السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 80

لغة الجينات 80

العواطف القائمة على الأنانية، أخطر ما يواجهنا، منها تخرج الغوغائية التى يخشاها الجميع، يشعر أمامها بالضعف، يستجيب لها أو يدعمها فتظهر «ديكتاتورية الغوغاء» التى وقودها العواطف وعدوها العقل.



«الغوغاء« ممن تتحكم فيهم العواطف «الحب والكره» لا العقل والموضوعية، يملكون عن جدارة أسوأ غرائز الإنسان، جينات خبيثة، تحركهم الرذائل..  الاندفاع، الانغماس الذاتى، الابتذال، الغرور، التباهى، الهياج، والحسد.

«الغوغاء» فى الظاهر مجموعة فوضوية عددها كبير وصوتها عالٍ.. قوة كبيرة فغالبًا يعملون كأكثرية، متحدون ويعملون بواسطة دافع مشترك أو مصلحة يبتغون الحصول عليها.. وفى الباطن هم من ذوى الذمم الخربة، سفهاء، رعاع، الأذى ولصق التهم حرفتهم الأصلية الأصيلة.

«الغوغاء» يسعى من يحركونهم ويمتلكون أمرهم فى الظاهر إلى مكاسب ومغانم آنية لأنفسهم وللغوغاء، يخلقون منهم قوة ضغط، عصا غليظة جاهزة للبطش بكل من يفكر أو يخالفهم الرأى، ينشرون من خلالهم الفوضى والعشوائية والاستعجال والرجعية ،من خلالهم يمررون آراءهم وقراراتهم  العشوائية،، فيقومون بالدفاع عنها بشكل فوضوى غير منظّم، يخلو من المنطق والعقلانية.. وفى الباطن وبعد استنفادهم وانتهاء دورهم .. يلقون بهم فى أقرب سلة مهملات ويبحثون عن غوغاء جدد.

«صاحب الجينات الأصلية» تحكمه قوته العقلية.. تختفى من عنده الأنا.. فى الظاهر لا يسمع له كثيرون، يحاربه الغوغاء بقوة، فهو الخطر الأكبر على مشروعهم الأعظم أن تسود الغوغائية، وفى الباطن هو الحكمة والاعتدال والعدالة والشجاعة، قد يخسر كثيرًا كى يكسب نفسه ولا يخالف ضميره.. يعمل بمفرده ويؤمن أن فردًا واحدًا قادرًا على التغيير.. وأن الغوغاء لن يحبطوه وينالوا من عزيمته.

«مصطفى كامل» واحد من أصحاب الجينات الأصلية الذين تحدوا العالم من أجل مبادئهم، لم يخضع للغوغاء ويستكين فى مواجهة الإمبراطورية التى لا تغرب عنها الشمس.

«مصطفى كامل» فى الظاهر شاب ثرى درس القانون والمستقبل يفتح ذراعيه له ليضمه إلى الصفوة.. وفى الباطن وطنى مخلص يمتلك روحًا شجاعة وقلمًا جريئًا سخره للدفاع عن الفلاحين والبسطاء والتنديد بالاحتلال البريطانى فى صحف العالم وكشف جرائمه.

ففى الوقت الذى كتبت فيه الغوغاء ببعض الصحف عن اللورد كرومر أنه «مصلح مصر»  وعمر الأرض وملأ خزائن المصريين وأجرى النيل إلى ألوف الفدادين التى كانت قاحلة لا زرع فيها فجعل ترابها تبرًا وجعلها جنانًا تجرى من تحتها الأنهار .. كان مصطفى كامل يخوض أسمى وأنبل معاركه لفضح ما حدث من فظائع فى جريمة ومحاكمة الفلاحين فى دنشواى.. والتى اتخذتها بريطانيا العظمى ذريعة لتأديب الفلاحين.

