
محمود عبد الكريم
تفجير البرج وتفجير فساد المحليات
بعد تفجير برج فيصل نتيجة المخالفات التى صاحبت إنشاءه حتى اشتعلت النيران فى أحد طوابقه الأرضية لا صوت يعلو الآن فوق صوت المطالبات بوقف الفساد المستشرى فى المحليات التى تجاوز منسوبها الأذقان وليس الركب كما المقولة الشهيرة، وبالتالى أصبح ملف المحليات أحد أهم التحديات، التى تواجه الحكومة وأكثرها تعقيدًا بسبب تغلغل الفساد فى المحليات على مدار عقود من الزمن، ولذا يحتاج هذا الملف إلى دراسة وافية، وحلول جذرية لوقف نزيف المال العام، الذى يتم إهداره بسبب فساد عدد من كبار وصغار الموظفين.
فعلى مدار سنوات طويلة أصبحت المحليات وما يجرى فيها مشكلة لا حل لها أو هكذا تبدو ولم يعد هذا الفساد مشكلة شخص أو اثنين بل توسعت رقعة الفساد فى دوائر المحليات لتشمل عشرات الموظفين، على درجات مختلفة، ينهبون المال العام بلا رادع، حتى يسقط أحدهم فى أيدى الأجهزة الرقابية فيظهر حجم الفساد، الذى يختبئ داخل هذه المغارة، وحجم الأموال التى تخسرها الدولة بسبب فسادهم هؤلاء الموظفون، حتى أصبحت المحليات أعمق بئر للفساد؟
ومشكلة المحليات لم تكن بعيدة أبدا عن اهتمام وعناية الرئيس السيسى لأهمية هذا الملف وما يمثله من تهديد للمال العام وتحدث عنه فى أكثر من مناسبة وأشار إلى ضرورة القضاء على هذا الفساد وتطهير الجهاز الإدارى للدولة من العناصر الفاسدة.
وبالفعل بدأت الأجهزة الرقابية فى شن حملات للكشف عن الفساد، وتم القبض على عدد من كبار الموظفين بالدولة فى قضايا فساد وتلقى رشاوى وإهدار للمال العام، بما يؤكد رغبة الدولة الجادة فى إنهاء الفساد وتطهير المحليات مهما كانت درجة المسئول المتورط فى الفساد، ورفعت الدولة والأجهزة الرقابية شعار: «لا أحد فوق المساءلة والحساب»، بل ألقى القبض على موظفين على درجة محافظ أو نائب محافظ ورؤساء أحياء ومدن تورطوا فى قضايا فساد.، فضلا عن القبض على عدد من الموظفين تلقوا رشاوى نظير التغاضى عن مخالفات تهدد حياة عشرات الأبرياء، ومنها ما حدث فى السنوات الأخيرة حين قبضت الأجهزة الأمنية فى محافظة القاهرة، على مدير إدارة التنظيم بحى الأميرية ومهندس آخر «لتورطهما فى منح تراخيص بناء أربعة عشر برجا تابعا إلى إحدى شركات العقارات الكبرى بالأميرية.، وأثبتت هذه القضية أن صغار الموظفين يمكنهم أن يتسببوا فى كوارث مميتة
والمثير أن كل قضايا المخالفات البنائية كانت وراءها الرشوة التى يمكن اعتبارها إحدى أهم أشكال الفساد بالمحليات، والغريب أن البعض من المرتشين يعتقدون أن الرشوة رزق !!
ومن أسباب تفشى الفساد فى المحليات ومعاناة المواطنين منها، أنها المحطة الأولى لتقديم الخدمات، حيث تكون العلاقة مباشرة بين مقدم الخدمة وطالبها، وعدم تطبيق مدونة السلوك الوظيفى على الموظفين، بالإضافة إلى كثرة القوانين وتعقيداتها، مما يجعل المواطن يتعامل مع العديد من الشخصيات للحصول على خدمة واحدة.
فمثلا إذا أراد المواطن الحصول على ترخيص ما للمنشأة التى يملكها عليه أن يحصل على موافقة الصرف الصحى والكهرباء وشركة المياه والحماية المدنية وغيرها من المؤسسات الحكومية، ويتكرر هذا الأمر مع مجالات مختلفة مثل مشروعات الإسكان وشراء الأراضى، وأحيانا يؤدى تعدد جهات الوصاية أو المسئولية عليها والتنازع أحيانًا على الملكية إلى تعقد الإجراءت مما يصعب مهمة المواطن عند إقامة مشروع ويفتح الأبواب الخلفية للفساد.
ويرى بعض الخبراء أن الحل يكمن فى فصل متلقى الخدمة عن مقدمها، ووجود مركز تقنى إدارى حديث يمكن المواطن من خلاله بتقديم طلبه، ثم ينتظر سير الإجراءات بدون أن يلتقى بالموظف المسئول.
والحقيقة أن الحديث عن فساد المحليات لابد أن يتبعه اعتراف بالقصور الشديد فى قانون الإدارة المحلية، الذى يتم العمل به منذ عقود، و تعظيم دور المحافظين حتى يقوموا بدورهم فى محاسبة المخطئين، وكذلك تغليظ العقوبات لردع المخالفين.
ثمة أمر آخر غاية فى الأهمية وهو ضرورة النظر إلى مرتبات ومزايا المهندسين بل الموظفين العاملين فى إدارات المحليات بحيث تتناسب مع الظروف المعيشية وتردع كل الذين تسول لهم أنفسهم فكرة الرشوة مع تعظيم العقوبات وتغليظها بحيث يفكر المرتشى أو المخالف مائة مرة قبل أن يقدم على الرشوة أو المخالفة
ومن المهم إعطاء المحافظين والأجهزة الرقابية دورًا وصلاحيات أكبر لأحكام الرقابة واختيار الموظفين بعد اختبارات نفسية وتحريات دقيقة.