الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
شرطة الدولة الوطنية

بعد 10 سنوات على أسوأ ذكرى فى التاريخ المعاصر: كيف أحبطت الداخلية مخطط تشويهها فى الذهنية المصرية

شرطة الدولة الوطنية

منذ العام ٢٠٠٣ تحديدًا والشرطة المصرية تتعرض لحملة ممنهجة تهدف لفرض صورة ذهنية لها شديدة السلبية، كانت الحملة تحاول جاهدة إطالة أمد الاستهداف لغرس ثقافة العداء للشرطة فى أذهان شرائح وأجيال مختلفة!



 

شاركت فى تلك الحملة قنوات فتحت برامجها المسائية وحولت الهجوم على الشرطة إلى مسلسل يومى محاطًا بتفاصيل درامية من صنع خيال مقدمى البرامج، انضمت للحملة صحف بعينها استخدمت الصورة الفوتوغرافية لإيصال رسائل صامتة مكثفة تحايلًا بأن الصورة لا تكذب, بينما يعرف المهنيون أنها يمكن أن تُجتزأ أو تستقطع من سياقها، كما يمكن أن تستخدم بشكل انتقائى لخدمة أغراض الاستهداف العام لجهاز الشرطة!

 

كانت الحملة مستعرة ومتواصلة ومرتكزة على استراتيجية التأثير التراكمى فى الأذهان، من أجل تحقيق الأهداف التالية: - تصوير الضمير الجمعى لكل من يعمل فى الشرطة باعتباره ضميرًا مريضًا لا يتورع عن ارتكاب الجرائم وإخفاء أدلتها. - تسييس العمل الشرطى من أجل فرض صورة ظالمة باعتباره أداة لتثبيت أنظمة سياسية ولو كانت ضد إرادة المواطن، وليس مرفقًا حيويًا للخدمة العامة.

 

- محاولة العبث فى هوية المؤسسة الشرطية بهدف تحزيبها وأدلجتها، من خلال قياس أداءات رجالها بمعايير ليس لها علاقة بطبيعة العمل الشرطى، بمعنى أن الضابط لا يمكن أن يجاهر بالسلوك الثورى ليس لأنه خانع ومستكين، بل يفرض عليه العمل المؤسسى أن يكون نظاميًا منضبطًا.

 

- فرض مطلب عام وتحويله لمادة إعلامية عامة بإعادة الهيكلة كعنوان جذاب دون خوض فى تفاصيل مفهومه وأهدافه ودون وضع ضوابط تحول دون التفكيك.

 

- تعريض كل من يعمل بجهاز الشرطة لعملية تحقير مجتمعى من أجل حصاره نفسيًا داخل أسرته ومجتمعه الخاص.

 

كل ذلك كان يهدف إلى أن تتحول الشرطة إلى قوات منسحبة إجرائيًا فيغيب دورها الفاعل عن ذهنية المواطن الذى اعتقد وهمًا أنه يمكن أن يعيش دون مرفق الشرطة، الحملة كانت تصر على إلحاق انهزام داخلى لأفراد هذا الجهاز قبل اللحظة الموعودة عشية ٢٨ يناير ٢٠١١.

 

■ ■ ■

 

  وصولا إلى لحظة ٢٨ يناير كانت الحملة ضد الشرطة قد أحدثت مفعولها الكامل ففرضت اللحظة مواجهة غير منطقية بين المواطنين وقوات الشرطة، فراحت نفس الجماعات السياسية والصحفية التى استخدمت استخدامًا إخوانيًا مهينًا، راحت سريعًا تروج لفكرة ومصطلح وشعار «انسحاب الشرطة»، وهو مصطلح مدهش لأن الانسحاب لا يكون إلا فى المعارك ولا ينطبق إلا على الطرف المهزوم، وهو توصيف غير دقيق لكنه خبيث ومتعمد، ولكنه غير منطقى لأن من كان يتشدق بوهم السلمية هو نفسه من أقحم مفردات لمعركة لم تكن موجودة أساسًا!

 

فى هذه اللحظة كان التنظيم الإخوانى قد فرض سيطرته التامة على الجميع وراح يستخدمهم كيف شاء وأين شاء، ثم تطور المشهد بقوة الفعل الإخوانى الآثم لفرض ثقافة جديدة وهى «ثقافة اللجان الشعبية» التى تورطت فى نشرها سريعًا نفس المجموعات الإعلامية والصحفية المستخدمة إخوانيًا، من أجل تحقيق الأهداف التالية:

 

- فرض ثقافة الميليشيا لتحل محل المؤسسات، وهى فرضية ثبت أنها لم تخدم سوى تنظيم الإخوان.

