السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
نصر أكتوبر العظيم

نصر أكتوبر العظيم

يهل علينا شهر أكتوبر من كل عام فيحمل معه ذكريات النصر مع نسمات وروائح معطرة بالمسك تفوح من دماء شهدائنا الأبرار.. كنت من سعداء الحظ أن تتلمذت فى الجامعة على أيدى علماء عظام.. هؤلاء الرجال الذين لهم فضل كبير علينا بعد الله عز وجل، من هؤلاء العلماء فضيلة الأستاذ الدكتور منيع عبدالحليم  محمود عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر الشريف منذ عشرين عامًا مضت.. كنت أذهب إليه فى مكتبه العتيق بالكلية فيقف مرحبًا بشخصى الضعيف قائلًا: أهلًا بالأستاذ أبوالريش هذا الرجل له فى عنقى الكثير من الأفضال التى لا تحصى ولا تعد رحمة الله عليه فقد كان من العلماء الأتقياء الأنقياء الرواسي كالجبال فى العلم والمعرفة وأيضًا فى الأدب والتواضع مع خلق الله صغيرًا كان أم كبيرًا. 



أتذكر كنا فى شهر أكتوبر وأجريت معه حوارًا صحفيًا تحدثنا فيه بالتفصيل عن دور والده الإمام الأكبر شيخ الأزهر عبدالحليم محمود وقت قيام حرب أكتوبر عام 1973 والقصة الحقيقية المشهورة لرؤية شيخ الأزهر فى منامه نصر أكتوبر. 

يقول الدكتور منيع فى هذه الرؤية: إن مندوبا من رئاسة الجمهورية أرسله الرئيس الراحل محمد أنور السادات لكى يلتقى رئيس الجمهورية فى أمر مهم وأعطى المندوب الموعد المحدد للإمام عبدالحليم محمود وذهب الشيخ فى الموعد وجلس مع الرئيس السادات ما يقرب من ساعة على الأقل وكان حديثًا لم يحضره أحد غيرهما.. بعدها رجع الإمام إلى منزله وكأن من عادته أن يصلى الفجر حاضرًا طوال أيام الأسبوع بعدها يقرأ ما شاء له من كتاب الله عز وجل ثم يصلى على النبى حتى تشرق الشمس بعدها يستعد للنزول إلى مكتبه.. ولكن حدثت تغيرات على هذا النظام الذى كان يداوم عليه الإمام لسنوات طويلة فبعد رجوعه من مقابلة الرئيس السادات وتحديدًا فى ليلة المقابلة لم يغمض جفن للإمام شيخ الأزهر فقد تغيرت بعض تصرفاته فكان قليل الكلام معنا على غير عادته كنا ننظر إليه فنشعر بأنه يحمل جبلًا على كتفيه يرجع من مكتبه فى مقر المشيخة يستريح قليلًا ويتحدث معنا وقتًا قصيرًا ثم يغلق عليه حجرته يصلى العشاء ويطالع بعض الأوراق الخاصة بالأزهر بعدها يجلس للذكر والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم ثم يبدأ فى قيام الليل بعد ركعات كثيرة وسجود طويل ثم يأخذ سنة من النوم قبل أذان الفجر. 

يقول المغفور له الدكتور منيع عبدالحليم محمود: ظل والدى على هذه الحال لمدة ثلاث ليالٍ متواصلة وفى صبيحة الليلة الثالثة رأيناه فى الصباح كأن وجهه كالبدر رضى الله عنه، بعدها حكى الإمام الراحل القصة كاملة عندما ذهب للقاء الرئيس السادات وأخبره بموعد حرب أكتوبر وطلب منه المشورة والرأى فى أمر اتخاذ قرار الحرب وذهب الإمام بعد ثلاثة أيام من المقابلة وبعد الاستخارة طوال هذه الأيام الثلاثة وقد رأى فى آخر ليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه بعض الجند من صحابته رضوان الله عليهم يعبرون قناة السويس مرددين صيحة  «الله أكبر.. الله أكبر»  وكان نصر أكتوبر العاشر من رمضان. 

الإمام الراحل شيخ الأزهر الأسبق الدكتور عبدالحليم محمود- رحمه الله- العالم والإمام المجدد الزاهد الذى تمر ذكرى وفاته يوم ١٧ من هذا الشهر. 

ولد فى عزبة أبوأحمد بقرية السلام بمركز بلبيس بمحافظة الشرقية فى الثانى من جمادى الأولى عام 1328هجرية الموافق 12من مايو عام 1910ميلادية، ونشأ فى أسرة مشهود لها بالتقوى والصلاح والعلم، التحق بالأزهر عام 1923ميلادية وحصل على شهادة العالمية منه عام 1932، ثم سافر إلى فرنسا على نفقته الخاصة لاستكمال تعليمه، وبالفعل حصل على درجة الدكتوراه فى الفلسفة الإسلامية، ثم عاد إلى مصر وعين مدرسًا بكلية اللغة العربية بالأزهر ثم أصبح عميدًا لكلية أصول الدين، ثم أمينًا عامًا لمجمع البحوث الإسلامية، ثم وكيلًا للأزهر ثم وزيرًا للأوقاف وشئون الأزهر، وقد ترك الإمام الراحل ذكرى طيبة فى قلوب الناس فى الداخل والخارج، وأكثر من 60 مؤلفًا فى التصوف والفلسفة، بعضها بالفرنسية، منها: أوروبا والإسلام، والتوحيد الخالص والإسلام والعقل، وأسرار العبادات فى الإسلام، والتفكير الفلسفى فى الإسلام، والقرآن والنبى، والمدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها، وفى 17أكتوبر من عام 1978 ميلادية انتقل إلى رحمة ربه بعد أن ملأ الدنيا علمًا ونورًا.

وعن دوره الوطنى يقول الدكتور أحمد عمر هاشم: إن فضيلة الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الأزهر فى عام1973 كان مهتمًا بإسهام الأزهريين فى معركة العاشر من رمضان، وأنه استعان فى هذا الصدد بأساتذة جامعة الأزهر ورجال الدعوة لتعبئة الروح المعنوية لأبناء قواتنا المسلحة.. رحم الله شهداء مصر من رجال القوات المسلحة ورجال الشرطة البواسل إلى يومنا هذا ورحم الله الرئيس السادات والإمام الأكبر عبدالحليم محمود. تحيا مصر