الأحد 30 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الثورة تحقق أهدافها وتقهر تحدياتها

30 يونيو أسقطت مخطط تدمير الدول الوطنية العربية وحمت الهوية المصرية

الثورة تحقق أهدافها وتقهر تحدياتها

مخطئ من يظن أن الحفاظ على الأوطان بلا أثمان، فقد خلق الله الكون متعدد القوى، يواجه الأخيار فيه الأشرار، فى معارك فرض الإرادة وبسط النفوذ.



 

الوطن، مكان وإنسان، هوية وانتماء وحاضنة بقاء، من الميلاد إلى الممات ومستقبل ومستقر الأبناء وذريتهم، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، دونه التضحية والفداء بالروح والدماء.

 

مصر ليس كمثلها وطن، حالة فى الكون الفسيح متفردة، إقليم جغرافى حدوده لم تتغير منذ سبعة آلاف عام، له اسم ثابت «مصر»، منذ وطئت قدما مصرايم بن نوح عليه السلام، دلتا نيلها، ناجيًا من طوفان أغرق كائنات الكون باستثناء رواد سفينة النجاة.

 

مصر اسم وطن، ذكره الله سبحانه وتعالى، ونقله أمين الوحى جبريل إلى خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد، فى القرآن الكريم فى خمسة مواضع صراحة، منها قوله تعالى: «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين»، هذا الوعد الإلهى الذى أخبرنا به الله فى قرآنه الكريم، منحه لنبيه يعقوب وبنيه، عندما جاءوا إلى مصر للقاء نبى الله يوسف عليه السلام.

 

إلى أرضها جاءت السيدة مريم بكليم الله عيسى، بحثًا عن الأمن والنجاة، وعلى أرضها دون غيرها فى سيناء تجلى الله سبحانه وتعالى لنبيه موسى.

 

شعبها متجانس، توارث جينات الحضارة منذ آلاف السنين، يزداد صلابة مع الأزمات والتحديات، عندما يشعر بخطر يتهدد الوطن ينبذ الخلافات، يقف صفًا واحدًا كالبنيان المرصوص مقاتلًا بشجاعة الأسود، متسلحًا فى مواجهة المحن والابتلاءات بصبر أيوب.

 

سجلت جدران معابد المصرى القديم وآثاره الخالدة، انتصارات جيشه، وصور أعدائه المكبلين بالأغلال، وفى تاريخها الوسيط والحديث، تحطمت على صخرتها الصلبة، مؤامرات أعدائها وأعداء أمتنا العربية والإسلامية، من المغول إلى الصليبيين، إلى العدوان الثلاثى فالصهاينة، ولا تزال تردع وتحطم مخططات المعتدين والطامعين.

 

أخطر تلك المخططات محاولات هدم الدول الوطنية العربية، وطمس الهوية، لتحويلها إلى كيانات هزيلة متصارعة داخليًا، يقدم أبناء الوطن الواحد ثرواتهم للغرب مقابل الحصول على السلاح الذى يقتل به بعضهم بعضا ويدمرون أوطانهم.

 

وجد المتربصون فى حالة الحراك الشعبى الذى شهدته بلدان عربية مطلع عام ٢٠١١،  -لأسباب متنوعة لا مجال لاستعراضها وتحليلها الآن- ثغرة للنفاذ والتحكم فى معادلة التفاعلات السياسية، للانحراف بأهداف الحراك من إصلاح وتغيير، إلى تخريب وتدمير.

 

أمثلة الدول التى استُهدفت فى محيطنا الإقليمى، وأصاب بُنيانها المؤسسى شروخ عميقة، لا تحتاج لشرح، فعلى مرمى البصر من حدودنا الغربية والجنوبية والشرقية، تشتعل الصراعات الأهلية وتبعات تعثر استعادة بناء مؤسساتها، وبيننا يعيش نحو تسعة ملايين ضيف ضحايا ما شهدته دولهم.

 

تحت شعارات الثورة والإسلام هو الحل وثب الإخوان إلى الحكم فى مصر فى إطار مخطط، تصعيد أذرع التنظيم فى بلدان عربية أخرى بها أقليات شيعية، تمهيدًا لتهيئة الأرض لإشعال شرارة صراع مذهبى تتآكل به الدول من الداخل، لصالح تفرق الكيان الصهيونى.

 

فضلًا عن أهداف محلية تتعلق بكل دولة، مصر واسطة العقد وعمود الخيمة العربية، التى كان طمس هويتها وإضعافها هدفا أسمى للطامعين فى ثروات المنطقة.

 

اتخذت القوى المتربصة بالمنطقة من شعارات الحرية والديمقراطية والقضاء على أسلحة الدمار الشامل ومكافحة الإرهاب ذرائع لكسر الأعمدة الفقرية للدول المتمثلة فى جيوشها الوطنية، بداية من احتلال العراق عام 2003م.

