الجمعة 22 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اللبن المسموم... ثالثا: التسمم

اللبن المسموم... ثالثا: التسمم

نتيجة أن شبكات التواصل الاجتماعى من خلال الخوارزميات التى تعتمدها وتتحكم من خلالها بطرق عديدة منها التحكم فى أعداد الأصدقاء الذين يصل إليهم منشور قمت بنشره، وهو ما يحفزهم للقيام بوضع علامات إعجاب أو وضع تعليقات مما يساهم فى زيادة شعبية المنشور ووصوله إلى أعداد أكبر، نتيجة ذلك أن بعض المنشورات تراها قد لاقت شعبية أكبر من منشورات أخرى تقوم الخوارزميات بإخفائها عن غالبية المتابعين والأصدقاء مما يجعلها تحوز على أعداد متدنية من علامات الإعجاب والتعليقات، مما يجعل الرسالة الموجودة داخل هذا المنشور تخبو ثم تموت تدريجيًا فى مقابل محتوى آخر ينمو وينتشر.



ليس هذا فحسب بل إن مواقع التواصل الاجتماعى بالإضافة إلى اعتماد الخوارزميات فإنها تقوم بالتعاقد مع شركات أخرى لمراجعة وفلترة المحتوى الذى يقوم المستخدمون بمحاولة نشره وخاصة فى حالة وضع صور أو مقاطع فيديو وهنا وبالرغم من الحديث عن سياسات الشركة التى تمنع ما من نتيجته نشر خطاب الكراهية، والتحريض على العنف أو الاستهزاء بالمعتقدات والأديان والمواد التى تحتوى على مشاهد عنيفة أو إباحية إلا أن هذا أيضًا لا يحدث بنفس الحيادية ونفس القواعد بالنسبة لكل المستخدمين.

السبب ببساطة أن القليل من هذه المواد الصارخة تساعد كثيرًا فى التفاف المستخدمين حولها لأنها توقظ داخلهم مشاعر وأحاسيس منحرفة، وهى جزء من الطبيعة الإنسانية لا يمكن إنكارها وهو ما تستغله تلك الشركات لترويج منتجات وخدمات أو لتغيير ثقافة المستخدمين وترسيخ عادات وتقاليد وسلوكيات سيئة لأغراض متعددة، ويصل الأمر إلى تغيير الأيديولوجيات السياسية والدينية والعرقية لإحكام وزيادة السيطرة على العقول، ومن ثم المشاعر والسلوكيات والتصرفات.

التأثيرات النفسية الناتجة عن التعرض للمواد المثيرة والصارخة لها تأثير مثل تأثير المخدرات تقريبًا فهى تعطى شعور زائف بالنشوة والإثارة، وفى أحيان أخرى تزيد من معدلات الإحساس بالمشاعر السلبية كالغضب واليأس والاكتئاب والإدمان أيضًا، فالعديد من الدراسات والمقابلات حتى بين الأصدقاء تؤكد أن التعرض للمحتوى الموجود على تلك الشبكات قد أسهم فى خفض الروح المعنوية وضيق الصدر والإحساس بالعزلة والاكتئاب، وفى نفس الوقت الشعور بالإدمان والاعتمادية على تلك الشبكات، بل والانخراط فى المزيد مما تقدمه وتمضية أوقات أطول وأطول فى تصفحها.. حالات التسمم السابق الإشارة إليها لا تقتصر على محتوى شبكات التواصل الاجتماعى فحسب فخوارزميات محركات البحث الحرة - أو التى يعتقد المستخدمون أنها كذلك- تفعل أمرًا مشابهًا، فأعلى النتائج التى تقدمها محركات البحث للمستخدم ليست بالضرورة هى الصح بل إنها ببساطة هى الأكثر قبولًا وأكثر زيارة من قبل مستخدمون سابقون، وهو ما يرسخ لمبدأ انتشار الجهل الجمعى العام، حيث تتوارى النتائج الأصح للبحث أمام النتائج الأكثر زيارة.. قضية الحيادية أراها أحد أهم قضايا الوعى الرقمى التى لا يجب أن نتوقف عن الكلام عنها والإشارة إليها مهما كلفنا الأمر.

ملحوظة: أتوقع ألا تلقى تلك المقالات الثلاث الاهتمام المطلوب من المستخدمين نتيجة الأسباب السابق الإشارة إليها.