الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 82

لغة الجينات 82

عمنا «صلاح جاهين»  له رباعية رائعة بتقول.. علم اللوع أضخم كتاب فى الأرض.. لكن اللى يغلط فيه يجيبه الأرض.. أما الصراحة فأمرها ساهل.. لكن لا تجلب مال ولا تصون عرض!.. الله يرحمه  لخص الحكاية ببساطة وعبقرية.



«اللوع» أبرز صفة من صفات أصحاب الجينات الخبيثة، خليط من التلاعب والكذب والإيهام والخداع.. فى الظاهر بيعجب الناس ويراضيهم يساير رغباتهم، يدغدغ مشاعرهم بكلام حلو ،يكسب ودهم يداهنهم، يرفع شعار «قلْ ما يعجب الناس، واصنعْ ما شئت»!.. وفى الباطن يبحث عن مكاسب شخصية، الاحتفاظ بعلاقة مهنية أو مالية لايستحقها ،أسلوب حياة مقزز، يحارب قيم الصدق والاستقامة والمصارحة بالصواب والواجب.

«صاحب الجينات الأصلية «لا يعرف اللوع، يقول ما يجب أن يقال حتى لو كان مرًا، يصارح حتى لو جرح، يبتغى قيمًا أسمى وأرقى من مجرد مكاسب زائلة، لا يسعى لكسب ود وحب مغلف بمصالح وخداع، فى الظاهر كما الباطن، مصارحته بالحق لا تعجب الكثيرين.. فالناس تضيق بمن يبصرهم بأمورهم، يكشف لهم زيف آمالهم، زيف موهبتهم، زيف ما يعيشونه ويتعايشون معه كأنه قدر محتوم، يحرضهم على التفكير، الإبداع، الخروج من شرنقة الجهل، للأسف  الناس يضيقون بمن  يَصْدقهم القول، ويضيقون أكثر بمن ينصح!

«جينات عمنا صلاح جاهين الأصلية «صاحب الرباعيات العبقرية، اكتسبها من جده الصحفى الكبير أحمد حلمى، أول سجين رأى فى مصر، سجنته السلطات بسبب المظاهرات وبتهمة تم تفصيلها له «العيب فى الذات الملكية»!

«أحمد حلمى».. فى الظاهر ربما لا يعرفه ملايين المصريين بوصفه صحفيًا رائدًا، ومناضلًا بارزًا، وإن كانوا  يعرفونه اسمًا على واحد من أشهر ميادين وشوارع  القاهرة.. ومحطة ظلت لعقود تستقبل ملايين القادمين من وجه بحرى  للدراسة، للتجارة، للعلاج، للنزهة، ظلت تستقبل كل الحالمين بمستقبل أفضل وحرية وعدالة اجتماعية.

«أحمد حلمى» لم يعرف اللوع من أجل مكاسب شخصية، عمل صحفيًا بجريدة اللواء بداية من عددها الأول فى 2 يناير سنة 1900، كتب عشرات المقالات الوطنية انتقد الحكومة المصرية وهو لا يزال موظفًا فى دواوينها ،لم يخش الفصل، أو التنكيل به وقطع لقمة عيشه، كتب مايمليه عليه ضميره حتى لو دفع الثمن غاليًا . 

«أحمد حلمى» تبنى الدعوة إلى توقيع آلاف العرائض للمطالبة بالدستور وتقديمها إلى الخديو «عباس حلمى»، فكان لهذه العرائض والتى بلغت جملة التوقيعات عليها 75 ألف توقيع دوى هائل فى البلاد وأكبر دعاية للدستور.

«أحمد حلمى» واحد من الذين فضحوا  المؤامرة فى حادثة دنشواى، نقل بقلمه صورة حية حقيقية دون رتوش، للمهزلة التى أسموها محاكمة، شاب صحفى صغير يقف فى وجه الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس، لم يحسب المكاسب والخسائر، لم يلاوع أو يهادن، لم يتملق السلطة لمزيد من الامتيازات، قال الصدق والحق ومضى فى طريقه للنهاية.

