الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

7 أزمات داخلية لا تستطيع حكومة أبى أحمد التعامل معها

خريطة الصراع فى إثيوبيا دولة «تأكل» نفسها

فى نهاية مايو الماضى، وخلال جلسة استماع للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى، عن الأزمة فى إثيوبيا، توقف المشاركون أمام دائرة العنف الطائفى والإثنى فى منطقة تيجراى ومناطق أخرى بإثيوبيا، واعتبر رئيس لجنة العلاقات الخارجية السيناتور روبرت مينينديز أن الحرب فى تيجراى، والعنف، وانعدام الأمن، وغياب الإجراءات السياسية، تؤدى إلى احتمال أن تكون إثيوبيا على «مسار نحو انهيار الدولة».  وفى نفس السياق، أشار السيناتور جيم ريش وهو جمهورى وزعيم الأقلية باللجنة إلى أن الحرب فى تيجراى تشكل تهديدًا ليس فقط لمستقبل الدولة الإثيوبية والمنطقة الأوسع، ولكن أيضًا للمصالح الاقتصادية والأمنية الاستراتيجية للولايات المتحدة، وتزيد من عدم الاستقرار المتصاعد فى القرن الإفريقى.. وأوصى المشاركون بضرورة استجابة الولايات المتحدة والمجتمع الدولى مع الوضع الداخلى فى إثيوبيا بنقل رسالة واضحة بأنه «لا تسامح مع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والعنف العرقى بإثيوبيا».



 

رغم ذلك خرجت عشرات الرسائل من الولايات المتحدة ومن المجتمع الدولى التى تدين بشكل قاطع جرائم الحرب فى إثيوبيا، والأزمة الإنسانية فى إقليم تيجراى وباقى المناطق التى تشهد صراعا مسلحا مع القوات الفيدرالية هناك، بل زادت واشنطن بفرض عقوبات اقتصادية على أديس أبابا جراء الوضع المأساوى بتيجراى دون جدوى.

 

جبهات جديدة للحرب الأهلية

التطورات المتلاحقة فى إثيوبيا تزيد الوضع الداخلى سوءا، بداية من تراجع الحكومة الإثيوبية عن قرار وقف إطلاق النار فى إقليم تيجراى ودعوة أبى أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي بالمشاركة فى القتال ضد «جبهة تحرير تيجراى». 

فى المقابل امتدت جبهات الصراع والحرب الأهلية الداخلية لأقاليم ومناطق أخرى فى الداخل الإثيوبى فإلى جانب تيجراى يشهد إقليمى أمهرة وعفر مواجهات عسكرية مع القوات الفيدرالية، وبدلا من أن تقوم الحكومة لاحتواء جبهات المعارضة والتمرد الداخلى، تزيد من حالة الانقسام والفتنة الداخلية بحشد داخلى ضد جبهة تجراى.

وفى نفس الوقت تستخدم حكومة أبى أحمد سلاح التجويع لأهالى تيجراى، حيث رفضت الحكومة الإثيوبية دعوات المنظمات وهيئات الإغاثة الغربية، فتح أى ممرات للمساعدات الإنسانية إلى إقليم «تجراى» عبر الحدود السودانية، معتبرة أن هذه المطالب غير منطقية، وأكدت أديس أبابا أن الممر الوحيد لإدخال المساعدات سيكون عبر إقليم عفر الإثيوبى ودولة جيبوتى، رغم أن معظم سكان تيجراى يحتاجون لمساعدات طارئة.

الحرب العرقية الداخلية فى إثيوبيا، امتد تأثيرها لمنطقة القرن الإفريقى، خصوصا بعد رفض الحكومة الإثيوبية المبادرة السودانية التى طرحها رئيس الوزراء السودانى عبد الله حمدوك بدعم أمريكى  للتدخل لحل الأزمة بين جبهة تحرير تيجراى وحكومة أبى أحمد، الموقف الذى دفع الخرطوم لسحب سفيرها من أديس أبابا للتشاور عدة أيام، قبل أن تعيده مرة أخرى لأديس أبابا.

المشهد الداخلى الحالى فى إثيوبيا، هو صورة لعدة أزمات داخلية تسيطر على مختلف الأقاليم، ولم تستطع حكومة أبى أحمد التعامل معها، بل تزيد سياسات الحكومة من خطورتها على الأوضاع الداخلية.. هذه الأزمات يمكن تحديدها فى النقاط التالية:

اتساع دائرة العنف

واقعيا لم يعد رئيس الوزراء الإثيوبى أبى أحمد، ذلك الشخص الذى اتجهت له الإنظار وقت تولية رئاسة الحكومة فى مارس 2018 كمنقذ لبلاده بعد موجة واسعة من المظاهرات والاحتجاجات من عرقية الأورومو، فمنذ تنصيب آبى أحمد تشهد إثيوبيا موجات من أعمال العنف والصراعات السياسية والعرقية وعمليات النزوح واللجوء بشكل واسع النطاق، على نحو تسبب فى تزايد عدد من يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية بصورة عاجلة إلى 16 مليون إثيوبى.

