الأحد 17 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الجهاد في سبيل مصر

الجهاد في سبيل مصر

على العهد سائرون ننحاز للحقيقة والحرية، نتمسك بالثوابت الوطنية 



 

على خطى الأجداد، باسم الله وعونه، يواصل الأحفاد في «روزاليوسف»- البيت العريق-الجهاد في سبيل مصر، متسلحين بقواعد المهنية، وثوابتنا الوطنية، وقيم الحرية، المنطلقة من الرأي الناضج بحرارة وعمق المعرفة، مستهدفين إنارة الرأي العام ما استطعنا  إلى ذلك سبيلا.

 

«روزاليوسف»، ليست مجرد مؤسسة صحفية، سُطرت صفحات مطبوعاتها بعصارة فكر أجيالها المتعاقبة، بل هي شاهد عيان صادق، على تاريخ مصر الحديث بتفرعاته،  تفاعلاته وتحدياته، انكساراته وانتصاراته، وثيقة لمواقف القوى الفاعلة في اللحظات الحاسمة في عمر الوطن، وشريك فاعل في المعارك الوطنية يعزز حصون الوعي ويذود عن محددات الأمن القومي.

 

الجهاد في سبيل مصر، ليس مجرد عبارة إنشائية، بل حقيقة واقعية، سجلها تاريخ «روزاليوسف» «السيدة» و«المؤسسة»، التي أنجبت خمسة إصدارات، كانت ولا تزال منبرًا للحرية، والتنوير ومواجهة التطرف، نحتفل-بإذن الله- قريبًا بمئوية ابنتها البكر «المجلة»، الصادر عددها الأول فى 25 أكتوبر 192، واليوم بـ«عروسها»،   الجريدة بمناسبة مرور 20 عامًا على عودة صدورها فى 15 أغسطس 2005, بعد توقف دام  69 عامًا، فكان إصدارها الأول قبل 90 عامًا فى  25 فبراير 1935، وحتى 9 يوليو 1936.

 

بكلمات معدودات ذات مغزى ومعنى عميق، قدمت الرائدة العظيمة فاطمة اليوسف، صحيفتها اليومية في عددها الأول لقرائها قائلة: «بسم الله الرحمن الرحيم، باسمه وبعونه تبدأ هذه الصحيفة مهمتها  لتأخذ مكانها في الصحف، تحت راية الجهاد في سبيل مصر وهي الراية التي حملها سعد ثم تلقفتها يد خليفته النحاس، فأبقتها عالية، مصانة في حصنها المنيع».

  وضعت فاطمة اليوسف ثوابت جريدتها اليومية، بكل وضوح، محددة بوصلتها وسياستها العمل تحت راية «الجهاد في سبيل مصر»، ولا تزال تحت هذه الراية، بأجيالها المتعاقبة بما تؤديه من دور مهني، ومواقف في لحظات وطنية وقومية حاسمة وثقها أرشيفها. 

 

صودرت المجلة، فصدرت الجريدة اليومية، في فترة مخاض الاستقلال الوطني، كان الشعب فيها أحوج ما يكون، لإعلام وطني ينير الأذهان، متحرر من قيود الحزبية الضيقة، والخدمة الخبرية الجافة التي لا يصحبها رأي وتحليل للقرارات والمواقف، أسبابها وآثارها المتوقعة، حتى يحتشد على كلمة سواء تدعم الجهود  الوطنية، لإنهاء  احتلال الأرض واستقلال القرار الوطني.

 

لم تولِ «جريدة روزاليوسف»، يومًا وجهها إلا شطر الوطن والمواطن، نشأت بين «الندرة» المستقلة في الصحافة المصرية آنذاك، تقدم خدمة الخبر والرأي باستقلالية ومهنية، وفي مقالته الافتتاحية بالعدد 481 الصادر فى 9 يوليو 1936,  أجاب الدكتور محمود عزمي عن سؤال جعله عنوان مقالة: «بماذا نأخذ سياستنا التحريرية؟». 