فرغم أن الضابط الإنجليزى «بول» توفى فى السابعة من مساء اليوم نفسه الذى حرق فيه زملاؤه أجران القمح للفلاحين وأصابوا فلاحة وشيخ الخفر بقرية دنشواى  بأعيرة نارية، ورغم أن الطب الشرعى قال: إن الوفاة نتيجة إصابته باحتقان فى المخ من أثر ضربة الشمس التى تعرض لها بسبب مسيرته الطويلة تحت الشمس الحارقة... كان رد الفعل البريطانى قاسيًا، ومفتقرًا لكافة أوجه العدالة، فقد قدم نحو 60 قرويًا للمحاكمة بينهم 52 محبوسًا و8 هاربين، وخلال الجلسات استمعت المحكمة إلى ردود الفلاحين على الاتهامات التى وجهت إليهم، فنفوا التهمة عن أنفسهم وبعضهم قال :إنه لم يكن متواجدًا فى القرية إبان الأحداث، وآخرون أكدوا أنهم كانوا مرضى، فيما روى «محمد عبدالنبى» الفلاح الذى أصيبت زوجته فى الأحداث، أنه حاول التحفظ على الضباط لتقديمهم للمحاكمة بعدما أصابوا زوجته بطلق خرطوش وحرقوا الجرن.

ولم تستمر جلسات محاكمة المتهمين فى القضية أكثر من 3 أيام استمعت خلالها المحكمة لأقوال الشهود من الضباط الذين نجوا من الحادثة، والمترجم الذى كان يصحبهم فضلًا عن السايس الذى أرسلوه لمصاحبتهم، وملاحظ نقطة شرطة الشهداء، وعامل التليفون بالنقطة، ورغم أن شهادة بعض الضباط أكدت أن أحد القرويين المتهمين قد حماه وقدم له مياه الشرب؛ إلا أنه لم يلتفت لتلك الشهادات وغيرها، وكيفت القضية على أنها قتل عمد، وبعد الاستماع لمرافعة الدفاع، أصدرت المحكمة حكمها بإعدام  4 وجلد 5 والأشغال الشاقة المؤبدة لـ 12.

«مصطفى كامل « فى الظاهر كاتب ومناضل ..لا يحمل سيفًا ولا يركب حصانًا.. وفى الباطن امتلك روحًا تواقة للحرية والخير والعدل فاستطاع تدويل قضية استقلال مصر خارجيًا، وهز عرش بريطانيا فى مصر وفى منطقة الشرق الأوسط، وغير وجه التاريخ، وأجبر بريطانيا العظمى على إقالة اللورد كرومر والذى حكم مصر 24 سنة كاملة ...  فبعد الأحكام المجحفة التى صدرت ضد عدد كبير من المصريين، على خلفية أحداث دنشواى والتى وقعت عام 1906، قام مصطفى كامل بحملةٍ صحفيةٍ داخليةٍ وأخرى دوليةٍ وجولةٍ فى أوروبا للتشهير بمظالم الاحتلال وفضح سياسته.

وأثارت القضية الرأى العام الأوروبى حتى فى بريطانيا نفسها، فكتب الكاتب الإنجليزى الكبير جورج برنارد شو، «إذا كانت الإمبراطورية البريطانية تود أن تحكم العالم كما فعلت فى دنشواى، فلن يكون على وجه الأرض واجبٌ سياسيّ مقدسٌ وأكثر إلحاحًا من تقويض هذه الإمبراطورية وقمعها وإلحاق الهزيمة بها».

ألم أقل لكم إن شخصًا واحدًا قادرًا على إحداث تغيير شامل... ألم أقل لكم إن الغوغاء يدافعون عن مصالحهم لا أفكارهم، ومقتنعون بأنهم يمتلكون الحقيقة، ويتحركون خارج سياق القوانين كى يفرضوا آراءهم ومعتقداتهم بطريقة استبدادية.

ألم أقل لكم إن  الغوغائى قادر على إبداء الرأى فى كل شىء، ويصر بأن معرفته شاملة، ويستطيع فهم وتحليل الأحداث وتوضيحها بناء على معرفته التى غالبًا ما تكون سطحية وغير موضوعية، ويجزم بصحة رأيه وقراره بشكل قطعى ونهائى وحاسم، ولا يفسح المجال لأى نقاش أو حوار. 

احذروا الغوغاء.. فهم كما قال سيدنا على كرم الله وجهه الغوغاء.. هم الذين إذا اجتمعوا، أضروا، وإذا تفرقوا نفعوا.