الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 68

لغة الجينات 68

أخطر ما يواجهنا فى حياتنا هو غياب أو تغييب الضمير.. الضمير فى الظاهر هو قدرة الإنسان على التمييز بين الصواب والخطأ.. الحق والباطل.. وحتى الحرام والحلال.. وفى الباطن الضمير نور وضعه الله فى فطرة أصحاب الجينات الأصلية مؤشر ودليل وبوصلة اتولدوا بها وهدتهم إلى الحقائق.



«تغييب الضمير» دليل واضح على الخسة والوضاعة، أبرز صفات أصحاب الجينات الخبيثة ممن ملأت قلوبهم الأحقاد والغيرة وفقدوا إنسانيتهم وأصبحوا يعيشون بلا كرامة من أجل مكاسب زائلة.

«أصحاب الجينات الخبيثة» أدمنوا عملية تغييب الضمير.. فى الظاهر تخيلوا أن الكل مثلهم يعيش بلا ضمير.. يكذب، لدرجة أن الأكاذيب التى يرددونها اقتربت من أن تكون حقائق، تخيلوا أن الكذب مريح والصراحة مؤلمة.. وفى الباطن أنفسهم المريضة تشقى.. تبحث عن الراحة الحقيقية.. راحة النفس، الشىء الذى فقدوه للأبد.. فراحة النفس مرتبطة براحة الضمير.

«أصحاب الجينات الخبيثة ممن فقدوا ضمائرهم ..فى الظاهر يتصورون أن الحياة أفضل وأسهل بلا ضمير، وفى الباطن «تغييب الضمير» حول حتى أحلامهم إلى كوابيس، حياتهم باتت سلسلة من القلق.. التوتر.. وشعور دائم بعدم الأمان.

«تغييب الضمير» حالة تتجسد فى قصة قديمة جدا..قصة إنشاء «الادارة العامة لشئون الزير»

الحكاية بتقول أن ملك كان بيتفقد الرعية وفى قرية من القرى وجد الناس يشربون من الترعة مباشرة.. فقال للحاشية: أبقوا شوفولهم أى حاجة ولو حتى زير يشربوا منه.. «ميصحش كده» ومضى ليكمل باقى جولته.

فى الظاهر.. كبير الوزراء تحرك فورا وأمر بشراء «زير» ووضعه على شاطئ الترعة ليشرب منه الناس.. وفى الباطن بدأت الحاشية لعبت «تغييب الضمير» ومحاولة الاستفادة من الموقف سريعا.. وصل «الزير» مكانه فطلع واحد من أصحاب الجينات الخبيثة وقال: بس كده الزير ده يبقى أموال عامة وعهدة حكومية.. لازم نعين «خفير» لحراسته.. ولازم تعيين « سقا» ليملأه كل يوم.. ومش معقول خفير واحد ولا سقا واحد هايشتغل طول الأسبوع.. فى الظاهر الرجل يحافظ على ممتلكات الناس وفى الباطن يضع أو بذرة فساد فى المشروع.

تم تعيين 6 خفراء وستة سقايين للعمل بنظام الورديات لحراسة وملء الزير.. ثم نهض موظف آخر من أصحاب الجينات الخبيثة وقال: الزير ده محتاج حمالة وغطاء وكوز.. فلابد من تعيين فنيين صيانة لعمل الحمالة والغطا والكوز.. وهنا ظهر موظف خبير متعمق فقال: طيب ومين اللى هايعمل كشوف المرتبات للناس دى كلها؟؟.. لابد من إنشاء إدارة حسابية وتعيين محاسبين بها ليصرف للعمال مرتباتهم.. ثم ظهر آخر يقول: طيب ومين اللى هايضمن إن الناس دى هاتشتغل بانتظام؟.. لازم حد يتابعهم ويشرف على الخفر والسقايين والفنيين.. فتم إنشاء إدارة لشئون العاملين وعمل دفاتر حضور وانصراف للموظفين والعاملين.. ثم أضاف موظف كبير آخر: طيب لو حصل أى تجاوزات او منازعات بين العمال وبعضهم مين اللى هايفصل فيها؟؟.. لذلك أرى أنه لابد من انشاء إدارة شئون قانونية للتحقيق مع المخالفين والفصل بين المتنازعين.