 

هدم الجيش الوطنى للدولة، يستهدف شل قدرتها على أداء وظيفة الدفاع واحتكار استخدام القوة، وبسط النفوذ على أراضيها، للسماح للميليشيات العميلة بالسيطرة على الأرض وإدارة صراعات ممتدة تحقق أهداف مموليها ومحركيها. 

 

شاهدنا ذلك فى العراق، حيث حلت داعش محل الاحتلال فى الموصل، ودفع الأشقاء من دماء أبنائهم الكثير لاستعادة استقرارهم، ودمر حلف الناتو الجيش الليبى، وفى اليمن سيطر الحوثى، وفى السودان يكافح الجيش الوطنى لردع عدوان ميليشيات الدعم السريع.

 

لطبيعة مصر الخاصة وقوة جيشها، كان المخطط لها تدمير طويل المدى من الداخل، يبدأ بمحاولات طمس الهوية، والتسلل الإخوانى لمؤسسات الدولة  الوطنية، تمهيدًا لإشعال صراع داخلى تتآكل به من الداخل بالتوازى مع تشكيل ميليشيات إخوانية موازية.

 

اصطف شعب مصر عند شعوره بالخطر، بدأ حراكًا تصاعديًا متصديًا لمحاولات طمس الهوية، والقرارات الديكتاتورية، فى معركة الدستور، والإعلان الدستورى المحتكر للسلطات، متصديًا لاستهداف القيادات الوطنية. 

 

انتفض الإعلام يرصد ويحلل، وقوى سياسية تقاوم، وشباب يقود حملة تمرد، وشعب يرفض حكم المرشد، وجيش يلبى نداء الشعب ويحمى إرادته، ومؤسسات تنحاز لثوابت الدولة الوطنية.

 

تمخض الحراك العام، فأنجب ثورة 30 يونيو 2013، فى لحظة فارقة من تاريخ مصر، تنتصر للوطن وهويته وثوابته الوطنية المدنية، بل ووجّهت أيضًا صفعة قوية، لمخطط إسقاط الدولة الوطنية بالمنطقة العربية.

 

فى الثالث من يوليو، كان القرار التاريخىّ، الذى ألقاه اللواء أركان حرب عبدالفتاح السيسى، القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى فى ذلك الوقت، وخلفه يصطف ممثلو مصر، مؤسسات دينية رسمية أزهر وكنيسة، والقوى السياسية والحزبية والشعبية.

 

حمى جيش مصر إرادة الشعب، ودفع مع الشرطة ومؤسسات الدولة وشرفاء الوطن من دماء أبنائهم للحفاظ على الإرادة الوطنية والأمن والاستقرار فى مواجهة  الإرهاب ومحاولات كسر الإرادة.

 

سعت قوى عظمى، ودول إقليمية، لكسر إرادة الشعب المصرى، بمحاولة حصار الدولة سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا وإعلاميًا لبناء رأى عام عالمى مُضلل عن حقيقة ما حدث فى مصر.

 

قهر التحديات 

 

استطاعت دولة ٣٠ يونيو قهر التحديات، عبر استراتيجية المسارين المتوازيين.. مواجهة العدائيات وتحقيق ما يستهدفون إعاقته من الإنجازات.

 

١- كان الهدف الرئيسى للأعداء كسر العمود الفقرى للدولة الوطنية، عبر إضعاف القدرة العسكرية، واختراق الجيش، فعظمت دولة ٣٠ يونيو القدرة العسكرية، من خلال تنويع مصادر السلاح، ورفع كفاءة المقاتل، وتعزيز القدرة الدفاعية، وإنشاء قواعد عسكرية فى كل المحاور الاستراتيجية، لحماية أمن مصر القومى فى مواجهة تحديات المحيط الإقليمى.

 

٢- كسرت مصر الحصار السياسى الدولى من خلال سياسة خارجية متوازنة، استندت إلى الصبر الاستراتيجى وإيضاح حقيقة ما حدث فى مصر، وبرهنت على الإرادة الشعبية من خلال استحقاقات دستورية وانتخابية، وصوت مصرى مُبين فى المحافل الدولية.

 

جاب الرئيس السيسى دول العالم شرقًا وغربًا، لبناء شراكات استراتيجية، عبر سياسة متوازنة أساسها المصلحة الوطنية والامتناع عن التدخل فى شئون الغير، وتعزيز استعادة مؤسسات الدول العربية الوطنية قدراتها، والدفاع عن ثوابت القضية الفلسطينية والتصدى لمحاولات تصفيتها.

 

٣- مواجهة محاولات إعاقة التنمية وزعزعة الثقة بين الشعب وقيادته، بضربة البداية باكورة المشروعات القومية، ازدواج  المجرى الملاحى لقناة السويس، فى غضون ١٢ شهرا بتمويل شعبى عبر اكتتاب عام، وبسواعد مصرية، وهو ما برهن على قدرة مصر على الإنجاز وثقة الشعب فى قيادته، وعظم من قدرة القناة أحد المصادر الرئيسية للدخل، وعزز الروح المعنوية للشعب وأحبط مخططات الأعداء.

