السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ثورة 23 يوليو وقراءة فى أمن مصر القومى

ثورة 23 يوليو وقراءة فى أمن مصر القومى

تُعد ثورة 23 يوليو نقطة فارقة فى تاريخ مصر، وفى العالم الثالث خلال النصف الثانى من القرن العشرين، حيث انطلق أعضاؤها من بين أفراد الجيش وهم مجموعة من الضباط من مختلف تشكيلات ووحدات القوات المسلحة عرفوا بمجموعة «الضباط الأحرار» فى أوائل يوليو عام 1952.



ففى صباح ليلة 23 يوليو انطلق الضابط الأحرار ليبدءوا ثورتهم وليعلنوا للشعب انتهاء فترة الاستعباد وبداية لعصر جديد مشرق فى تاريخ مصر والعرب والشرق الأوسط بل ودول العالم الثالث.. وأذاع الرائد محمد أنور السادات بيانًا للشعب المصرى أعلن فيه اندلاع حركة سلمية بدون دماء قامت بها القوات المسلحة من أجل الأمن القومى على أساس الشرعية الثورية.. وكان لإندلاع الثورة عدة دوافع قادت إليها تتمثل فى الآتى: 

1)  الأحوال السياسية والدستورية:

اندلعت الثورة كنتيجة للنظام الملكى الذى اعتبره البعض فاسداً، وموالى للاحتلال البريطاني، وفساد نظام الأحزاب فى غياب نظام ديمقراطى سليم بسبب التلاعب فى نتائج الانتخابات لصالح أحزاب الأقلية التى حكمت الدولة فى ظل حكم الملك الذى كان يحمى عرشه البريطانيون.. ومن بين الأمثلة الفاضحة لهذا الفساد كان تدخل الملك فى إنهاء الحياة البرلمانية عن طريق تعليق تطبيق الدستور وحل مجلس النواب عدة مرات متتالية.

2)  استمرار الاحتلال البريطانى:

استمر الاحتلال البريطانى لمصر لأكثر من سبعين عاماً، وتدخلها المزعج فى شئون مصر الداخلية.. ولم يكن هناك أية دليل يلوح فى الأفق يشير إلى احتمالية جلاء بريطانيا عن مصر رغم اعترافها بمصر كدولة مستقلة ذات سيادة، ولم يتوقف التدخل البريطانى فى شئون مصر «مثل أحداث الرابع من فبراير والاعتداء على مدينة الإسماعيلية».

3) تدهور الأحوال الاقتصادية:

كان الاقتصاد المصرى يقوم على الإنتاج الزراعى فقط، وخاصة القطن.. كما انتشرت البطالة، وانخفضت الأجور ومستويات المعيشة، وسيطر الأجانب على الاقتصاد القومى المتمثل فى شركات التأمين العملاقة، والتجارة الخارجية والبنوك.

4) تدهور الأحوال الاجتماعية:

انقسم المجتمع المصرى إلى طبقتين منفصلتين تماماً.. الأولى قليلة العدد، وكانت تتكون من الزعماء الإقطاعيين، وسيطرتها على ثروات الدولة... بينما تكونت الطبقة الثانية من الأغلبية الساحقة التى ضمت الفلاحين، والحرفيين، وتجار التجزئة، والعمال، وتتمتع بحقوق ملكية محدودة، ودخول منخفضة.

5) مأساة حرب فلسطين عام 1948:

تركت حرب فلسطين حزن عميق فى نفوس المصريين، وخاصة بين ضباط الجيش المصرى وجنوده الذين شاركوا فى الحرب كرد فعل ضد الفساد، والذى من بين علاماته المخجلة صفقات الأسلحة الفاسدة التى أودت بحياة الكثير من الأبرياء.

أهداف الثورة:

وجهت ثورة 23 يوليو مسارها ومبادئها إلى بناء مجتمع جديد حيث يتلخص فى ستة مبادئ هي:

وضع نهاية للاحتلال البريطانى وأعوانه من المصريين الخائنين عن طريق التصدى للقوات البريطانية المرابطة فى منطقة قناة السويس،والقضاء على الإقطاع، والرأسمالية والاحتكار الشخصي،وتحقيق العدالة اجتماعية بين طبقات الشعب،وبناء جيش قومى قوى يستطيع التصدى للمؤامرات الأجنبية التى تهدف إلى إعاقة القوة العسكرية المصرية، كما يعمل هذا الجيش كدرع فى مواجهة معارضى الثورة داخل الدولة،ووضع نظام ديمقراطى سليم لمواجهة التشويه السياسى ويحفظ معالم الوحدة الوطنية.

وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية،فرسمت ثورة 23 يوليو سياستها الخارجية فى كتاب «فلسفة الثورة»، الذى أصدره الرئيس جمال عبدالناصر مقترحاً ثلاثة ميادين يجب أن تدخل فيهم مصر (ثلاث دوائر لأمنها القومى) بالاضافة الى الدائرة الاقليمية والعالمية. الأول: الدائرة العربية:

«هل لنا أن نتجاهل وجود الميدان العربى الذى يحيط بنا وينتمى لنا بقدر ما ننتمى إليه؟

فتاريخنا قد اختلط بتاريخه وتداخلت مصالحنا مع مصالحه».

الثاني: الدائرة الأفريقية:

«هل لنا أن نتجاهل أن هناك ما يسمى بالقارة الأفريقية التى كان مقدر لنا الانتماء إليها؛ فهى القارة التى كان مقدر لها أيضا أن تشهد صراع مروع على طول تاريخها... هذا الصراع الذى سيصب تأثيره علينا للأحسن أو للأسوأ سواء شئنا أم أبينا؟».

الثالث: الدائرة الإسلامية:

• «هل لنا أن نتجاهل وجود العالم الإسلامى الذى نرتبط به لا عن طريق العقيدة فقط بل عن طريق الحقائق التاريخية كذلك؟».

ولثورة 23 يوليو الكثير من الانجازات التى أفادت الشعب المصري، منها محليا، ـ الإنجازات السياسية؛ تأميم قناة السويس إلغاء النظام الملكى وقيام الجمهورية توقيع اتفاقية الجلاء بعد أكثر من سبعين عاما من الاحتلال بناء حركة قومية عربية.

ـ إنجازات ثقافية؛ أنشأ الهيئة العامة لقصور الثقافة والمراكز الثقافية إنشاء أكاديمية تضم المعاهد العليا للمسرح والسينما والنقد والباليه والأوبرا والموسيقى والفنون الشعبية رعاية الآثار والمتاحف ودعم المؤسسات الثقافية.

ـ إنجازات تعليمية؛ قرار مجانية التعليم العام والعالى مضاعفة ميزانية التعليم العالى إضافة عشر جامعات فى جميع أنحاء البلاد إنشاء مراكز البحث العلمى وتطوير المستشفيات التعليمية.

ـ إنجازات اقتصادية واجتماعية؛ قضت على الإقطاع مصرت وأممت التجارة والصناعة إلغاء الطبقات بين الشعب المصرى قضت على السيطرة الرأسمالية فى مجالات الإنتاج الزراعى والصناعى وبناء السد العالي.

وعلى المستوى العربى نجحت ثورة يوليو فى توحيد الجهود العربية وحشد الطاقات لصالح حركات التحرر العربية أكدت للأمة من الخليج إلى المحيط أن قوة العرب فى توحدهم ،وأقامت الثورة تجربة عربية فى الوحدة بين مصر وسوريا فى فبراير 1958.. كما عقدت اتفاق ثلاثى بين مصر والسعودية وسوريا ثم انضمام اليم..ولدفاع عن حق الصومال فى تقرير مصيره.. كما ساهمت الثورة فى استقلال الكويت.. ودعم الثورة العراقية.. أصبحت مصر قطب القوة فى العالم العربى مما فرض عليها مسئولية والحماية والدفاع لنفسها ولمن حولها ودعمت الثورة اليمنية وأرسلت قوات مصر المسلحة لنصرتها..كما ساعدت اليمن الجنوبى فى ثورته ضد المحتل حتى النصر وإعلان الجمهورية..وساندت الثورة الشعب الليبى فى ثورته ضد الاحتلال. .دعمت حركة التحرر فى تونس والمغرب حتى الاستقلال. .كما ساندت الثورة الجزائرية حتى الاستقلال.

وعالميا لعبت قيادة الثورة دورا رائدا مع يوغسلافيا بقيادة الزعيم تيتو ومع الهند بقيادة نهرو فى تشكيل حركة عدم الانحياز مما جعل لها وزن ودور ملموس ومؤثر دوليا،ووقّعت صفقة الأسلحة الشرقية عام 1955 والتى اعتبرت نقطة تحول كسرت احتكار السلاح العالمى دعت إلى عقد أول مؤتمر لتضامن الشعوب الإفريقية والآسيوية فى القاهرة عام 1958.

وأخيراً فإن 23 يوليو، هى فى مصاف الثورات البيضاء، التى لم يُرق فيها الدماء، كما شكَّلت ظاهرة جديدة فى الثورات لذلك اكتسبت تأييدًا شعبيا جارفا من ملايين الفلاحين والطبقات الكادحة..كما تميَّزت الثورة بالمرونة، وعدم الجمود فى سياستها الداخلية..وإلى اليوم والثورة مفتوحة بكل مرونة على التجديد، والإضافة، والإثراء، وحتى تحقيق الحرية، والاشتراكية، والوِحدة.