
محمود عبد الكريم
عندما يموت الضمير
غياب الضمير واحد من أهم المشاكل التى يعانى منها البشر فى العصر الحديث وهى مشكلة يتلخص علاجها فى غياب الوازع الدينى لأنه بدون القيود الدينية تتحول الحياة إلى غابة بشرية يأكل القوى فيها الضعيف!
إذا الضمير أهم صفة أو ميزة فى حياتنا إذا غاب أو خفت لدينا فما الذى ينتظرنا بعد؟
كثير من الأمراض الأخلاقية فى المجتمعات الإنسانية سببها غياب الضمير الحى إذا نظرنا مثلا إلى الجرائم المنتشرة فى كل مكان وإذا نظرنا للمصائب التى تتوالى على الإنسان، لأدركنا أن السبب الرئيسى فيها هو الضمير..
فقد بات الضمير عملة نادرة يصعب استخدامها وتداولها فالمصلحة الشخصية لها الكلمة العليا، بعد أن أصبح الجميع ينظر لمكاسبه الشخصية حتى على مستوى الدول دون النظر لمصالح الآخرين أو حجم الضرر الذى قد يتسببون فيه!
الازدواجية تظهر عندما يغيب الضمير لدرجة أنها قد تصبح جزءا لا يتجزأ من شخصيتنا كبشر وأصبحنا على حسب أهوائنا نشكل ضمائرنا.
والغريب أنه أحيانا المنحرف عن الحق الذى لا يراعى ضميره يدعى الكمال ويفرض قواعده على الآخرين، ويصبح أنانيا يلهث خلف مصلحته الخاصة ويحاول تعجيز وإحباط بقية الأصوات من حوله.
وعندما ينتصر الصوت الأعلى وتخفض الأصوات العاقلة التى تقدم مصالح الوطن على مصالحها الخاصة تكمن هنا مشكلة غياب الضمير وتظهر فقط الأعمال من خلال ما نسمعه لا من خلال ما نراه للأسف.
وعندما يغيب الضمير تستحوذ المظهرية فى السلوك على عقولنا حينما يموت فينا الضمير سيكون كل شىء مباحا لأنه حينما يموت الضمير، تموت معه الكثير من الأشياء، وتصبح الحياة بلا لون أو معنى وكل الانحرافات مباحة، ويصبح معها الإنسان فى هذه الحالة مُجرد هيكل جامد، فارغ، صداهُ فى داخلهِ فقط الحقيقة أننا لا نعلم هل الحياة بتطوراتها هى من تفرض على الإنسان هذا، أم الحاجة هى التى تدفعه، أم بات من تلقاء نفسهِ يمشى عكس التيار، ولا يُعطى للحياة مقامُها الذى لا بدّ أن تكون فيهِ، ليكون هو فيها. لو نظرنا نظرة خاطفة للأحداث الحاصلة حولنا بمُجملها بدون تمييز، سنرى فيها أن الضمير الإنسانى عند موتهِ، يلعب دورهُ ببراعةٍ، ويلهّو فوق جثث الآخرين، كما نراهُ يسعىّ بشكل فعلى إلى: كلام الزور، الخيانة، التدمير، تزييف التاريخ، هدم الحقيقة، المشاكل، القتل، الحروب غير المُبررة، تدمير الآخرين أو المنافسين، السلوكيات غير الأخلاقية، جميع هذه المصائب تتوالى على البشرية بسبب موت ضميره!
لذا مع الأسف بات الضمير عملة نادرة وبات الإنسان مُجرد خادم لرغباتهِ، والمصالح أصحبت هى الغالبة والمُسيطرة، والاستغلال والكذب والازدواجية بات شعار الكثيرين للوصول إلى مآربهم!
وربما قد لا تكون هذه هى الأسباب الوحيدة، فهناك الحالات النفسية الناتجة بسبب الأحداث التى تمر علينا فى الحياة، تلعب دورها فى داخل البعض وتدفعهم إلى طريق آخر غير طريقهم، يسلكونهُ عند غياب الفكر، وقد يفيقون بعد حين أو يستمرون عليها، ومع ذلك هى ليست مُرتكزات للوقوف عليها، فكل شيء فى الحياة لهُ دورهُ ومرحلتهِ وينتهى!
ولكن إن واجهت أى واحدٍ بفعلتهِ التى لا تمت للإنسانية بصّلة، تراهُ يبرر تصرفهِ بأن الدنيا تغيرت، والزمان لم يعد ذاك الزمان، والإنسان تغير!
ولكنها ليست مُبررات مُقنعة للسير عكس التيار، هذه جميعها لا تُعطى الحق لأيًا كان أن يُمارس عجرفتهِ على الآخرين!
لكل إنسان عقل يُفكر وقدرة تعمل وتُميز بين النصفين، وهذا الضمير هو أنتَ الآخر الذى يُحاورك ويتحدث معك ويُقيمك ويُرشدك إلى الصواب حينما تفتح أذنيك وقلبك لهُ، وعكس ذلك فأنت ضائع فى دروب الحياة بدونهِ.