 

- الإيهام بإمكانية التعايش مع الفوضى وإدارتها.

 

- الإيهام بإمكانية الإدارة وممارسة الحياة دون مرفق الشرطة، من أجل إعادة بناء كيان جديد حتمًا سيكون مؤدلجًا لخدمة التنظيم الإخوانى.

 

لم تكن الشرطة لتنسحب وتتخلى عن حماية المواطن لكنها لم تكن لتتورط فى دماء المصريين، ما حدث فعلًا هو أن الشرطة قد أخرجت «بضم الألف» قسرًا من الخدمة، بعد تحطيم بنيتها الأساسية هدمًا وحرقًا وتخريبًا.

 

■ ■ ■

 

 لم يتوقف السلوك الإجرامى المنُظم للإخوان، بل انتقل إلى مرحلة جديدة وهى إحداث الوقيعة بين الشرطة والجيش باعتبار أن الأخير نزل إلى الشارع لحماية المواطنين من بطش الشرطة وليس من أجل الحماية الشاملة لكيان الدولة بما فيها جهاز الشرطة نفسه.

 

محض خيال مريض .. لأن مركبات الشرطة التى خرجت من الخدمة بفعل التخريب وبلغت حوالى ٤٠٠٠ سيارة متنوعة بما فيها سيارات الإطفاء، لم يعوضها سريعًا إلا الدعم المتدفق من القوات المسلحة آنذاك.

 

فى تلك اللحظات العصيبة تم تكبيل وتحييد مرفق الشرطة تمامًا لينفرد تنظيم الإخوان مباشرة بالعدوان على الشعب المصرى تارة باسم الطرف الثالث وأخرى بميليشيات إخوانية معلنة أحاطت بنواب الإخوان لحمايتهم من الثوار لحظة دخولهم للبرلمان الإخوانى بقيادة الإرهابى أسامة ياسين الذى عُين وزيرًا للشباب فى حكومة الإخوان فيما بعد.

 

بهذه التفاصيل المعُقدة حمل «عبدالفتاح السيسى» الأمانة بعدما تم تعيينه وزيرًا للدفاع فى ٢٠١٢، لكنه كان مدركًا لها فظهر فى الندوة التثقيفية، وقد تشابكت يده بيد وزير الداخلية فى ذلك الوقت اللواء «أحمد جمال»، وكانت يد الله فوق أيديهم.

 

الرسالة كانت شديدة الوضوح هنا. حيث مد الجيش المصرى يده إلى جهاز الشرطة ليقيله من كبوته وينهضه من نكسته، فى تلك اللحظة بدا وأن مكونات القوى الصلبة للدولة المصرية وقد عادت للتوحد على أرضية الدولة الوطنية. دولة المؤسسات وليس الميليشيات والتنظيمات.

 

تطورت الأمور سريعًا وصولًا لاستيلاء التنظيم الإخوانى على حكم البلاد، فكانت الصدمة مزدوجة, تارة للتنظيم الإخوانى الذى حاول استخدام الشرطة كإحدى أدواته التنظيمية فاكتشف أن قواعد الانضباط المهنى وأحكام القانون والضمير الأخلاقى تحكم الجهاز العريق بشكل مؤسسى حتى لو ظهرت بعض التجاوزات، فكانت الصدمة هنا بأن الشرطة المصرية تتمركز فى أعماق الكتلة الصلبة للدولة الوطنية ولا يمكن أن تتماهى مع تنظيم خارج نسيج هذه الدولة، فحدثت لحظة الانكشاف بعدما اضطر التنظيم إلى اللجوء لميليشياته، فتسببت الشرطة من خلال سلوكها المؤسسى فى كشف مبكر للنوايا الإخوانية تجلّى بوضوح فى أحداث الاتحادية.

 

ثم جاءت الصدمة الثانية لمجموعات إعلامية ويسارية ونخبوية كانت قد شاركت فى عملية الاغتيال المعنوى للشرطة، ثم أذهلها السلوك الوطنى المؤسسى لجهاز الشرطة وصولًا لحمايتهم حماية مباشرة من غدر الإخوان أثناء حكمهم، تلك الحماية التى ظهرت بوضوح فى اعتصام المثقفين بوزارة الثقافة بالزمالك، فى جميع الأحوال كانت الشرطة تمارس دورها المؤسسى المنضبط المحكوم بقواعد الدستور التى تضمن بقاءها مكونًا من مكونات الدولة الوطنية.