«أحمد حلمى» استمر محرر «اللواء»  الأول بلا منازع  لسبع سنوات كاملة،  يحرر افتتاحيتها مناديًا بحقوق المصريين ومنددًا بالاحتلال..  ورغم الشهرة والمكاسب لم يتردد فى تقديم استقالته من جريدة اللواء لأن أصحابها تجاهلوا حقه فى رئاسة تحريرها بعد وفاة مصطفى كامل.. وتدخلوا فى السياسة التحريرية.

«أحمد حلمى» فى 24 أبريل سنة 1908 أصدر العدد الأول من مجلة «القطر المصرى» واستمر فى التنديد بالاحتلال والمطالبة بالدستور  والدعوة إلى مقاطعة البضائع الإنجليزية... ظل يدافع عن مطالب الشعب مقترحًا قواعد لحقوق العمال وأرباب الأعمال لأول مرة فى تاريخ الحركة الوطنية.

 «قدموه للمحاكمة عدة مرات بسبب آرائه، حاولوا إغرائه بالمال، بالمناصب، مقابل فقط تخفيف حدة مقالاته، لكنه ظل مخلصًا لمهنته ولأهل بلده فتوالت الأحكام القضائية على أحمد حلمى وعلى جريدته، اتهموه بتزعم  إحدى المظاهرات التى قدر عدد المشاركين فيها بـ 25 ألفًا من المصريين يوم 31 مارس سنة 1909 ضد إعادة العمل بقانون المطبوعات الصادر سنة 1881 ويحكم عليه بالحبس أربعة شهور مع كفالة قدرها عشرة جنيهات وتعطيل مجلة «القطر المصرى» ستة أشهر وإعدام كل ما ضبط ويضبط من العدد رقم 37 من هذه الجريدة.. ثم قدموه للمحاكمة بتهمة العيب فى الذات الملكية وحكموا عليه بسنة سجنًا  ليسجل اسمه كأول مصرى  يحكم عليه بتهمة العيب فى الذات الملكية «الخديوية»، وأول سجين رأى فى مصر.

«أحمد حلمى» فى الظاهر ظل صحفيًا مخلصًا لمهنته.. وفى الباطن ثائرًا ومناضلًا ،دعا إلى الوحدة الوطنية بين وادى النيل فى مواجهة الاحتلال الإنجليزي، وطالب الجيش المصرى بالانضمام إلى المدنيين فى المطالبة بالدستور والحرية، كما كتب من وقائع التقارير الرسمية عن السياسة التعليمية فى هذا الوقت وأن الهدف من التعليم هو الحصول على الموظفين الذين تأمرهم الدولة فيأتمرون وتزجرهم فيزدجرون.

هاجم «حلمى» النظام الملكى والخديوى واتهمه بعداوته للأمة ورفضه منحها مجلس نواب وبيع الأوسمة والرتب للأعيان وأخذ يتساءل عن بأى حق مشروع تأخذ عائلة محمد على من الخزينة المصرية «350» ألف ليرة سنويًا وأى شر دفعوه عنها أم أى خير جلبوه لها حتى يكال لهم المال جزافًا.

فى عام 1911، أصدر الطبعة الأولى من الجزءين الأول والثانى من كتابه «السجون المصرية فى عهد الاحتلال الإنجليزى»، وكتب على صدر الكتاب عبارة: «سجن الجسم خير من سجن الضمير».

ألم أقل لكم أن الجينات الأصلية تتوارث كما أن الجينات الخبيثة تتوارث، فاحذر «اللوع «  فهو فعلا علم.. بس زى حد السكين ،ممكن تقتل به نفسك، بنفس السرعة والدقة التى تتجاوز حتى الشعور بالألم.