة 1953 م، بإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية فى مصر.

ومن أبرز المواضيع التى تجعل البعض يتحفّظ على عهد محمد على باشا، قصة عزمه على هدم الهرم الأكبر واستخدام أحجاره الضخمة لبناء قناطر جديدة عند رأس دلتا النيل فى منطقة شلقان، التى أصبحت فيما بعد القناطر الخيرية، والتى تراجع عنها بعد أن أقنعه المهندس الفرنسى لينان دو بلفون بعدم جدواها. على العموم تعتبر النظرة سالفة الذكر النظرة الأقل قبولاً عند المؤرخين وبالذات العرب منهم.

 

 

 

 

 البابا شنودة.. ابن مصر

رحلت الأم وعمره 3 أيام فرضع لبن «الوحدة الوطنية» 

 

«نظرًا لأن والدتى انتقلت بعد ولادتى مباشرة، فأنا لم آخذ لبنا من والدتى، ولكننى أخذت من لبن أمهات القرية، وكانت كل واحدة منهن تقول للثانية: «الواد اليتيم ده ما خدش لبن من أمه»، لذا رضعت من أمهات كثيرات، وأنا مدين لكل هؤلاء الأمهات أننى مازلت موجودا حتى الآن»، بهذه الكلمات وصف قداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية الـ117، حاله بعدما توفيت والدته وهو مازال رضيعا بعد ثلاثة ايام فقط من ولادته بسبب مرضها بحمى النفاس. ويبدو جليا انه من هنا جاءت بذرة ايمان «البابا شنودة» بالوحدة الوطنية التى تجسدت معانيها فى طل تعاليمه وقواعده التى أرساها فى المجتمع بأسره، فهذا الرضيع الذى شبع من لبن أمهات القرية المسلمات والمسيحيات كبر ليشبع الوطن كله بتعاليم ومبادئ الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين فكان راهبا وبابا للكنيسة وأمه لإرضاعه مسلمة هى «أم رمضان» وله اخوات بالرضاعة مسلمون.

وولد «نظير جيد روفائيل» الذى أصبح البابا شنودة فى قرية سلام على بعد 9 كيلو مترات من مدينة أسيوط 3 أغسطس عام 1923، وكان والده طبيبا وبعدما توفى رباه أخوه الأكبر روفائيل، وسافرا إلى القاهرة ليقيما فى منطقة شبرا.

 وكان البابا طالبا متفوقا، فقد التحق بجامعة فؤاد الأول، فى قسم التاريخ، وبدأ بدراسة التاريخ الفرعونى والإسلامى والتاريخ الحديث، وحصل على الليسانس بتقدير ممتاز عام 1947، وفى السنة النهائية بكلية الآداب التحق بالكلية الإكليريكية، وحضر فصولا مسائية فى كلية اللاهوت القبطى وكان تلميذاً وأستاذا فى نفس الكلية.

رسم راهباً باسم «انطونيوس السريانى» فى يوم السبت 18 يوليو 1954، ومن عام 1956 إلى عام 1962 عاش حياة الوحدة فى مغارة تبعد حوالى 7 أميال عن مبنى الدير مكرسا فيها كل وقته للتأمل والصلاة..

وبعد سنة من رهبنته تمت سيامته قساً، أمضى 10 سنوات فى الدير دون أن يغادره، وعمل سكرتيراً خاصاً للبابا كيرلس السادس فى عام 1959، ثم رُسِمَ أسقفاً للمعاهد الدينية والتربية الكنسية، وكان أول أسقف للتعليم المسيحى وعميد الكلية الإكليريكية، وذلك عام 1962.