 

لكن اللافت أن هذا المقال كان في العدد الأخير للإصدار الأول للجريدة، ما يعكس أن مبعثه تصاعد الجدل المثار من الحكومة الوفدية حول الجريدة ومواقفها، التي تتحرر من قيود الحزبية، فرغم صدورها داعمة لـ«الوفد»  إلا أنه تخوف من تأثيرها على شعبية جريدة «الجهاد»، الناطقة بلسانه، وبالفعل باتت جريدة روزاليوسف الأوسع انتشارًا وتأثيرًا، بتطورها وسياساتها الأكثر استقلالية وحرية.

 

في هذا المقال الذي أراه جديرا بأن يُدرس، صنف الدكتور محمود عزمي الصحافة آنذاك، وفق سياساتها ودورها المهني إلى ثلاث فئات: 

«كثرة»، و«قلة»، و«ندرة»، موضحًا أن كثرتها صحف حزبية، وقلتها خبرية لا تتدخل بأي تحليل أو رأي، والندرة هي الصحف المستقلة التي تقدم خدمة الرأي والتحليل والنقد المنطلق من ثوابت وطنية و«رأي ناضج» لإنارة الأذهان وتوعية الرأي العام.

 

يشرح الدكتور عزمي: «كثرة:  هي ألسنة الأحزاب تنزل قبل كل شيء عند اعتباراتها تملك وحدها مشاعرها وتحكم منطقها»، و«قلة: تقف عند حد تسجيل الحوادث دون تعقيب بالرأي الخاص عليها أو بتعقيب يتفق دائمًا أو غالبا مع اتجاهات الحكومة القائمة مهما كان لونها السياسي ومهما كانت أساليبها في الحكم»، و «ندرة: تحاول أن تشق لها طريقًا ذاتيًا تصدر فيه عن فكر مستقل أو متأثر بأقل ما يمكن التأثر به من مقتضيات الساعة».

 

موضحًا  أن  «جريدة روزاليوسف»،  من فئة «الندرة» مميزًا دورها ومحددا واجبها المهني وهدفها الأسمى:  «واجبنا المهني مميز تمام التمييز عن واجب الساسة، وعن واجب رجال الحكم، وهو القاضي بالإدلاء بالرأي الناضج إنارة لأذهان الأفراد وإسداء النصح للهيئات ومراقبة السلطات سهرًا في ذلك كله على المصلحة العامة دون أي اعتبار آخر».

 

الدكتور محمود عزمي، رائد مهني وأكاديمي ودبلوماسي قدير، شرقاوي المولد 1889، ترأس تحرير العديد من الصحف أبرزها جريدة روزاليوسف، حاصل على درجة الدكتوراه في القانون من باريس، أسس مع الدكتور طه حسين معهد الصحافة العالي بجامعة القاهرة 1939, كلية الإعلام حاليًا، له إسهام بالغ في تأسيس نقابة الصحفيين 1941، ودبلوماسي قدير مثّل مصر في الأمم المتحدة مدافعًا عن القضايا الوطنية والقومية والحرية، لفظ أنفاسه الأخيرة خلال إلقائه كلمة مصر بمجلس الأمن دفاعًا عن القضية الفلسطينية 1954، ما دفع الأمم المتحدة لتنكيس أعلامها حدادًا عليه.

 

ربما لم يتوقع من يهتم بتاريخ الصحافة، إمكانية إعادة بعث جريدة روزاليوسف بعد 69 عامًا من الرحيل، ليشهد الوسط الصحفي في 15 أغسطس 2005، ميلاد العدد الأول من إصدارها الثاني، في ظرف سياسي بالغ الأهمية، وتحديات وتنبؤات تشكك في قدرتها على الاستمرارية.

 

عادت جريدة روزاليوسف للصدور بجهد الأستاذ القدير عبدالله كمال المهني المحترف واسع الطموح والقدرة على الإنجاز- تغمده الله برحمته- والأستاذ القدير كرم جبر رئيس مجلس الإدارة آنذاك، لتواصل دورها المهني في خدمة الوطن والمواطن، تستهدف مواصلة دوها التنويري ومواجهة التطرف، ودعم ثوابت الدولة الوطنية، في مواجهة ما يحاك من مؤامرات خارجية، وما تمارسه الجماعات المتطرفة من تضليل تحت ستار شعارات دينية تخفي ما تبطنه من أهداف  السطو على سلطة الحكم.

