
اشرف ابو الريش
سيدى أبوالحديد وشم النسيم
بعيدًا عن السياسة ومع اقتراب شم النسيم وأعياد الربيع، وعيد الزعف واحتفالات الأخوة الأقباط فى مصر بطقوس جميلة، تذهب أرواحنا وعقولنا إلى الماضى الجميل، بداية الثمانينيات من القرن الماضي، عندما تنطلق رائحة الياسمين من زهور أشجار البرتقال فى قريتنا وفى كل القرى التى تحتضن أراضيها حدائق الموالح.. إلى وقت قريب كانت محافظة المنوفية بها معظم الأنواع والأصناف الفاخرة من أشجار البرتقال أبوسرة والمليسى واليافاوى والصيفى والبلدى وأبو دمه إلى جانب اليوسفى «يوسف أفندى» البلدى المعروف بطعمه ومذاقه الجميل.
فى العشر سنوات الأخيرة اختفت مئات الأفدنة من حدائق البرتقال فى المنوفية وفى معظم محافظات الوجه البحرى، وسارع المزارعون إلى «تقليع» حدائق الموالح الخاصة بهم واتجهوا إلى زراعة المحاصيل الحقلية كالقمح والفاصوليا والذرة والبطاطس، وترتب على ذلك ارتفاع أسعار البرتقال حتى وصل الكيلو إلى ٣٠ جنيهًا فى بعض الأحيان، واختفت من الأسواق الأنواع الفاخرة التى كانت تتميز بها مصر عن دول العالم الكبرى فى هذه النوعية من الفاكهة، ورغم ذلك تحتل بلدنا المراكز الأولى عالميًا بعد إسبانيا والصين والبرازيل فى تصدير البرتقال.
فى هذا التوقيت من كل عام ومع اقتراب أعياد الربيع وشم النسيم فى السنوات الجميلة فى أوائل الثمانينيات، تحضرنى ذكريات حصاد القمح و«الدريس» اليدوى داخل «الجرن» عن طريق الأبقار التى كانت تجر «النورج» فى شكل دائرى بعد العشاء وحتى الفجر فى ليالى سطوع القمر كالبدر منتصف الشهر العربى، كانت الحياة بسيطة وهادئة دون الضجيج القاتل الآن، لم تكن هناك كهرباء فى بعض القرى، وكان الراديو الصغير يعمل بالحجارة رفيقًا للفلاح فى الحقل، أما أجهزة التليفزيون فكانت فى بيوت العمد، وكانت القرية هادئة الكل يذهب إلى نومه بعد صلاة العشاء ويستيقظ قبل الفجر، ليذهب إلى الحقل أو العمل فى المصالح الحكومية.
تتزامن هذه الاحتفالات مع يوم شم النسيم فى قرية مجاورة لقريتنا، الاحتفال بمولد صحابى جليل من قادة الفتح العربى لمصر، القائد سليمان بن خالد بن الوَلِيد المخزومى القرشيّ الشهير بأبو الحديد وهو صحابي، والابن الأكبر لقائد الفتوحات الإسلامية سيدنا خالد بن الوليد، وكان فارسًا مقدامًا من الشجعان، شهد مع أبيه الفتوحات العربية الإسلامية أيام خلافة عمر بن الخطاب، واستشهد فى قرية بنى سلامة بالقرب من وردان التابعة لمركز منشأة القناطر حاليًا سنة 21 هـ.
ومن روعة ذكريات الاحتفاء والاحتفال بمولد سيدى سليمان رضى الله عنه، كانت أسر قبطية بالكامل تأتى لزيارة الضريح، ومنهم من كان يجلس أسبوعًا كاملًا، يقدم الطعام إلى إخوته المسلمين القادمين من قرى بعيدة لزيارة سيدى أبوالحديد رضى الله عنه.
هذه هى مصر الطيبة، التى لا تعرف التعصب ولا التكفير أو التشدد، وكانت وستظل واحة للتسامح الدينى والأخوة بين جميع أبناء الوطن.. تحيا مصر.