
هند سلامة
سيد.. الدراما
عيون صقر حادة ثاقبة، تستطيع التقاط وإكتشاف أدق وأصغر التفاصيل المحيطة بها، هكذا بدت عيون الفنان سيد رجب فى أدائه لشخصية «بدر» بالعمل الدرامى «لعبة نيوتن»، عيناه تبعث على الرهبة والريبة، لكل ناظر إليهما أو متحد لها، وفى نفس الوقت يبدو عليها الحزن العميق والبؤس الدائم، عين تائهه تبحث عن شيء ليس له وجود فى عالم البشر، يهوى امتلاك الأشياء، ثم يطلق سراحها ويتركها تهجره لا نعلم حبا فيها أم زهدا بها، لديه فلسفة خاصة فى منطق التشبث والإمتلاك، يعشق ويسعى لإمتلاك الأشياء بنقائها وصفائها مع بدء ولادتها وبطبيعتها الأولى، قبل أن تشوهها الخبرة والتجربة، ينطبق هذا الوصف على كل شيء حوله فى الطعام والشراب الذى يحبه «أورجانيك» كما يطلق عليه دائما، وفى الهواء النقى بالمزرعة التى انعزل فيها عن حياة المدينة، وفى خليلته التى يصدق ويؤكد أنها مازالت عذراء وهو يبقى عليها كما هى، تركيبة محيرة غامضة، شخصية تحمل الكثير من التناقضات والتقلبات النفسية التى تبعث المشاهد على التفكير والتأمل فيها كثيرا فوزا بتفسيرها.
لكن ماذا أراد المؤلف بها مثلا؟! حتى الآن لم نكتشف من شخصية بدر ما يجعلنا نصل إلى تفسير واف او شاف لتلك التركيبة الدرامية الإستثنائية، سواء على مستوى التأليف والكتابة الدرامية أوعلى مستوى الأداء للفنان سيد رجب، الذى استطاع أن يفرض سيادته وبقوة على الدراما هذا العام، بدءا من عمق فهمه واستيعابه ووعيه الدقيق بحساسية هذا الرجل الداخلية وتفاصيله الإنسانية المعقدة، وصولا إلى ظهور كل هذه العقد والتفاصيل لعين المشاهد بأدائه الممتع، وعيناه التى كتبت الكثير مما لم يبح به بدر من بؤس وألم وعذاب داخلى، وحيرة بين ما يريده ومدى تحقق ذلك فى الواقع الذى يعيشه.
معان كثيرة وخطوط متشعبة، رسمت هذه الشخصية المتفردة والذى استطاع صاحبها عن جدارة الإتيان بكل ابعادها الخارجية والداخلية، ومنح المشاهد الفضول الكبير فى مراقبته والتفكير لمعرفة المزيد عن هذا الرجل البائس والمريب، امتلك سيد رجب مهارات مختلفة فى ممارسة الفن، الذى كان يمارسه عن طريق الحكى فهو من أهم وامهر واشهر الحكائين بفرقة الورشة المسرحية، وكذلك كان مؤلفا مسرحيا وممثلا لسنوات فى عالم المسرح، وفريق الورشة الذى تربى داخله على مدار سنوات طوال، فهو يحمل توليفة الفنان النموذجي، الذى يحمل قدرا كبيرا من الخبرة وعمق التجربة الفنية الإستثنائية ما جعله يقدم شخصية بهذا التميز والتفرد ويطلعنا عليها بمستوى فاخر من الإبداع الإستثنائي، يؤكد لنا سيد رجب هذا العام مدى قدرته فى التربع على عرش الدراما كممثل لا يشق له غبار، يسحب المشاهد ويمهله ويؤهله للبحث فى أعماق ما وراء هذه الشخصية العجيبة المحيرة، التى لا تستطيع إطلاق حكم عليها بالسلب أو الإيجاب، كل ما نستطيع الوصول إليه أنه يحمل قدرا كبيرا من المرض النفسى والعقد المتشابكة، وكذلك البعد الغير مرئى والذى تمكن رجب من الإيحاء به لمشاهديه طوال حلقات المسلسل، هذا البعد الخفى الداخلى وراءه سر كبير يحمله بدر، ومازالنا نتتبع خطى تطور هذه الشخصية حتى نصل للسر الأعظم لـ«بدر.. بيه»!