الأحد 30 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
التنمية بالفن «قرية تونس نموذجًا»

التنمية بالفن «قرية تونس نموذجًا»

الصناعات الإبداعية صارت جزءًا مهمًا من اقتصاد أى دولة والحرف والفنون التراثية والصناعات اليدوية هى من أكثر الصناعات نموًا فى العالم ونجد على سبيل المثال أن الصين تصدر للسعودية صناعات الحرف اليدوية والصناعية والتراثية بما يقدر ب2 مليار ريال سنويًا  ومعظم هذه الصناعات التراثية هى خاصة بالعالم الإسلامى مثل سجادة الصلاة والبوصلة والسبح والجلباب فكيف لو قامت مصر مثلًا بتصنيع هذه المنتجات . وقد اهتمت منظمة اليونسيكو بالحرف التراثية والصناعات اليدوية حتى لاتندثر تلك الحرف والصناعات ولنبدأ فى قرية صغيرة فى مصر كمثال على كيف تغير الحرف التراثية والصناعات اليدوية وجه المكان وكيف يمكن أن يطبق هذا المثال على كل قرية مصرية كما فعل الفنان العظيم المهندس ويصا واصف فى الحرانية على بعد مائة كيلو من القاهرة وبالتحديد فى قرية تونس الخضراء على ضفاف بحيرة قارون بمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم يقام  كل عام مهرجان تونس  للخزف والفخار والحرف اليدوية .



ولكن كيف كانت البداية لتحول تلك القرية الفقيرة بمحافظة الفيوم لعلامة مميزة لفن الخزف وكيف صارت مزارًا سياحيًا محببًا لمحبى الفنون الفطرية والإبداع الشعبى فى فن الخزف والفخار؟ .

حب على ضفاف البحيرة 

فى ستينيات القرن الماضى ذهبت الشابة السويسرية إيفيلن مع زوجها الشاعر الشاب آنذاك سيد حجاب  لتقع فى هوى تلك القرية وتقرر فى لحظة حب -  ستمتد لمدة خمسين عامًا -  لقرية تونس أن تعيش فى القرية  بقية حياتها وتبنى مع زوجها بيتًا صممه المهندس المعمارى القدير حسن فتحى بطريقته المعهودة المعتمدة على البناء البيئى المستوحى من المزج بين العمارة الفرعونية والنوبية والإسلامية  وحتى بعد انفصال  إيفيلن عن زوجها الشاعر الكبير الراحل سيد حجاب تقرر السيدة خريجة الفنون التطبيقية بسويسرا أن تطلق مواهب شباب وفتيات القرية الذين كانوا يشكلون بالطين  آنية وأطباقًا ومجسمات فخارية  من وحى الطبيعة الريفية التى يعيشون فيها شدت انتباه الفنانة وجعلتها تشعر أن أبناء هذه القرية بداخلهم حس فنى  فطرى يحتاج فقط لمن يوقظ فيهم الثقة فى إبداعاتهم ويوجههم دون تعال ودون أن يفقدوا تلك الطزاجة التعبيرية فى التعامل مع خامات الطبيعة المتوفرة بكثرة فى طين زراعاتهم الوفير وألوان القرية الساحرة على ضفاف البحيرة.

بجماليون ينطلق من جديد

على أساس ذلك الحب والعشق علمت  إيفيلن أبناء وبنات القرية أن يصوروا المناظر الطبيعية و الزهور بمختلف ألوانها والنخيل بلونه الأخضر وتمره الأصفر والأحمر والعصافير والغزلان والحمير بل وحيوانات الحكايات الخرافية  ليشكلوا كل ذلك على الأوانى الخزفية  حتى صارت تلك القرية مركزًا لفن الخزف يستمد أصالته وتفرده من أصالة الماضى وتعانقها مع آخر تطورات فنون الخزف .

الفرق بين الخزف والفخار

يعتقد الكثيرون أنه لايوجد فرق بين الفخار والخزف ولكن المدقق سيعرف الفرق, فالفخار هو كل آنية صنعت من الطين, ثم تعرضت للنار لتصبح فخارًا,أما الخزف فهو آنية فخارية تم تزجيجها  باستخدام أصباغ ملونة باستخدام طينات معينة وتوضع أفران ذات درجات حرارة عالية جدًا  أصبحت تعمل بالكهرباء  وذلك بعد تجفيفها من الماء ثم تطلى بعد ذلك بطلاءات زجاجية لإكسابها طبقة ملونة .

مراحل صناعة الخزف والفخار

يجلس  فنان الخزف والفخار على (الدولاب ) وبجواره  فرشاة وسكينة صغيرة أو مادة كرتونية  والدولاب مكون من قاعدة  خشبية تدور يحركها بقدمه  متصلة بعمود خشبى بما يشبه الطبق يضع عليه قطعة الطين ويشكلها بيده مع استمرار تحريك القاعدة السفلى بقدمه  ثم يقطع قطعة الفخار التى شكلها بالسكين أوبالقطعة  الكرتونية  ثم تدخل فى الفرن, أما الخزف فيمر بنفس المراحل ولكن يوضع فى الأفران مددا أطول ويختلف كما أسلفنا الوضع باختلاف الطينة نفسها وقطعة الصلصال وفى تزجية الفخار وتلوينه ليصبح خزفًا.

الفلاح الفصيح 

قرية تونس الخضراء هى حالة نجاح فريدة نشأت بالحب وارتباط الناس بالأرض والطبيعة  من خلال عيون فنانة محبة لمصر تعشق بساطة وعمق الفلاح المصرى الذى بداخله  مشاعر وأحاسيس فنان فطرى  لم تلوثه المدينة بصخبها بل هو قادر على التأمل  والاتساق مع بيئته  التى توجد بها بحيرة قارون  وخضرة الريف  وألوان السماء الزرقاء والبيضاء  ورمل الصحراء وشلالات البحيرة  فى لوحة تشكيلية ربانية  اجتهد هذا الفلاح  البسيط فى صنع واحدة من أعظم حضارات العالم  رغم ما  اعتراه من فقر وعسرات ولكنه صبور يعبر تلك الأزمات بروح شاعر وقلب مؤمن وعقل حكيم صبور يعرف أن لكل وقت أذان وأن الفن هو الأثر الخالد للإنسان على مر العصور.