الثلاثاء 1 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
التحرش وسنينه!

التحرش وسنينه!

التحرش كلمة أصبحت على طاولة المصطلحات التى تتردد مؤخرا فى مجتمعنا المصرى بكثافة، وذلك جراء بعض الحوادث التى فجعنا بوقوعها فى حياتنا ونحن من نعد أن شعبنا متدين بطبعه؛ ظنا منا أن هذه المقولة هى ضمانة لخلوه من وقوع الفواحش بصنوفها،وهو ماأثبتت الأيام نقيض ذلك على أثر ما نشاهده من تداول لأخبار اعتداء على عصب أى مجتمع والعنصر البانى لجدران أمانه،ألا وهى المرأة سواء من أى فئة عمرية كانت أو أى مستوى اجتماعى أو ثقافي، وأيا كان ملبسها أو مظهرها ومعتقداتها الدينية، فمرتكبو هذا النوع من التحرش بالنساء لايفرقون فهى فى لحظة جنونهم وغيهم الإجرامى لايرونها سوى بوتقة لتفريغ طاقاتهم العدوانية ضدها للإطاحة بطهارتها وعفتها. ولا يخفى علينا المعنى الذى ينطوى عليه مصطلح التحرش الجنسى فهو يستمد معناه بوصفه نوعا من أنواع التنمر المتمثل فى إكراه شخص على فعل جسدي، أو وعد غير لائق أو غير مرحب به بمكافآت مقابل خدمات جنسية. و معظم القوانين الحديثة تجرم التحرش الجنسى و يقع مرتكبوها تحت طائلة القانون والعقوبات بحسب ماتخوله السلطة القضائية فى كل مجتمع.  وللتحرش الجنسى أشكال متعددة فيمكن أن يتضمن التلميحات الجنسية، أو طلب خدمات جنسية اوأى مضايقات لفظية أو جسدية لها طبيعة جنسية. ويمكن أن يحدث التحرش فى العديد من البيئات الاجتماعية المختلفة مثل: أماكن العمل، المنزل، المدرسة، الأماكن الدينية، وغيرها. ويمكن أن يكون المتحرش أو الضحية من أى جنس أو عرق أو لون أو دين فى المجتمعات التى تتفشى العنصرية فيها والتمييز بين مواطنيها حتى رجوعا إلى أصولهم الوطنية. وبرغم وجود القوانين التى تمنع التحرش إلا أنها لا تمنع المعاكسات البسيطة والتعليقات المسيئة والحوادث الصغيرة، ففى مصر كنا نشاهد رجل الشرطة فى حالات يتم القبض فيها على الشباب الذين يتربصون بالتلميذات امام مدارسهن لحظة انتهاء اليوم الدراسى وخروجهن للعودة إلى منازلهن، ونرى عقوبة «جز» أو حلاقة الشعر «زيرو» للشباب بحيث يفضح أمره ويعرف عنه اقترافه لتحرش ما بفتاة ما، وهو يتنافى مع الأخلاق.  والمجتمع غير غافل عن إنزال هذه العقوبة التى كان يخشاها الشباب،لكونها تلحق به العار وتنبذه من بين رفاقه؛ ليكون عبرة لمن تسول له نفسه اقتراف هذا الفعل المستهجن. وللتحرش أشكال آخرى قد تقع فى محيط العمل، حين يمارس صاحب العمل ضغوطا على مرؤسة لديه تحت تهديد بالطرد أو ارغامها على ترك العمل أو تفويت فرص الترقى الوظيفى عليها وغير ذلك من أمور يتفنن فيها ليصل إلى غرض دنيء يلح على نفسه المريضة الشبقة، وفى هذا ضرر بليغ يخلق جوا من العدوانية والقرارات غير المنصفة للممتنعة عن تلبية رغبة رب العمل أو من هو أعلى منها رتبة الراغب فى انتهاك حرمة بدنها.  ولا نستطيع أن نضع تعريفا جامعا شاملا للتحرش الجنسى فهو يأخد معانى مختلفة باختلاف الثقافة المخيمة على كل مجتمع على حدى. هذا..