
محمود عبد الكريم
الاستعمار الجديد
هل انتهى الاستعمار القديم من بلادنا ومن منطقتنا العربية؟
منذ مطلع الثمانينيات وانتهاء الحرب الباردة بين القطبين ومنطقتنا العربية تعانى من عدم الاستقرار السياسي. فما أن تخرج من أزمة كبرى حتى تدخل فى أخرى جديدة ويؤكد الباحث فى العلاقات الدولية جوزيف ناى بأن قوة الولايات المتحدة تعتمد أكثر فأكثر على «القوة الناعمة» والتى تأتى من الهيمنة الثقافية بدلاً من القوة العسكرية أو الاقتصادية الخام، وهذا يشمل عوامل مثل الرغبة الواسعة فى الهجرة إلى الولايات المتحدة والمكانة والنسبة العالية المقابلة للطلاب الأجانب فى الجامعات الأمريكية وانتشار أنماط الموسيقى الشعبية والسينما الأمريكية، البعض يدعى أن عدم الاستقرار فى العالم العربى هو من نتاج الفقر والبطالة والاستبداد، وهى أسباب طبيعية ومنطقية لعدم الاستقرار والقلاقل ليس فى منطقتنا فقط، بل وفى مناطق أخرى من العالم.
وعلى مر التاريخ أيضاً أدركت الكثير من القوى الأوروبية أهمية السيطرة عليها، سواء عن طريق مباشر أو غير مباشر، وهكذا كانت هدفاً دائماً للهجمات الاستعمارية الغربية الممنهجة. وما يحدث فى منطقتنا الآن هو استمرار لتك الهجمات الاستعمارية التى شهدها العالم العربى منذ القرون الوسطى وحتى العصر الحديث.
إن ما حدث فى المنطقة العربية لم يحدث صدفة، وليس نتاجاً لعوامل داخلية بحتة أو صراع على السلطة أو صراع إيديولوجيات، كما يعتقد البعض، أو ثورة ضد الفقر والاستبداد فقط.
فمن المؤكد أن العوامل الداخلية لعبت دوراً مؤثراً فى تجييش الشعوب ضد عدد من الأنظمة، ولكنها لم تكن وحدها التى دفعت للاضطرابات الداخلية، وأوقعت الدول العربية فى خلافات وحروب مع جوارها الإقليمي، فالمتغيرات الاقتصادية والتنافس الأجنبى على المنطقة دفع بالمنطقة ككل إلى أتون الحروب والنزاعات الإقليمية وخلف وراءه العديد من الآثار الداخلية والخارجية.
فلا غرابة أن تصبح المنطقة العربية فى العقود الماضية أكبر مصدر للأفكار والأيديولوجيات المتطرفة، وأكثر المناطق توتراً فى العالم وأكثر مناطق العالم دفعاً بالهجرات إلى الخارج.
وكل ذلك لم يحدث لأن المنطقة العربية فقدت فجأة روح التعايش بين أطياف المجتمع الواحد، أو أصبحت أكثر تديناً عن ذى قبل، بل حدث لأن المنطقة العربية باتت كالبقعة المكشوفة غير المحصنة والقابلة للاشتعال.
وبما أن كل مسوغات الخلاف والنزاعات متوفرة، فقد أصبحت مسرحاً لكل أنواع حروب العصر؛ فما أن ينطفئ فتيل نزاع حتى يشتعل آخر، وما أن تنطفئ حرب حتى تنشب أخرى. وفى هذه الحروب والنزاعات تتدخل فيها القوى الخارجية تمويلا وتخطيطا، تارة تحت غطاء إطفاء فتيل الحرب، وتارة أخرى تحت غطاء الوقوف مع طرف ضد طرف.
لقد شهد العالم منذ الألفية الثالثة حقبة جديدة من المتغيرات الفكرية احتل العالم العربى فى أجندتها الصدارة. وأعطت تلك المتغيرات الفكرية المجال لأطراف خارجية عدة فرصة فى التدخل، إما لإشعال النزاعات، وإما لاستغلالها لتنفيذ أجندة طالما كانت تمناها. ومما ساعد فى زيادة اشتعالها وجود أطراف داخلية مستفيدة.
وهناك دول بعينها فى المنطقة أدركت بأنها إذا لم تتحرك سريعاً فقد يفوتها جزء من الكعكة، كان لها دور كبير فى إشعال نار الخلافات فى العالم العربي. ففى مناطق متعددة لعبت هذه الدول دوراً بارزاً فى صب الزيت على النار.
وعلى الرغم من العلاقات التاريخية الموجودة منذ القدم بين بعض هذه الدول الإقليمية وبين العالم العربي، إلا أن هذه الدول لم تتوان فى الاستفادة من كل نزاع عربي. بينما لم يفد العالم العربى من كل المقومات التى تجمع شعوبه فى أن يكون قوة كبرى، أو حتى الوقوف صفاً واحداً ضد كل حملات التفرقة والتشرذم الممول من الخارج.