السبت 16 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لماذا كانت مصر أم الدنيا؟

لماذا كانت مصر أم الدنيا؟

ظلت القومية المصرية هاجس المثقفين المصريين مع بداية انحسار الإمبراطورية العثمانية التى ألقت بظلال التخلف والرجعية على المنطقة حتى نهاية  الفترة ما بين ستينيات وسبعينيات القرن التاسع عشر حيث كان ذلك بداية التذكير بهويتنا وقوميتنا المصرية وقد بدأ على يد أبرز مفكرى مصر فى ذلك الوقت « رفاعة رافع الطهطاوى « حيث كان محور تفكيره السياسيى والاجتماعى بوضوح حول نقطة محددة وهى أن أرض مصر وشعبها وحدة محددة المعالم وكان يصف ارتباطه بمصر  بعبارات عاطفية جدا وحبه لأرض النيل واعتزازه بماضيها المجيد، وقد صاغ فى سبيل هذا الحب المشبوب بقوميته المصرية الصرف عددا من القصائد الوطنية وكتب كتابين عن تاريخ مصر العريق ولطالما كان يكرر دعوته للمصريين لحب الوطن وطنهم مصر والإحساس به وكان يرى أن الأخوة الوطنية رابطا مهما إضافة للإخوة الدينية بين كل المصريين بلا تفرقة بين مواطن وآخر بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، ولذا على المصريين العمل على ارتقاء الوطن الواحد الذى يجمعهم تحت سمائه. 



 كان رفاعة الطهطاوى أسبق المفكرين جميعهم للتأكيد على الهوية والقومية المصرية وأنه على المصريين اتباع رؤيته لمجمل التاريخ المصرى الحضارى باعتباره مشروعا جنينيا لشخصية قومية مصرية تمتد من عصور نهضة قدماء المصريين وحتى المصريين المعاصرين لدعوته، وكان يعتز جدا بمصر الفرعونية فى كل أعماله التاريخية وحتى كتاباته وكان أول من استخدم تعبيرات أم الدنيا. 

لذا فنحن المعاصرون فى هذه الفترة التى تشهد نهضة ملموسة فى حاجة لاستلهام روح كتابات مفكرين عظام مثل الطهطاوى وأحمد لطفى السيد وكتاب ما بعد  الثورة العرابية الذين دعوا تحت شعار مصر للمصريين ضرورة أن يشارك أبناء البلد المصريين للصفوة التركية والشركسية فى السلطة والامتيازات وتغيير المشاعر من اتجاهها نحو الولاء للدولة العثمانية المغلفة بالنزعة الإسلامية  إلى اتجاه مصرى خالص. 

ويزداد التوهج فى المشاعر المصرية باحتلال بريطانيا لمصر وبزوغ نجم الزعيم مصطفى كامل وظهور المنشورات التى تهاجم الاحتلال البريطانى والتواطؤ الذى ظهر مع الاحتلال العثمانى وكتب مصطفى كامل يقول فى أحد مقالاته اننى متهور فى حب مصر، وهل يستطيع مصرى أن يتهور مهما تهور فى حب مصر أن يبلغ الدرجة التى يدعو إليها جمالها وجلالها والعظمة اللائقة بها، اسألوا العالم كله يجيبكم بصوت واحد أن مصر جنة الدنيا وأن شعبا يسكنها ويتوارثها لهو أكرم الشعوب اذا أعزها وأكبرها. 

هكذا كان المصريون فى نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر يقاومون الفكر العثمان والاحتلال البريطانى بالتأكيد على هوية وقومية مصر ويرونها حاضرة الأرض تاريخا وأرضا ونيلا وشعبا. 

كان مصطفى كامل فى أفكاره وخطاباته وندواته فى مصر وفى باريس رغم مرضه العضال يؤكد على الاستمرارية التاريخية لسكان مصر ويستنكر جدا مقولة أن الكتلة الأعظم للمصريين تنحدر من أصل عربي خارجى ويؤكد على أن مسلمى مصر وأقباطها أسرة واحدة تنحدر من أصول قدماء المصريين، ويؤكد ان مصر هى أم الدنيا التى شهدت مولد كل الأمم الأخرى وهى التى قدمت الحضارة والرقى لكل الجنس البشرى. 

هكذا كان يري زعماء مصر بعد سقوط الاحتلال العثمانى البغيض والاحتلال البريطانى  ان مصرق اعرق من تلك الدول التى احتلتها وانه لولا هذه الاحتلالات لقادت مصر المنطقة وان القومية المصرية هى أقدم القوميات فمصر جاءت أولا ثم جاءت من بعدها الأمم التى شهدت مولدها مصر كما قال الزعيم مصطفى كامل ولذا نحن فى حاجة من جديد الآن الى الالتفاف حول زعيمنا واستعادة العزة والشموخ والكبرياء المصرى الذى ناضل كثير من رجالات مصر لتأكيده والنضال من اجله.