ويعد أى فعل سواء كان انتهاكا بسيطا أو إساءة جنسية أو اعتداء جنسيا نوعا من التمييز المخل بالقانون فى العمل فى كثير من البلدان- حتى المتقدمة لا النامية فقط- ونوع من الإساءة النفسية والجسدية والتمييز لدى العديدمن المنظمات والمؤسسات،وقد أصبح منع التحرش الجنسى والدفاع عن الموظفين ضد اتهامات التحرش الجنسى أهداف رئيسة لمتخدى القرارات القانونية وواضعيها. وتموج تعريفات شتى لظاهرة التحرش الجنسى هنا وهناك للوقوف على ماهيتها، لعل أبرزها ماساقه المركز المصرى لحقوق المرأة حيث يُعرِّفه بأنه: «كل سلوك غير لائق له طبيعة جنسية يضايق المرأة أو يعطيها إحساسا بعدم الأمان.. وأنه أى صيغة من الكلمات غير المرحب بها أو الأفعال ذات الطابع الجنسى والتى تنتهك جسد أو خصوصية أو مشاعر شخص ما وتجعله يشعر بعدم الارتياح، أو التهديد، أو عدم الأمان، أو الخوف، أو عدم الاحترام، أو الترويع، أو الإهانة، أو الإساءة، أو الترهيب، أو الانتهاك أو أنه مجرد جسد». ومهما يكن من أمر وإلى ان يتم حسم قضية التعريفات الخاصة بهذه الجريمة التى تصل فى أوقات كثيرة إلى حد قتل المتحرش لضحيته إمعانا فى إخفاء أثار جريمته الشنعاء، وماتنطوى عليه جرائم التحرش من نظرة بالغة الدونية للمرأة فى مجتمع مازال يسيطر عليه الفكر الرجعى الذى يرى فى إنجاب البنات عارا ما بعده عار، مما يذكرنا بعادة» وأد البنات» لحظة الميلاد التى ظنناها قد اندثرت بعد تحريمها منذ زمن بعيد. فهى طالما طالتها الإدانة الأخلاقية بأن يلقى عليها مايقترفه الرجل من موبقات بسبب ماتبديه المرأة من مفاتن تشعل شهوته وغريزته متناسيا أمرا إلاهيا صريحا بغض البصر! وهذا اتهام ليس من الدين فى شىء. ومما يدعو للدهشة ماطرحه عبد الله رشدى مؤخرامبديا رأيه ومتهما ملابس المرأة انها السبب الأعظم للتحرش بها، والعجيب ان التحرش الذى يشير إليه مورس ضد المحجبة والمنتقبة والطفلة! فكلامه لايعدو فى مفهومى إلا أن يكون مجرد «هرطقة» لايعى مايقول من فرط تعنته وكرهه وازدرائه للمرأة بشكل عام، وقد اتفق معه أحد القساوسة فى ان اللبس الخليع لبس الزانيات»!  إن رمى المرأة ووصفها بالزانية أصبح علكة فى افواه هؤلاء المتعنين الذين يسهمون فى نشر هذا الفكر غير الإنسانى الحاض على الجريمة وإعفاء مرتكبيها من المسئولية الأخلاقية فالمرأة والمرأة وحدها هى الضحية والمتهم وعجبي! وتأخذنى الحيرة فى التحول الذى طرأ على مجتمعنا الذى كانت خطوط الموضة تنطلق منه قبل أن تتلقفها حقول الموضة الباريسية، فنجد حالة من الأناقة بين فتيات الجامعة اللاتى كن يذهبن إلى جامعاتهن ب «الدراجة» ولم نكن نسمع عن حالات تحرش مثلما تزعجنا هذه الأيام. ليت علماء الاجتماع وعلماء الطب النفسى يهتمون ببحث هذه الظاهرة المخجلة التى تدنس الثوب الأخلاقى لمجتمع يعيد بناء نفسه وبدأ يخطو خطوات ناجحة نحو تحقيق الهدف.كما نهيب بواضعى المناهج الدراسية بمدارسنا انتقاء موضوعات تبرز قيمة المرأة وماكرمها الله به فى كتابه العزيز والسيرة النبوية العطرة وما اورده التاريخ من قصص وعبر كانت المرأة فيها قدوة فى القيادة والجهاد، وماأدرج فى مكتباتنا من كتب خطتها نساء نضعهن فى مصاف العلماء؛ فكثيرات منهن يعكسن صورة حقيقية لنبوغ المرأة وتفوقها وكونها تمتلك من المعطيات والمهارات ماحبا الله به الرجال؛فامتلاك العقل هو الفيصل فى تقييم البشر بعيدا عن التفكير الدونى الذى يسيطر فيه النصف الأسفل من الجسد. وللتربية دور لانغفله ينبغى أن يعامل الوالدان الابنة مثلما يعامل الابن دونما تمييز بأن على الفتاة خدمة أخيها لأنه»الذكر». كل ذلك وغيره مما يسهم فى ان تستقيم التنشئة لأبنائنا على نظرة منصفة تضع المرأة والرجل فى ميزان آدمى واحد؛ لنقضى على التحرش وسنينه وننعم بمجتمع آمن!



أستاذ ورئيس قسم الإنتاج الإبداعى بأكاديمية الفنون