 

بدأ العدد الأول من الأصدار الثاني، معبرًا عن سياسة المؤسسة الضاربة بجذورها في عمق التاريخ الصحفي مسافة 75 عامًا،  مشتبكًا مع القضايا الوطنية والإقليمية، والآراء الشاذة عن قواعد الموضوعية، فكان الظرف السياسي بالغ الأهمية، تعديلات دستورية تجري بموجبها أولى الانتخابات الرئاسية التعددية.

 

خاضت الجريدة في إصدارها الثاني معارك مهنية، واجهت المتطرفين، بالحقائق والمعلومات، قدمت محتوى يشغل اهتمام مختلف الفئات عبر حملات، وملفات وحوارات وصفحات متخصصة، تصدت لحملات الإعلام المعادي الذي استهدف مصر، وحذرت من مؤامرات تفتيت الوطن والدول العربية من الداخل عبر حركات مشبوهة، كشفت أهداف تنظيم الإخوان الإرهابي الحقيقية للوثوب على السلطة وتهديد الهوية الوطنية.

 

وصفت جريدة روزاليوسف منذ 2005 تنظيم الإخوان بـ«الجماعة المحظورة»، و«التنظيم الإرهابي»، متصدية لأفكاره الضالة، وأهدافهم الخبيثة المتسترة برداء الدين، واجهنا تغلغلهم في النقابات المهنية، وعبثهم في المجالس النيابية، وعنفهم في الجامعات المصرية، وتحريضهم ضد الدولة المصرية.

 

كانت روزاليوسف وما زالت، تواجه التطرف، لا تعرف المهادنة ولا الإمساك بمنتصف العصا، قاتلت ولا تزال، بينما كانت هناك صحف منافسة تزعم الاستقلال، تفتح الصفحات لقيادات التنظيم الإرهابي، نظير شراء آلاف الأعداد لتحقيق رواج زائف وأرباح مالية،  لكنها روزاليوسف أبدًا لا تتخلى عن ثوابتها وقضيتها، فروجت عنها التنظيمات والمنافسون الشائعات، حالمين بيوم توقفها عن الصدور.

 

مرت السنوات  وهزمت الشائعات، وازدادت القيمة المضافة مهنيًا، باتت رقمًا صعبا في الصحافة المصرية لا يمكن تجاهله، بما خاضته من معارك مهنية، وما أنجزته من ملفات وقدمته من سلاسل حوارات وتحقيقات وصفحات متخصصة بزوايا إبداعية.

 

ربما يخطئ من يجرى حساباته بمقاييس الإيرادات والنفقات المالية، فقط، عند تقييم دور الصحافة القومية، كونه يحيد الكنز الثمين ثنائي القيمة، المتمثل فيما تقدمه من دور مهني تنويري كأحد مقومات القوة الناعمة في محصلة القدرة الشاملة، في مواجهة أسلحة الحروب الهجينة، والثاني: ما تنجبه من كوادر بشرية مهنية وطنية تقاتل على ثغور الوعي.

 

فالكنز الأهم الذي قدمته روزاليوسف الجريدة في إصدارها الثاني، جواهر الكنز البشري، «الجيل الرابع» بالمؤسسة، نخبة من الشباب المقاتل المهني الوطني الواعي الذي انتخبته التجربة بتفاعلاتها وتحدياتها واشتباكاتها، فضخّت بدماء شابة في شرايين المؤسسة والمهنة، منهم من تحمل المسئولية بالمؤسسة ومنهم خلف وشارك في الكثير من التجارب الناجحة في وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة والرقمية.

 

سرعان ما أثبت الواقع المعاش، صدق ما ذهبت إليه روزاليوسف، في مواجهة التطرف، والرهان على مجتمع واعٍ، فعقب ست سنوات قتال جريدة روزاليوسف وتحذيراتها من نوايا تنظيم الإخوان الإرهابي، وما يحاك لمصر من مخططات قوى دولية وإقليمية بل وللشرق الأوسط، انفجرت دول المنطقة من الداخل.

 

وفي أعقاب 25 يناير 2011، وخيانة الإخوان لمن سموهم شركاء الميدان، وظهور حقيقة مطامع التنظيم في السلطة، وتهديده الهوية الوطنية، استيقظ من خدعتهم الشعارات الدينية الزائفة ، وأيقن من ساوره في السابق شك، صدق مواقف روزاليوسف.

