
محمد عبد النور
إهدار الحاضر وتلغيم المستقبل
صحيح أن التعداد السكانى هو طاقة بشرية تعزز من قوة المجتمع وتطوره وثباته وفى بعض الحالات فى بعض الدول تكون نسب الارتفاع فى الزيادة السكانية مطلوبة ولكن هذه النظرية لها شروط عليها أن تتحقق قبل أن نحدد أن تعداد السكان وارتفاع نسب الزيادة عنصر يضيف لقدرات الدولة أو عنصر يضعف بالخصم من حاضر شعبها ومستقبله.
أول هذه الشروط أن يتناسب التوزيع السكانى مع مساحة أرض الدولة بمعنى أن يكون لكل كيلومتر من الأرض ما يتناسب معه من عدد سكان، وثانيها أن تكون مناطق العمران سواء مدناً أو ريفاً أو حضراً موزعة على خريطة الدولة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، وثالثها أن تتمتع هذه المناطق العمرانية بعوامل بقاء وجذب للسكان، زراعى أو صناعى أو سياحى.
وآخرها بل أهمها أن تمتلك الدولة موارد متعددة تستطيع أن تستخدم فيها هذه القوة البشرية من التعداد السكانى فى اقتصاديات النمو المستدام بما يرفع من الناتج الإجمالى الذى يضمن جودة معينة من الحياة لكل السكان أو على الأقل جودة مقبولة تتوفر فيها الخدمات الأساسية للحياة من طاقة ومياه شرب صالحة وصرف صحى وصحة وتعليم ثم وظائف عمل.
وفى الحالة المصرية لا شرط من هذه الشروط متحقق أو على الأقل متوفر، فالتركز السكانى ثابت على ضفتى النيل وفى مساحة محدودة منه مقدرة بنسبة 7% وتجتهد الدولة بكل قدراتها ومواردها ومشروعاتها وعوامل الجذب والتشجيع لتصل إلى نسبة 9% أما الـ90% الباقية فهى فراغ، صحراء يصعب إن لم يكن مستحيلاً الحياة فيها.
فالتوزيع العمرانى للريف والحضر والمدن فهو بنفس التركز ونفس التمركز فى هذه النسبة الضئيلة من مساحة الدولة، وجرت العادة على أن يتم التوسع بزيادة فى الحيز العمرانى للمكان نفسه دون الابتعاد عنه بمسافة كافية، بما جعل من نسب توزيع السكان فى الكيلومتر فى مصر هى الأعلى فى العالم.
أما موارد الدولة فهى معدودة على أصابع الكف الواحد واقتصادها فى شقه الأعظم، اقتصاد خدمى ريعى قائم على الدخل من السياحة وقناة السويس وتحويلات العاملين فى الخارج، يستورد حاجته من السلع الغذائية والمواد الخام للعملية الصناعية وما يملكه قليل.
فبفعل التعدى السكانى تقلصت بحجم رهيب الرقعة الزراعية المحدودة التى لا يمكن تعويضها، وبفعل الزيادة السكانية أصبحت مساحة العمران (9%) لا تطيق سكانها، ولا أتحدث عن الجرائم الاجتماعية بسبب التكدس والزحام، وبفعل نسب الارتفاع فى الزيادة السكانية أصبح مطلوباً من الدولة معدودة الموارد ما يفوق قدراتها وطاقاتها حتى على تلبية أقل الاحتياجات الأساسية للحياة.
ليست نسب الارتفاع فى الزيادة السكانية فى مصر من عناصر القوة المضافة إنما يقينا هى من عناصر إهدار الحاضر وتلغيم المستقبل.