وفقًا للإحصائيات التى تم رصدتها دراسة لمركز الأهرام للدراسات السياسية، بلغ عدد أحداث العنف فى إثيوبيا خلال الفترة من أبريل 2018 إلى يوليو 2021 نحو 1628 حادثة، والتى أسفرت عن مقتل نحو 13 ألف شخص فى أنحاء البلاد، وهناك العديد من المناطق التى تشهد موجات من العنف مثل أوروميا وبنى شنقول- جوموز وأمهرة وتيجراى والإقليم الصومالى وعفار والمناطق الجنوبية مثل ولايتا وغيرها. 

كما شهدت الساحة الإثيوبية تصاعدًا لعدد من الحركات المسلحة فى بعض المناطق مثل جيش تحرير أورومو الذى صنفته الحكومة الفيدرالية كتنظيم إرهابى، وحركة تحرير مورو الإسلامية.

النزاعات العرقية

تتزايد دائرة التوترات العرقية فى كثير من المناطق الإثيوبية مثل أوروميا وتيجراى وبنى شنقول والعفر والإقليم الصومالى الإثيوبى وأمهرة، والأصعب فى ذلك أن من يتورط فى تلك المواجهات السكان المحليون والميلشيات المسلحة فى تلك الأقاليم، ما يتسبب فى سقوط عشرات القتلى ونزوح الآلاف، الأمر الذى يفاقم التوترات السياسية والأزمات الإنسانية فى البلاد بسبب الحاجة إلى المياه والغذاء والمأوى والرعاية الصحية.

ولعل أبرز تلك الوقائع كانت حادثة مقتل مغنى الأورومو هاتشالو هونديسا - وهو أيقونة شعبية بين شباب قومية أورومو- فى يونيو 2020، وما أعقبها من موجة الاحتجاجات التى اندلعت فى الإقليم ضد سياسات النظام الإثيوبى، لتبدأ سلسلة من أعمال العنف العرقية، حيث دار قتال بين جبهة تحرير أورومو والقوات الحكومية الإثيوبية، بجانب بعض الاجراءات التعسفية التى أشعلت الوضع أكثر مثل قتل 178 شخص، واعتقال 9000 آخرين منهم بعض قيادات أورومو.

نفس الشىء فى حرب القوات الحكومية مع جبهة تحرير تيجراى فى إقليم تيجراى، والاتهامات التى لاحقتها بجريمة التطهير العرقى ضد قومية تيجراى.

الحرب فى تيجراى

خسائر كثيرة تعرضت لها حكومة أبى أحمد فى إقليم تيجراى، الذى خرج عن السيطرة منذ نوفمبر 2020، فعلى الأرض خسرت القوات الفيدرالية أمام جبهة تحرير تيجراى فى الفترة الأخيرة، للحد الذى قامت فيه بأسر نحو 7 آلاف من القوات الحكومية هناك فى مشهد أفقد الحكومة الإثيوبية الكثير من الخسائر الداخلية والخارجية، وزيادة الشكوك حول قدرات الجيش الإثيوبى فى التعامل مع الوضع الأمنى الداخلي.

ونجاح جبهة تحرير تيجراى فى هزيمة القوات الحكومية، منح الفرصة للأقاليم المجاورة من تصعيد مواجهاتها مع النظام الإثيوبى، وهو ما ظهر مؤخرا فى انتقال جبهات الحرب الداخلية لإقليمى الأمهرة وعفر.

وإلى جانب ذلك تواجه حكومة أبى أحمد اتهامات مستمرة بانتهاك حقوق الإنسان فى تيجراى بسبب زيادة الوضع الإنسانى هناك، وفقًا لتقديرات برنامج الأغذية العالمى التابع للأمم المتحدة، أنّ 5.2 مليون شخص، أو 91٪ من سكان تيجراى، يحتاجون إلى مساعدات غذائية طارئة.

