
محمد عبد النور
كل واحد يشيل شيلته
صاحب الأربعة أطفال أو خمسة أو ستة ليس من كوكب آخر، ولا هو يعيش فى الصحراء وربما هو أكثر من أى حد آخر يعيش تفاصيل الحياة اليومية بكل تكلفتها المرهقة ماليًا ونفسيًا، هو يعرف ويعلم ويعيش ومع ذلك يخطط لإنجاب طفل آخر.
ومع كامل التقدير للإحصائيات التى تسجل عن محافظات الصعيد هى الأكثر إنجابا لكن القاهرة والجيزة أيضا هما المحافظتان الأعلى إنجابا، وأن القرى الأكثر فقرًا هى أكثر إنجابًا إلا أن قرى الشرقية والدلتا هى أيضا أكثر إنجابًا.
فصاحب الأربعة أو الخمسة أطفال ويخطط لإنجاب السادس ليس منفصلًا عن الواقع ولكن له منطقه الخاص، ولا يتصرف بمنطق أن كل طفل يأتى برزقه وإنما هو يفرض رزقه على الآخرين بمعنى أن شغلته يخلف وعلى الآخرين دفع تكلفة الخلفة كأن يرفع أجره فى مهنته التى يؤديها أو يعتبر أن كل طفل من أطفاله هو مشروع اقتصادى متحرك.. أو كلتا الحالتين معًا.
ولذلك لا نندهش حين نرى الوفرة المالية بين أصحاب الأطفال الأربعة والخمسة والذى لا يمكن حساب دخله أو حجم استهلاكه من السلع الغذائية أو الخدمات كالكهرباء أو الماء أو حتى حساب ضريبى على الدخل.
والذى يتحمل هذه التكلفة له ولأطفاله هم دافعى الضرائب من الطبقة المتوسطة مرتين، مرة فى راتبه أو مصنعيته ومرة أخرى فى القيم المرتفعة لاستهلاك الكهرباء والمياه والخدمات وحتى المواصلات العامة والتى ترتفع دوريًا.
بينما تدفع الدولة أيضًا من أموال دافعى الضرائب له ولأطفاله خدمات التعليم والصحة والمواصلات وبطاقات التموين وكل أشكال الرعاية الاجتماعية، وإلا ما التفسير فى ارتفاع نسب الإنجاب بين من هم فى وظائف أو مهن متواضعة؟ وكيف ترتفع هذه النسب بين سكان العشوائيات؟ وما هى عناصر الاقتصاد غير الرسمى الذى يقترب من الاقتصاد الرسمى فى معدلاته؟
صاحب الأربعة أو خمسة أطفال ويسعى لإنجاب السادس ليس قلقًا من تفاصيل الحياة اليومية ولا على مستقبل أولاده ولا حتى على حالتهم الصحية أو التعليمية فغيره من يدفع التكلفة طول الوقت.
تأخرت الدولة كثيرًا إلى الحد الذى أصبح فيه التدخل حتمى وبكل صورة ممكنة ليس أولها رفع الحماية الاجتماعية عن الطفل الثالث وليس آخرها رفع مجانية التعليم عن الطفل الثالث، وقد أصبح لديها بيانات ومعلومات مفصلة، وقد حان الوقت لكل واحد أن يشيل شلته الحقيقية وأن يتحمل نتائج قراراته الشخصية دون دافع ضرائب يحل محله ولا دولة تخفف من مشاكله الحياتية التى سعى لها بنفسه, فارتفاع نسب السكان فى دولة مثل مصر بموارد معدودة وتحديات حاضرة ومجهدة خطير واستمرار هذا الارتفاع هو فى حقيقة الأمر انتحار جمعى.