وبعدما تم عمل كل هذه الادارات.. جاء موظف موقر فقال: ومن يرأس كل هؤلاء الموظفين؟؟.. الأمر يتطلب ندب موظف كبير ليدير العمل.

وبعد مرور سنة.. كان الملك يمر كالعادة متفقدا أرجاء مملكته.. فوجد مبنى فخما وشاهقا مضاء بأنوار كثيرة وتعلوه يافطة كبيرة مكتوب عليها الإدارة العامة لشئون الزير.. ووجد فى المبنى غرف وقاعات اجتماعات ومكاتب كثيرة.. كما وجد رجلا مهيبا أشيب الشعر يجلس على مكتب كبير وأمامه لافتة تقول: الأستاذ مدير عام شئون الزير.. فتساءل الملك مندهشا عن سر هذا المبنى وهذه الإدارة الغريبة التى لم يسمع بها من قبل.. فأجابته الحاشية الملكية: بأن كل هذا للرعاية والعناية بشئون الزير الذى أمر به للناس فى العام الماضى!

المفاجأة إن الملك لما راح يبحث عن الزير نفسه لقاه فاضى ومكسور وجنبه خفير وسقا نايمين وجنبهم يافتة مكتوب عليها: « تبرعوا لإصلاح الزير مع تحيات الادارة العامة لشئون الزير».

«أصحاب الجينات الأصلية» لايعرفون هذا النوع من عدم الضمير.. لديهم قدرة كبيرة على المعرفة والتمييز فيما إذا كانت أعمالهم خطأ أم صوابًا ومعرفة الحق من الباطل، يشعرون بالندم الشديد عندما يفعلون أمورا مخالفة لأخلاقهم ومبادئهم.

الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور والذى مر 40 عاما على رحيله.. واحد من اصحاب الجينات الأصلية المخلصين لنور ضمائرهم.. فمنذ البداية تمسك بقيمه ومبادئه حتى لو تخلى عنه الجميع ودفع حياته ثمنا لهذه المبادئ.

صلاح عبدالصبور فى الظاهر شاعر كبير وأحد أهم مجددى القصيدة العربية.. قادر على تحويل شعره إلى نصوص مسرحية شهيرة كمأساة الحلاج.. وفى الباطن ثائر تعرض لكل أنواع التغييب المتعمد منذ قصيدته الاكثر شهرة فى البدايات «هل عاد ذو الوجه الكئيب» والتى كتبها فى الخمسينيات وتعرض بسببها لأنواع عدة من النكيل.

«صلاح عبدالصبور» فى الظاهر امتلك السلطة والنفوذ عندما تولى فى بداية الثمانينات منصب رئيس هيئة الكتاب.. وفى الباطن ضميره الحى لم يتحمل الاتهامات التى كالها له المثقفين وتعرض بعد انقادات حادة فى سهرة ثقافية الى نوبة قلبية حادة أودت بحياته. فى الظاهر من انتقدوا صلاح عبدالصبور رفعوا شعارات تخليه عن ضميره الوطنى ومبادئه من أجل الفلوس.. واتهموه بأنه يتحايل من خلال منصب رئيس مجلس إدارة هيئة الكتاب، طمعًا فى الحصول على المكاسب المالية، متناسيا واجبه الوطنى والقومى فى التصدى للخطر الإسرائيلى الذى يسعى للتطبيع الثقافى، وأنه يتحايل بنشر كتب عديمة الفائدة.. لئلا يعرض نفسه للمساءلة السياسية... وفى الباطن كان الجميع يضغط على أعصاب الرجل للنهاية فلم يتحمل وسقط مغشيا عليه فى السهرة المشئومة.. نقلوه للمستشفى لكنه كان قد فارق الحياة معلنا انتصار مبادئه وضميره الحى الذى لايقبل الإهانة أو المساومة. انتصر دائما لضميرك وأعلم ان رضا الضمير صعب وفى اللحظات التى يُخيل إليك أن ضميرك رضى عنك لا يكون فى الحقيقة قد رضى وانما يكون قد مات ..فلا تبحث ابدا عن قيمتك فى أعين الناس ...ابحث عنها فى ضميرك فإذا ارتاح الضمير ارتفع المقام.. وإذا عرفت نفسك فلا يضرك ما قيل فيك!