الصراعات الحدودية

والصراع الحدودى هنا ليس مع دول الجوار فقط، لكنه صراعات حدودية داخلية بين الأقاليم الإثيوبية المختلفة، فإلى جانب أزمة التوتر الحدودى بين السودان وإثيوبيا والتى اشتعلت فى الأشهر الأخيرة، هناك صراعات حدودية بين الأقاليم الإثيوبية تسببت فى سقوط عشرات القتلى، منها النزاع بين ولايتى عفار والصومال الإثيوبى، وهو ما دفع المجلس الانتخابى الوطنى الإثيوبى لإلغاء إجراء الانتخابات فى 30 مركز اقتراع بالمنطقة بالانتخابات الأخيرة.

هذا بجانب نزاعات بين إقليم أمهرة وتيجراى،  ونزاع تاريخى بين إقليمى أوروميا والإقليم الصومالى الإثيوبى على الموارد والأراضى ، ونزاع آخر على الموارد والأراضى الزراعية بين منطقة هرارى والصومال الإثيوبى.

ميليشيات مسلحة فى الأقاليم

مع هذه التطورات الداخلية وفقدان الحكومة الفيدرالية السيطرة على الأقاليم العشرة، تواجه الحكومة تحديًا آخر وهو تعدد التنظيمات المسلحة، والميليشيات التى تحمل السلاح، وتمتلك قدرات تشكل تهديدًا واضحًا للحكومة فى حالة اندلاع صراع بين الحكومة المركزية وإدارات الأقاليم، وهو ما بدى فى صراع تيجراى مع جبهة تحرير تيجراى.

وفى هذا الإطار تبرز بعض الحركات المسلحة فى البلاد مثل جبهة تحرير تيجراى وجيش تحرير أورومو، وحركة تحرير مورو الإسلامية، وعلى سبيل المثال، تقدر أعداد تلك القوات فى أوروميا بحوالى 30 ألف مقاتل.

وعلى الجانب الآخر أطلق بعض المسئولين الحكوميين مثل ديميكى ميكونن، نائب رئيس الوزراء، دعوة إلى تسليح المدنيين بالتزامن مع تصاعد التوترات السياسية والحركات المسلحة، وهو ما يمثل أرضًا خصبة لاندلاع حرب أهلية فى البلاد.

التهميش السياسى

نفس الشىء على المستوى السياسى الداخلى، تعيش إثيوبيا حالة من الاستقطاب والإقصاء الحزبى للقوى السياسية الأساسية، حيث تعمدت الحكومة إقصاء القوى السياسية، وحاول التخلص من بعضها مثل جبهة تحرير تيجراى، وقام باعتقال عدد من رموز المعارضة السياسية فى البلاد مثل قادة أورومو، فضلًا عن التضييق على بعض الأحزاب السياسية ذات التوجه الفيدرالى مثل جبهة تحرير أورومو ومؤتمر أورومو الفيدرالى اللذين قررا عدم خوض الانتخابات الأخيرة فى أوروميا.. وتحولت هذه الأحزاب والقوى لخصوم لآبى أحمد فى الداخل.

فى نفس الوقت يشهد الاقتصاد الإثيوبى تراجعا لأسباب كثيرة أهمها عدم الاستقرار السياسى والأمنى فى البلاد، التى عطلت الاقتصاد الدولى وأدت لتراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية، فقد تزايد إجمالى الدين العام الإثيوبى من 13.7 مليار دولار فى عام 2011، إلى 54.7 مليار دولار فى عام 2020.

حق تقرير المصير والانفصال

مع كل هذه التطورات الداخلية، لم تستطع حكومة أبى أحمد، خلال الثلاث سنوات الأخيرة فى التعامل مع أزمة التعددية العرقية بإثيوبيا والتى تضم أكثر من 100 مجموعة عرقية، بل المشهد الحالى هو تدهور العلاقات بين معظم الأقاليم الإثيوبية، بسبب تفاقم الخلافات الحدودية بينها والصراعات على الموارد الطبيعية والأراضى والمياه والغذاء.

لكن التحدى الأكثر خطورة، هو مطالب بعض الأقاليم باستخدام المادة 39 من الدستور الفيدرالى الإثيوبى والتى تمنح الأقاليم والقوميات الحق فى الحكم الذاتى والانفصال فى بعض الأحيان، وهو ما ظهر مؤخرا فى إقليم تيجراى بعد الحرب الأخيرة، وفى الجنوب صوت مجلس قومية «ولايتا» بالموافقة على الحكم الذاتى وطلب تقرير المصير، خاصة بعد نجاح قومية سيداما فى إقامة إقليمها الذاتى.

ومع اتساع دائرة الحرب الداخلية، وتلويح القوميات الأساسية بحق تقرير المصير ما يهدد بتفكك الدولة الإثيوبية إلى دويلات صغيرة، واشتعال ما يسمى حرب الكل ضد الكل فى الداخل، ويجعل مستقبل الدولة الإثيوبية غامضًا.