 

■ ■ ■

 

  في 30 يونيو تجلت لحظة الحقيقة. فكانت الشرطة فى طليعة الصفوف ليس من منطلق ثورى بل من منطلق حمائى صريح، يرفض الاعتداء على المصريين كما رفض من قبل العبث الإخوانى فى هويته النظامية.

 

فإذا كانت ٣٠ يونيو هى ثورة الدولة الوطنية فإنه لم يكن بمقدور الشرطة أن تغيب عن هذا الاصطفاف والتوحد فى معركة الدفاع عن وجود هذه الدولة.

 

ليس ذلك فحسب بل إن الإشارات الوطنية الصريحة التى وجهتها الشرطة للمتظاهرين السلميين فى الأيام السابقة لـ ٣٠ يونيو كانت حافزًا حقيقيًا على تدفق الحراك الثورى باطمئنان فى كل مدن وقرى مصر.

 

ففى لحظة الالتفاف الثورى حول ميدان التحرير كان الضباط والجنود متواجدين بزيهم الرسمى وسط المتظاهرين فى مشهد لم يكن فى الحسبان أن يتجسد فى أقل من ثلاث سنوات.

 

كانت ٣٠ يونيو هى البداية للمواجهة مع التنظيم الإخوانى الإرهابى بكل روافده، بعد أن حملت فلوله السلاح فى وجه مصر والمصريين سرًا وعلانية، فتقدمت قوات الشرطة الصفوف لتتلقى رصاصات الغدر وشظايا الخيانة الإخوانية نيابة عن المصريين، لتقدم الشرطة مئات الشهداء الذين ارتقوا لبارئهم بعد أن سالت دماؤهم الزكية فروت الأرض المصرية الطاهرة.

 

فى كل اللحظات كانت العقيدة الشرطية هى كيان الدولة الوطنية وقوانينها ودستورها، فى كل اللحظات كانت الشرطة عصية على محاولات فرض الأيديولوجية الضيقة، كانت العقيدة هى الوطن والحماية.

 

مرت السنون بعد ٣٠ يونيو وما زالت الشرطة تقدم الشهداء واحدًا تلو الآخر قضوا نحبهم وآخرون فى الصفوف ينتظرون.

 

■ ■ ■

 خلال السنوات العشر التالية لما سمى بجمعة الغضب، تمكنت الشرطة من التقدم فى مسارات متوازية، تمثلت فى المواجهة مع تنظيمات الإرهاب، وممارسة الحماية وفرض الأمن من خلال الإجراءات اليومية، إلى جانب التطور الإنشائى والتكنولوجى لكل قطاعات وزارة الداخلية، وكذلك تطوير العنصر البشرى والارتقاء بمعايير اختياره منذ البداية.

 

لم يتوقف التطور عند ذلك بل زادت قدرة الوزارة على الانفتاح على الإعلام والمنظمات الحقوقية.

 

ثم طورت من دورها الاجتماعى بإطلاق الحملات المتتالية من أجل تقديم الخدمات والسلع للمواطنين فى كل المحافظات، ونظمت حملات السداد عن الغارمين والغارمات فى السجون.

 

لم تعد الرسالة الأمنية مقتصرة على الإجراءات الإدارية بل أصبح جهاز الشرطة مكونًا رئيسيًا فى حفظ السلام الاجتماعى الاستراتيجي، بعد أن أثبتت التجربة المريرة أن ذلك الجهاز هو إحدى ركائز استقرار الدولة الوطنية، وأنه غير قابل للتحزب أو الطائفية أو الاستخدام ضد الإرادة الشعبية باعتبارها مصدر الشرعية الحقيقى.

 

مع حلول عيد الشرطة يوم ٢٥ يناير تستوجب الأمانة التاريخية إعادة التذكير بأن ذلك التاريخ ليس احتفاء بشخصيات بل هو ذكرى لبطولة شرطية فى مقاومة المحتل الغاصب، وبالتالى فإن محاولات تشويه هذا التاريخ هى محاولة لتشويه معنى مقاومة المحتل.

 

الآن وفى عيد الشرطة لا نملك إلا توجيه التحية والعرفان بالجميل لمن كان قدره أن يكون أمينًا على نعمة الأمن فى ربوع مصر المحروسة.

 

اليوم وفى عيد الشرطة يملك وجداننا الفخر بشهدائنا الذين سُطرت أسماؤهم بحروف النور فى سجل شرف الوطن.