الإثنين 26 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
نفحات من هجرة المصطفى ﷺ

نفحات من هجرة المصطفى ﷺ

عزيزة هى الذكرى عندما تغير وجه التاريخ وعندما تكون نبراسًا ينير للعالمين الطريق.. هذا هو المصطفى صلى الله عليه وسلم  تحمل ما لم يتحمله بشر من أجل نشر دعوة الحق وإخراج الناس من الظلمات إلى النور.. رغم كل هذا العناء وهذا الشقاء لم يتراجع عن دعوته التى كانت عبارة عن نور من الله اختار المصطفى الكريم أن يحمل أعظم رسالة من السماء إلى أهل الأرض. 



حاربته قريش واشتد إيذاؤهم لصحابته رضى الله عنهم لكى يعودوا ويرجعوا عن هذه الدعوة فما كان من المسلمين والصحابة الأوائل إلا أنهم باعوا الدنيا ومن فيها من أجل كلمة التوحيد. 

خرج صلى الله عليه وسلم وهم حول داره فى مكة وتلى قوله تعالى «وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ».. وقف الرسول الكريم على شعاب مكة  لكى يضرب للعالم ولكل البشر مثلًا رائعًا فى محبة الأوطان مهما كانت الأوطان قاسية ووقف يقول: والله يا مكة إنك أحب بلاد الله إلى الله وإلى قلبى ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت وذرفت عيناه بالدموع.. رغم قسوة قريش  ومحاربتهم للنبى لم يدع يومًا عليهم ولم يذكرهم بسوء وهنا تتجلى معانى الرحمة والإنسانية التى كانت أحد أركان الدعوة الإسلامية. 

وهنا يحضرنى حديث فى هذه المناسبة للدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء، وهو أفضل من يتحدث عن الهجرة النبوية فيقول: لقد أعطت الهجرة النبوية المباركة، دروسًا عميقة ودقيقة فى قيام الدولة الإسلامية على قواعد راسخة، منها توثيق الصلة بالله من خلال بناء المسجد فى المدينة، وتوثيق الصلة بين المسلمين مع بعضهم البعض، فكانت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وضرورة التعايش السلمى بين المسلمين وغيرهم من ساكنى المدينة المنورة من اليهود وأصحاب الديانات الأخرى، فكانت وثيقة المدينة لتحقيق الأمن الداخلى، وتوحيد الجبهة الداخلية فى مجتمع المدينة، فيما عرف بعد ذلك بأول وثيقة عرفتها الإنسانية لحقوق الإنسان، وتنص هذه الوثيقة على أن جميع المواطنين متساوون فى الحقوق والواجبات، فكانت تلك الوثيقة ترسيخًا لمعنى ومبدأ المواطنة الحقيقية، والأساس فى بناء الوحدة الوطنية بمفهومها الصحيح.

وأشار إلى أن ذكرى الهجرة كلما أشرق نورها، وجب على المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها، أن يستلهموا منها العبر والدروس، ونشر القيم الحميدة فى المجتمع، مثل الإيثار والشجاعة والانتماء والولاء وحب الأوطان، وإتقان العمل والمحبة، حتى تنهض الأمة برسالتها، موضحًا أنه إذا كانت الهجرة قد سعد بها المسلمون الأوائل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن المسلمين فى عصرنا الحاضر عليهم الاقتداء بأسلافهم، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» فالذى فاتته الهجرة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، عليه أن يهاجر من الحقد والحسد إلى حب الخير، وأن يهاجر من الذنوب والمعاصى إلى طاعة الله والعمل الصالح، ومن حب النفس إلى الإحساس بالآخرين، حتى يعيش الجميع فى خير وسعادة ونماء.

وأكد أن من الدروس المستفادة من الهجرة، حسن التخطيط لأى عمل يقوم به الإنسان فى حياته، سواء كان هذا العمل صغيرًا أو كبيرًا، حتى يصل إلى الهدف الذى يصبو إليه، فقد أحسن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ التخطيط واتخذ جميع الأسباب التى أوصلته فى النهاية إلى غايته والوصول إلى المدينة المنورة بسلام وأمان، وذلك من خلال الاستعداد المسبق للهجرة، فقد درب أصحابه على أسلوب الهجرة من مكة، حينما أمرهم بالهجرة الأولى إلى الحبشة، كما أحسن التخطيط أيضا حينما وزع الأدوار، فأبوبكر الصديق كان الصاحب للرسول صلى الله عليه وسلم فى هذه الرحلة، وعلى بن أبى طالب ينام فى فراشه ويتغطى ببردته ليلة الهجرة كنوع من التمويه على المشركين، ويقوم على بن أبى طالب بعد ذلك برد الأمانات التى كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهلها، كما قامت أسماء بنت أبى بكر الصديق بحمل الطعام له ولأبيها حينما مكثا فى غار ثور، قبل الانطلاق إلى المدينة، واتخذ الرسول صلى الله عليه سلم عبدالله بن أريقط دليلًا له فى طريق الهجرة وهو غير مسلم، وفى هذا دليل على أنه تجوز الاستعانة والاستفادة بغير المسلمين الذين لديهم خبرة، فى الأمور إلى تتحقق فيها الفائدة للإسلام والمسلمين، فما أحوجنا إلى أن نتعلم ونستفيد من دروس الهجرة فى حياتنا، لتنهض الأمة من كبوتها، ويتحقق فيها قول الله تعالى «:كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله».. كل عام وأنتم بخير..

تحيا مصر