 

٤- القضاء على أخطر موجة إرهابية مدعومة دوليًا وإعلاميًا تعرضت لها مصر، بالتوازى مع تحقيق الإنجازات التنموية فى كل المجالات، فتحيةً لدماء الشهداء، وسواعد التعمير والبناء.

 

٥- تحقيق خطوات واسعة فى طريق العدالة الاجتماعية، أهم أهداف الشعب فى ٢٥ يناير و ٣0 يونيو، عبر حزمة إصلاحات: القضاء على العشوائيات ونقل الملايين إلى حياة آدمية، حياة كريمة، ورفع جودة الحياة فى الريف الذى يشكل سكانه ٦٠٪ من الشعب- تمكين “القادرون باختلاف”- القضاء على قوائم الانتظار وتحويل أمراض مزمنة مثل فيروس سى إلى طى النسيان- والاهتمام بكبار السن وأصحاب المعاشات والأولى بالرعاية.

 

٦- العمل على استعادة قوة مصر الحضارية بتعظيم قوتها الناعمة، الإعلام  والثقافة، وتطوير رسالة الفن من الترفيه إلى بناء حصون الوعى، فشاهدنا أعمالا درامية مثل الاختيار الذى يدمج بين الدراما وتوثيق التاريخ المعاصر.

 

٧- إعادة رسم الخريطة التنموية لمصر، عمرانيًا وزراعيًا، وصناعيًا، ضاعفت المساحة المعمورة من ٧٪ من مساحة مصر إلى ١٤٪، بما له من انعكاسات إيجابية على جودة الحياة وخلق فرص العمل واستيعاب الزيادة السكانية.

 

٨- بناء الإنسان علميًا وجسديًا، من خلال استهداف تطوير منظومة التعليم، لتحويل الطلاب من الحفظ والتلقين إلى الإبداع والابتكار، مع ما تشهده الجامعات من استحداث كليات تكنولوجية تلاحق متطلبات سوق العمل الحديث.

 

٩- رفع معدلات الأمن الغذائى، من خلال دلتا جديدة وزيادة ومضاعفة التنمية الزراعية فى توشكى، وغيرها من المشروعات، بالتوازى مع التوسعات فى قطاع الصناعة لرفع معدلات الاكتفاء الذاتى وجذب الاستثمارات الأجنبية وتنويع مصادر الطاقة للنهوض بالاقتصاد القومى.

 

حكومة تعتذر للشعب وتوضح وتطرح الحلول 

 

١٠- التحول الإيجابى فى الخطاب الحكومى واعتذار الدكتور مصطفى مدبولي للمواطن عن تكرار انقطاع التيار الكهربى، مقدرًا معاناة المواطن ومبررات غضبه، شارحًا سبب الأزمة، والقرارات المتخذة لمعالجتها جذريًا، والحيلولة دون تكرارها فى حال تجدد أسبابها.

 

ثلاثية الاعتذار والمصارحة وطرح الحلول نموذج لسلوك الجمهورية الجديدة، فالتحديات مستمرة ما بقيت الحياة، المهم الاعتراف بأى خطأ، وإيضاح الأسباب العلمية للأزمة، وخطط المواجهة هي احترام الشعب والمصارحة بما يعزز حصون الوعى بحقيقة التحديات ويقطع الطريق على المحرضين ومروجى الشائعات.

 

السبب هو تغيرات مناخية وثلاث موجات حرارة متعاقبة، رفعت معدلات الاستهلاك.

 

البنية التحتية لمحطات توليد الكهرباء، وخطوط النقل شهدت رفع كفاءة غير مسبوق، وقادرة على الإيفاء بالاحتياجات، لكن المشكلة فى وقود تشغيل المحطات من الغاز والمازوت.

 

حل الأزمة في مسارين، الأول: مضاعفة المخزون الاستراتيجى من الغاز والمازوت، بتخصيص ١.٢ مليار دولار لاستيراد الوقود، لتصل معدلات تخفيف الأحمال إلى صفر فى الأسبوع الثالث من يوليو، وهو المدى الزمنى اللازم لإبرام التعاقدات ووصول الشحنات.

 

الثاني: قرارات إدارة محلية تخفف الاستهلاك مثل غلق المحلات التجارية والمولات فى العاشرة مساءً.

 

جمهورية جديدة تشعر بالمواطن، وتحترم غضبه المشروع، تصارحه بالتحديات، وأسبابها، وخطط معالجتها، وبكلفتها المالية وجداولها الزمنية ليكون شريكًا ومراقبًا ومحاسبًا.

 

بالوعى والعمل والتضحيات والإنجازات تبقى وتقوى الأوطان، ومصر أعظم وطن فى الكون، الانتماء إليه شرف ورزق من الله نحمده سبحانه عليه.

 

كل لحظة وأرواح شهداء الوطن فى جنات النعيم، وشعب مصر وقيادتها وجيشها ومؤسساته فى عزة وقوة وسلام.