الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 52

لغة الجينات 52

الخير نسبى.. والشر نسبى.. ممكن بسهولة اللى شايفه فى الظاهر خير يكون فى الباطن شرًا.. وممكن اللى شايفه فى الظاهر شرًا يكون فى الباطن خيرًا.. فهمنا القاصر للأمور وعلمنا المحدود بيتحكم فينا وبيصور لنا الأشياء على حسب فهمنا ومقدرتنا على الاستيعاب.



«أصحاب الجينات الأصلية «ممن أعطاهم الله نورًا خالصًا قادرين على فهم الأشياء والأمور بشكل مختلف.. لا يحكمون على شخص ولا على شىء من منطلق أحكامنا الظاهرة.. ولا الباطنة.

«الخير والشر» باطن وظاهر... لا ينفصلان فى هذه الدنيا، وربنا سبحانه وتعالى أقرب إلينا من حبل الوريد ومعانا فى كل خطوة وبداخلنا وبيكلمنا وبيرسل لنا رسائل عديدة فى كل لحظة بنكون فيها فى اختيار ما بين الخير والشر، بس مش أى حد بيفهم الرسائل دى... قليل من البشر من يفهم هذه الرسائل التى ستكون حجة علينا.

فيه حكاية قديمة عن الخير والشر بتقول إن شخصًا أول مرة قرر يسرق وهو خارج من باب البيت وقع ورجله اتكسرت... فى الظاهر الناس كلها شافت إن اللى حصله «شر» وفى الباطن كان كسر رجله هو  الخير الكامل... المنقذ له والمنجى من الهلاك.. لكن لا الشخص ولا من حوله فهم  الرسالة.... وبعد ما قدر يقف تانى على رجله قرر ينفذ خطته.. فى اليوم  اللى قرر فيه التنفيذ جاءه ضيف تقيل عطله عن الخروج من البيت فلم يذهب للسرقة.. لم يفهم الرسالة أيضا.. وقرر للمرة الثالثة أن يذهب تانى يوم لينفذ خطته.. فى الظاهر نجح نجاحًا مبهرًا.. انتشى بالمكاسب الحرام التى حصل عليها.. وفى الباطن كان ما حدث له هو طريق الانحراف الذى لا عودة منه... الرسائل التى لم يفهمها توقفت.. إصراره على الخطأ.. والعند.. أعميا بصره وبصيرته، وبعدها استمر فى طغيانه وجبروته وجرائمه.

«أصحاب الجينات الأصلية» مؤمنون جدًا بالقدر.. يفهمون الرسائل التى تأتيهم بسرعة.. ينفذون الرسائل دون تفكير.. الشيخ عبدالحليم محمود.. شيخ الجامع الأزهر نموذج حى لفهم الرسائل سواء القادمة من السماء أو القادمة من البشر.. فى الظاهر فقيه فى الدين.. وفى الباطن إمام العارفين وسفيرأولياء الله الصالحين.. التواضع مذهبه، والعلم طريقه منذ أن كان طالبًا فى الأزهر الشريف وحتى نيله الدكتوراه من جامعة السوربون بباريس.

الشيخ عبدالحليم محمود فى الظاهر الدنيا كلها رهن إشارته.. وفى الباطن زاهد فى كل شىء، المال، المناصب، السلطة، الشهرة، يقيم فى شقة متواضعة بشارع العزيز بالله بحى الزيتون محافظة القاهرة وفى شقة مستأجرة قانون قديم رغم أنه كان وقتها وزير أوقاف مصر بخيراتها وذهبها وعماراتها وأملاكها التى لا تعد ولا تحصى.

 وعندما تولى منصب مشيخة الأزهر فى الظاهر عرضوا عليه الإقامة فى فيللا بحجة المنصب الكبير وحتى  يصبح المكان ملائمًا له، وفى الباطن يرفض رفضًا قاطعًا مؤكدًا لأبنائه وأصدقائه أنه لا تغيره المناصب الدنيوية وأنها زائلة ولا تبقى لأحد.

 فى الظاهر قرر الشيخ الجليل مع إلحاح أبنائه الانتقال من مكان إلى آخر أوسع فسافر ذات يوم إلى قرية «أبوأحمد» بمركز بلبيس بمحافظة الشرقية؛ ليبيع جزءًا من ممتلكاته ليوسع على أبنائه مثلما طلبوا منه وفى الباطن كانت الرسالة فى الطريق إليه.. بيع الأرض لن يكون من أجل الانتقال من الشقة الصغيرة.

باع الأرض وعاد إلى القاهرة بالفلوس وقبل أن يصل إلى بيته مر لزيارة صديق له فى المستشفى وهناك التقى أحد تلاميذه.. رآه حزينًا فسأله: مالك يا ابنى حزين ليه.. قال له: يا مولانا أبويا مريض وحالته مستدعية عملية كبيرة فورًا بفلوس كثيرة ادعى له يا مولانا بالشفاء.. تأثر مولانا بما قاله التلميذ... فهم الرسالة الأموال التى معه  لفك كرب مريض لا يعرفه.. دمعت عينه فأخرج من شنطته كل الفلوس التى باع بها الأرض وأعطاها للتلميذ علشان يعمل العملية لأبيه وظل مقيمًا فى شقته الصغيرة  مع أبنائه وزوجته حتى وفاته.

«الشيخ الجليل» كما كان يفهم الرسائل التى تأتيه فى الباطن.. كان يفهم الرسائل التى تأتيه فى الظاهر.. فبعد عودته من فرنسا كان يرتدى البدلة غير أنه بعد سماع خطبة للرئيس عبدالناصر يتهكَّم فيها على الأزهر وعلمائه بقوله: «إنهم يُفتون الفتوى من أجل ديكٍ يأكلونه.. غضب الإمام وشعر بالمهانة التى لحقت بالأزهر، فما كان منه إلا أنه خلع البدلة ولبس الزى الأزهرى، وطالب زملاءَه بذلك، فاستجابوا له لرفع المهانة عن الأزهر وعلمائه».

«الشيخ عبدالحليم محمود» فى الظاهررجل بسيط لين هادئ وفى الباطن قطب صوفى كبير له كرامات كثيرة منها  بشرته للرئيس السادات بالنصر فى حرب أكتوبر 1973 بعد أن شاهد يوم 3 أكتوبر الرسول الكريم فى رؤية يعبر قناة السويس مع جنود مصر فذهب لمقابلة الرئيس السادات فوجده مشغولًا، وأصر الإمام على مقابلة السادات فما كان من حارس السادات إلا أن دخل على الرئيس وأخبره برغبة الشيخ عبدالحليم محمود فى الدخول وتحت الإلحاح استضاف الرئيس الشيخ وقبل أن يسأل الرئيس الشيخ عن سبب الزيارة عاجله الإمام بقوله :«الرسول صلى الله عليه وسلم يبشرك بالنصر فى الحرب»، فبكى السادات واحتضن الشيخ فرحًا برؤية وبشرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كن «كصاحب الجينات الأصلية» فى الظاهر والباطن  يبحث عن الرسائل فى كل أمر حتى لو جاءت فى صورة شر... فتزيده إيمانًا ويقينًا.. يرى الحكمة والرسالة فى كل شىء.. وإذا لم يرها يتحصن  بالتسليم والرضا..