 

 

 

 

نبوية موسى.. لم تر والدها إلا فى المنام 

أرادت الذهاب للمدرسة فقال عمها: «عيب.. البنت للغزل مش للخط» فذهبت سرًا

 

 

«لم أره إلا فى المنام» بهذه الكلمات كانت تتحدث الرائدة النسوية والكاتبة والمفكرة والأديبة نبوية موسى عن والدها الذى لم يرها أو تره، حيث سافر إلى السودان قبل ولادتها بشهرين، وانقطعت اخباره، ولم يعد.. وولدت نبوية موسى محمد بدوية فى 17 ديسمبر 1886 بقرية كفر الحكما بندر الزقازيق، محافظة الشرقية، وكان والدها ضابطًا بالجيش المصرى برتبة يوزباشي، وكان يمتلك فى بلدته بمديرية القليوبية منزلًا ريفيًا كبيرًا وبضعة فدادين يؤجرها حين يعود لمقر عمله. ويشار إلى سفر والد نبوية إلى السودان قبل ميلادها بشهرين؛ فنشأت يتيمة الأب ولم تره كما تقول إلا فى المنام.

عاشت هى ووالدتها وشقيقها محمد موسى، الذى يكبرها بعشر سنوات، فى القاهرة؛ لوجود أخيها بالمدرسة، واعتمدت الأسرة على معاش الأب وما تركه من أطيان. وفى طفولتها ساعدها شقيقها على تعلم القراءة [والكتابة فى المنزل، فتعلمت نبوية مبادئ القراءة والكتابة، وعلمت نفسها مبادئ الحساب، وعلمها أخوها اللغة الإنجليزية. ويشار إلى تعلمها الكتابة عن طريق محاكاة النصوص المكتوبة. ولما بلغت نبوية الثالثة عشرة من عمرها تطلعت لاستكمال تعليمها مدرسيا، غير أنها لم تجد أى مساندة من عائلتها عند اتخاذها هذا القرار، وجاء بعض من ردود كبار العائلة لنبوية صادمة ومنها: «عيب، مش أصول بنات العائلات، سفور وقلة حياء». و قال لها عمها «البنت للغزل مش للخط».

ذهبت نبوية سراً إلى المدرسة، متخفية فى ملابس خادمة ثم تقمصت دور أم تسأل عن تعليم ابنتها فقالوا لها أنه يجب تقديم طلب موقع بختم ولى الأمر حيث سرقت ختم والدتها، وكما تقول فى كتابها «تاريخى بقلمي» لتقدم هى لنفسها بدلاً من ولية أمرها، وباعت سوارًا من الذهب حتى تحمل المدرسة على قبول طلبها الذى جعلته بمصروفات. فحصلت فى النهاية على دبلوم المعلمات عام 1908، بعد أن قضت سنتين تحت التمرين فى التدريس وثبتت فى وظيفتها كمعلمة، وفى هذه الفترة بدأت تكتب المقالات الصحفية وتنشرها فى بعض الصحف، مثل «مصر الفتاة» و»الجريدة».

وعُينت معلمة بمدرسة عباس الأول الابتدائية للبنات بالقاهرة. ولما كان مرتب المعلمة الحاصلة على دبلوم المعلمات السنية ستة جنيهات مصرية فى الوقت الذى يعين فيه خريج المعلمين العليا من الرجال بمرتب اثنى عشر جنيهاً، احتجت لدى المعارف فأجابتها بأن سبب التفرقة هو أن متخرجى المعلمين العليا حاصلون على شهادة البكالوريا «الثانوية العامة»؛ فعقدت نبوية العزم على أن تحصل عليها واستعدت لها بمجهود ذاتى فلم يكن فى مصر آنذاك مدارس ثانوية للبنات وتقدمت لهذا الامتحان متحدية مستشار التعليم الإنجليزى دانلوب، فأثارت ضجة فى وزارة المعارف باعتبارها أول فتاة فى مصر تجرؤ على التقدم لهذه الشهادة. وفى نهاية المطاف، نجحت نبوية فى الامتحان وحصلت على شهادة البكالوريا عام 1907 فكان لنجاحها ضجة كبرى، ثم حصلت على دبلوم المعلمات عام 1908.