الثلاثاء 23 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اللمبة الجاز والطبلية

اللمبة الجاز والطبلية

فى كتاب القرية أيام الطفولة كنا نتعلم القراءة والكتابة، نستيقظ فى الصباح الباكر نحمل «اللوح»، وهو عبارة عن قطعة من الصاج الثقيل ويستخدم للكتابة والتعليم، بداية من الحروف الأبجدية المشكلة بالكسر والفتح والضم والسكون.. نظل ما يقرب من عدة شهور نتعلم بهذه الطريقة القديمة التى لم تعد موجودة فى عصرنا الحالى.. نكتب على اللوح ما ينقشه لنا «سيدنا» فى الكتاب بقلم من البوص، ومن خلال الحبر الأسود الذى لم يعد موجودًا فى الوقت الحاضر إلا نادرًا مع بعض الأشخاص الذين ينتمون إلى الزمن القديم وما زالوا يحتفظون بالأقلام الحبر ماركة «باركر وكارتير». 



التعليم فى زمن الكتاتيب خرّج علماء وأطباء ورجال الطب والقضاء وغيرهم فى كل المجالات هؤلاء الناس كانوا ولا يزالون يتمتعون بحسن وجمال الخط واللغة العربية.. وللحق فإن هذا العصر لن يتكرر مرة أخرى فى الوقت الحالى، بعد كل هذه المؤثرات العولمية التى ضربت الريف والحضر وشتت عقول الأجيال الحالية، وعصفت بالكثير من الثوابت الأدبية والتعليمية. 

فى القرية كانت البيوت لا تخلو من الطبلية التى نضع عليها الفطار والغداء والعشاء وفى أغلب الأحوال، كانت «الدُّور» لم تصل إليها الكهرباء، وإن وصلت كانت تنقطع بعد صلاة المغرب أو العشاء، وكانت تحل مكان الكهرباء «المبة الجاز» أو الكلوب فى منازل الأسر الكبيرة.. وبعد أن يتناول جميع أفراد الأسرة العشاء تستخدم الطبلية للمذاكرة وكانت لمبة الجاز خير جليس حتى طلوع الفجر وشروق الشمس.. المبدعون فقط هم من عاشوا هذه السنوات الجميلة التى لن تعود مرة أخرى، ولن نجد مثل هؤلاء الذين تخرجوا فى الجامعات ونالوا أرفع الدرجات العلمية فى الداخل أو الخارج. نأتى الى عصرنا الحالى ما هى محصلات العملية التعليمية فى المدارس والجامعات؟ وهل هناك جيل جديد من الممكن أن يكون فيه علماء فى شتى المجالات رغم الفرق الشاسع بين إمكانات هذا العصر وعصر «الطبلية ولمبة الجاز»، اعتقد أن الإجابة على هذا السؤال تحتاج الكثير والكثير من التفكير. 

الأسبوع الحالى رصدت على السوشيال ميديا موقفين أثناء إجراء امتحانات نصف العام.. الموقف الأول سيدة فى العقد الرابع من عمرها تقف خلف أسوار المدرسة التى تودى فيها ابنتها الامتحان، وبعلو صوتها تقوم بالإجابة على بعض الأسئلة فى مادة اللغة العربية.. هذا المشهد عندما رأيته مزج عندى حالة من الضحك والبكاء على حال التعليم، والمشهد الآخر عندما رفضت إحدى المدرسات السماح بالغش، كانت النتيجة هى التحرش والاعتداء وخروج المدرسة من اللجنة فى حراسة الأمن. 

معظم المصريين لديهم شعور بفشل العملية التعليمية فى المراحل الدراسية الأولى من التعليم الأساسى.. الأسباب كثيرة وتحتاج لسنوات طويلة حتى نُخرج أجيالًا جديدة تستطيع القراءة والكتابة الى جانب الفهم والإدراك للعلوم الحديثة.. كلنا نعلم أن هناك خريجين جامعة ولا يستطيعون الكتابة والقراءة بصورة جيدة جدًا إلا من رحم ربى.. الأخطاء لا يجب أن يحاسبوا عليها وحدهم، هناك عوامل كثيرة لا وقت لحصرها فى مقال أو اثنين، وإنما تحتاج لشرح طويل حتى نضع أيدينا على الدواء الناجز، لكى نعيد اكتشاف العباقرة الذين عاشوا وتعلموا فى السنوات الماضية دون رفاهية ودون ضجيج ودون دروس خصوصية ودون استنزاف الأسرة المصرية. 

الدولة تحاول والقيادة السياسية تريد النهوض بالعملية التعليمية، والدليل القرار الرئاسى الأخير بفتح باب التعيينات للمدرسين والمعلمين لسد العجز فى العملية التعليمية ليتنا نضع أيدينا جميعا فى أيدى الدولة.. نساعد أطفالنا من الصغر على تحصيل العلم من خلال الكتاتيب ومنع كل المؤثرات التى أصابت عقول أولادنا بالتشتت، ويا حبذا لو عادت مرة أخرى المدارس الداخلية، التى كانت تعلم الانضباط والسلوك القويم والأدب إلى جانب العلم والتعلم. تحيا مصر.