الثلاثاء 23 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الحبة السمراء ورائحة المسك

الحبة السمراء ورائحة المسك

من هنا فى أرض الكنانة، أحمل إليكم كل مشاعر المحبة والود والاحترام يا أهل السودان الشقيق.. تربطنا بكم منذ قديم الأزل علاقات الأخوة والجوار وما زالت تلك المشاعر حاضرة لا تغيب.. منذ سنوات طويلة ما زلت أتذكر زميلى «إدريس» السودانى هذا الشاب الخلوق الذى عاش فى قلب القاهرة فى منطقة الجمالية أواخر التسعينيات بجوار جامعة الأزهر الشريف.. كان إدريس طالبًا فى كلية اللغة العربية قسم التاريخ والحضارة يدخل علينا ونحن فى مدرج الدراسة يرتدى جلبابًا ناصع البياض وعلى رأسه طاقية من الصوف بلونها الأخضر الجميل الذى يرسل إليك طاقة روحية وإيجابية ومظهرًا من مظاهر الأدب والاحترام  كنموذج لشباب دولة السودان الشقيقة.. كان إدريس يحب أن يجلس بجوارى وكنت أحب أن أطلق عليه «الحبة السمراء» كناية عن الحبة السوداء «حبة البركة» التى ذكرت فى حديث النبى صلى الله عليه وسلم بأنها شفاء لكل داء.. تفوح من إدريس رائحة المسك ويطلق من وقت إلى آخر بعض المصطلحات السودانية، وكنا نداعبه باللغة المصرية حتى تحولت الزمالة إلى أخوة وصداقة فيما بيننا. 



كنا نذهب معًا إلى الجامع الأزهر الشريف بالقرب من الجامعة نصلى العصر ونجلس حتى صلاة العشاء نراجع محاضراتنا ودروسنا ونحفظ معًا ما نستطيع حفظه من كتاب الله عزوجل وكنت أخرج قبل صلاة المغرب أحضر «العيش والطعمية» من المطعم المجاور للمسجد لكى نأكل معًا  وبعد الغداء الذى يكون فى كثير من الأحيان قبل صلاة العشاء يكون قد انتهى اليوم الدراسى لنا.. صديقى السودانى كان من هواة السهر وكان يحب زيارة مساجد آل البيت وأهل الله الصالحين فى مصر.. كنا نسير معًا على أقدامنا ما يقرب من ثلاثة كيلو مترات من جامع الأزهر وحتى مقام السيدة نفيسة رضى الله عنها مرورًا بمنطقة الباطنية وحتى حى القلعة ومنطقة السيدة عائشة رضى الله عنها حتى نصل إلى مقام «نفيسة العلوم» نجلس حول الضريح نقرأ سورة يس وبعض الأذكار ونختم بالصلاة والسلام على رسول الله.. ومرت سنوات العمر وانتهينا من الدراسة وتفرقت بنا السبل أنا وإدريس الذى عرفت فيما بعد أنه غادر السودان والتحق بصديق له فى سويسرا وأصبح من مواطنى أوروبا.. ورغم هذا البعاد ومرور السنين ما زلت أحمل فى قلبى محبة كبيرة لهذا الشاب السودانى الذى كان نموذجًا للأصالة والعراقة والمحبة التى يتمتع بها الشعب السودانى الشقيق. 

منذ أيام قليلة التقيت مجموعة من الأخوة السودانيين وعلى رأسهم الأخ العزيز الدكتور غالب محمد طه  ومنذ اللحظة الأولى شاهدت لون وطعم ورائحة صديقى القديم «إدريس» فى هؤلاء الأخوة الأفاضل المحبين لمصر وللمصريين  فتجددت عندى مشاعر الأيام الخوالى وسنوات الشباب ورائحة الزمن الجميل وانتهزت الفرصة لكى أكتب عن «الخل الوفى» وصديقى السودانى الذى طالما كان حاضرًا فى قلبى وعقلى وأرسل إليه كل المحبة والاحترام من خلال هذه الكلمات البسيطة.. وأدعو فيها إلى القيادة والشعب السودانى أن ينعم عليهم بالأمن والرخاء والاستقرار وأن يعود السودان إلى وضعها الطبيعى وأن ينفض غبار السنين الماضية ويبنى مستقبله من جديد بأيدى الشباب الوطنى وكبار رجال دولتهم حتى تنعم الأجيال القادمة بكل خيرات السودان التى لا حصر لها.. دولة السودان تستطيع أن تكون فى الصفوف الأولى بالإخلاص وبالمحبة فيما بينهم وبالحوار والاحترام والالتفاف حول الرجال المخلصين الذين يريدون كل الخير للشعب السودانى العظيم.. تحيا مصر.