 

واصلت الجريدة دورها المهني التنويري، بالمعلومة الصادقة والرأي الجاد والتحليل العميق، في أخطر التحديات التي واجهت الدولة المصرية في العصر الحديث، فعندما تلون البعض مع وصول الإخوان للحكم ظلت روزاليوسف بإصداراتها المتنوعة على موقفها الصلب في مواجهة التطرف والحفاظ على الهوية الوطنية، فخرجت في اليوم الأول لحكم المرشد بمانشيت «جمهورية مصر الإخوانية». 

 

ولم تمض أشهر معدودات حتى ثبت مخطط أخونة الدولة وطمس الهوية، وحاول حكم المرشد معاقبة روزاليوسف بتجفيف منابع تمويلها، وخنقها اقتصاديًا عبر مجلس الشورى المنوط به الإشراف على المجلس الأعلى للصحافة والمؤسسات القومية حينها.

 

أحكم الحصار على روزاليوسف المؤسسة، وفي سابقة تاريخيّة تم إعاقة إصدار عدد من مجلتي روزاليوسف وصباح الخير، والجريدة اليومية، فذهبنا ونخبة من أبناء الجريدة إلى نقابة الصحفيين وجهزنا المادة بالطابق الرابع، ونجحنا في إعادة إصدارها وإحباط محاولات خنقها.

 

استقال الأستاذ محمد جمال الدين من رئاسة مجلس الإدارة احتجاجًا على تأخر الدعم المالي المستحق للمؤسسة ديسمبر 2012، وتحمل المهندس عبدالصادق الشوربجي المسئولية في وقت بالغ الصعوبة، وتوالت القيادات الإدارية والتحريرية، فخلفه الأستاذ أيمن فتحي ثم الأستاذة هبة صادق، وفي رئاسة التحرير الأساتذة إبراهيم خليل وجمال طايع والدكتورة فاطمة سيد أحمد، وعصام عبدالجواد وأحمد باشا، لكل الأساتذة الاحترام لما قدموه من تجارب مهمه في ظل تحديات بالغة الصعوبة.

 

شرفت بتحمل المسئولية بعد تحول الصحيفة من يومية إلى أسبوعية، إبريل 2024 رئيس التحرير الثامن في عمر تلك الصحيفة العريقة، ونحتفي اليوم بالذكرى العشرين لميلاد إصدارها الثاني  لتواصل دورها المهني وقتالها على جبهة الوعي في ظل تحديات دولية وإقليمية غير مسبوقة في تاريخ الدولة المصرية، على كل المحاور الاستراتيجية للأمن القومي المباشر وغير المباشر.

 

تواصل جريدة روزاليوسف الجهاد في سبيل الوطن، تنير  الرأي العام، لبناء مدركات، تولد قناعات قائمة على الحقائق، في مواجهة أشرس حملات استهداف الجبهة الداخلية المصرية، في وقت تواجه الدولة تحديدات غير مسبوقة على كافة محاور الأمن القومي.

 

تواصل الجريدة دورها التنويري، تدعم الحريات، وتواجه التطرف، تنطلق من ثوابت الأمن القومي المصري، والمصلحة العليا، تواجه التضليل بالحقائق، تفدم الرأي والتحليل، تدعم الثوابت الوطنية وقيم الجمهورية الجديدة، وحقوق الإنسان بمفهومها المصري الشامل.

 

ورغم كل التحديات تستمر الإنجازات في الجمهورية الجديدة، بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي،  في مختلف القطاعات ما اسهم في تعزيز القدرة الشاملة للدولة فضاعفت من قدرتها على الصمود والردع، إنجازات  رسمت خريطة تنموية لجمهورية جديدة ارتقت بالعمران وتنشغل  ببناء الإنسان علميًا وصحيًا وخدميًا وفكريًا.

 

بإذن الله نعدكم على عهد الأجداد والأباء سائرون ننحاز للحقيقة والحرية، نتمسك بقواعد المهنية والثوابت الوطنية، نعبر عن هموم المواطن نواجه التطرف وندافع عن المصالح العليا للوطن،  نجاهد بالكلمة في سبيل مصر…

 

حفظ الله مصر شعبًا وجيشًا  وقيادة