تحقيقات روزاليوسف الفنية مرجعا لإصدار كتاب قانونى
قضايا سوق الفن التشكيلى 22 قضية فنية حديثة ومعاصرة وأحكامها القانونية
سوزى شكرى
نسعد بأن تحقيقنا وتغطيتنا الصحفية حول إشكاليات الفن التشكيلى مرجع للجدل والنقاش فى الإصدارات الفنية ومؤخرًا فى الإصدارات القانونية، اعتدنا لحسم الإشكاليات الفنية الاستناد إلى تقارير وآراء النقاد وخبراء بالفن من لهم باع فى حسم الخلافات الفنية، إلا أن ياسر عمر أمين الباحث والمحامى فى مجالى الملكية الفكرية وقانون سوق الفن ومدرب معتمد من المنظمة العالمية للملكية الفكرية بسويسرا (WIPO)، اكتشف من خلال متابعاته للمشهد الفنى عن وجود حالة تخبط وعدم وعى ودراية الفنان بحقوقه وتجاهله وتهميشه لأهمية الملكية الفكرية، فكتب العديد من المقالات حول الجانب القانونى لإشكاليات الممارسات الفنية التى تمت على الساحة، وهو أول من اجتهد وسعى لميلاد فقه وقانون يحكم سوق الفن ويضع ممارسات الفن فى قالب قانوني.
إصدار ثلاثة كتب حول قضايا حقوق المؤلف، ومؤخرًا صدر كتابه الجديد «قضايا سوق الفن التشكيلي- من وحى سوق الفن وعوالم الملكية الفكرية» الصادر عن مؤسسة» AR جروب» للإعلان والطباعة والنشر- نوفمبر 2021.
الكتاب من تقديم الفنانة الأستاذة الدكتورة الناقدة أمل نصر، يضم الكتاب مجموعة من المقالات التى قام ياسر عمر بنشرها فى العديد من الصحف من بينهما روز اليوسف فى الفترة من 2014 – 2019 ، فى الصفحات الأولى بالكتاب قدم الشكر لمؤسسة روزاليوسف و لشخصى المتواضع ونحن نشكره على مجهوده واجتهاده وتفرده وجديته وأمانته فى الطرح القانونى للقضايا الفنية الذى لم يتطرق له أحد من قبل، وهو منهج الفن والقانون معًا .
وعن منهج الكتاب ذكر ياسر عمر أنه يزعم أنه هذا المنهج يعد من أوائل المناهج التى حرص على أن تخوض مخاض قضايا سوق الفن التشكيلى المعاصر وإشكالياته القانونية والعملية، وأنها لم تضل الاستشهاد أو الاسترشاد بكثير من الأحكام القضائية الفرنسية والآراء الفقهية ،وأن ذلك لن يأتى إلا عبر الترسيخ لفكرة التعريب والتمصير . ولكن من أجل تمهيد الطريق نحو تأسيس قانون لسوق الفن العربي. علينا التخلص من عباءة القانون الأجنبى التحرر لننهج لأنفسنا نهجًا مصريًا وعربيًا خالصًا ولنقطع حبال التبعية. وقد تبنت مصر منذ فترة خطة لإعادة هيكلة كيان الملكية الفكرية من أجل آليات جديدة لوضع أسس ثابتة قاطعة تكون موضع التنفيذ، وأدرجت مادة بحماية حقوق الملكية الفكرية فى الدستور المصرى الجديد لأول مرة فى التاريخ مادة (69). يتبقى دور القطاعات المعينة بالدولة منها نقابة الفنانين التشكيليين ودورها فى حماية الملكية الفكرية للفنان وتطبيق القانون لتصحيح مسار ممارسات الفن، ليكون بذلك الفن والقانون وجهين لعملة واحدة.
22 قضية فنية وأحكامها القانونية
الكتاب يضم 22 مقالة تحليلية ووصفية وقانونية حول إشكاليات ممارسات الفن التشكيلى والنحت والفن المعاصر سوف نرصد بعضها ، استند بأحكامه إلى تشريعات قانونية منها مواد الدستور المصرى ومن وقائع مشابهة حسمها القضاء الفرنسي. ومن أجل وضع نواة لتشريعات قانونية قدم ياسر عمر تفسيرات للمفاهيم والمصطلحات المتشابكة فنيًا وبالأخص المصطلحات الغضاضة التى قد يراها البعض مرادفات لمعنى واحد.
وبوجود الشق القانونى الذى تناوله ياسر عمر بمقالاته وجدنا أن ممارسات الفن وقعت بين طرفين هما تقييم الناقد الفنى وأحكام القانونى ولكل منهما مرجعياته ومبرراته.
تناول أولا قضايا الفن منها: إشكالية التأثير والتأثر بحالته المتشابكة، التقليد والنقل الحرفي، استلهام روح الفنان والاقتباس، توارد للأفكار بين فنانين اثنين أو أكثر، الانتماء إلى مدرسة فنية واحدة، أعمال فينة تقدم كتحية لفنان آخر، إعادة صياغة، الأصالة هل هى نسبية أم مطلقة وغيرها من الاشتباكات المعقدة وغيرها من القضايا.
وقدم أمثلة عديدة من أعمال فنية مصرية حديثة ومعاصرة حسمت قانونيًا، ومن مقالاته فى هذا السياق منها: «طابع البريد من منظور فريد فى الملكية الفكرية»، و «القانون واللغة وعلاقتهما بالتأثر والتقليد فى صالون الشباب.»، «تقليد أسلوب الفنان رؤية فنية وقانونية». ناقش تلك الجدلية المعقدة، على حد قوله إن التأثر بمعناه الواسع يشكل جزءًا لا يتجزأ من مرحلة ولادة الفنان المبدع إن لم يكن أحد عوامل تشكيل مكنوناته التى تعكس بدورها أسلوبه الذى لا يستبعد على الإطلاق أن يكون الفنان تأثر من خلاله- بطريقة أو بأخرى- بأسلوب غيره من الفنانين العمالقة، بل يذهب البعض إلى حد القول إن كل الإبداعات الفنية ليست إلا مجرد نسخة لمصنف كان موجودا بالضرورة من قبل. وكم من فنان شاب تأثر بأسلوب فنانين عالميين واتبع طريقتهم ومدرستهم وتقنياتهم. فلا أبالغ إذا قلنا أن لا فنان بلا تأثر، ولا أسلوب بلا فنان، ولا فن بلا نسخ وتقليد بالأحرى لا فن بلا قانون. إلا أن القانون يحمى حق الفنان مبدع العمل الأصلى من تضخم حالات التأثر. ووضع الإطار الحاكم للتشابه بين الأعمال الفنية.
منحوتات فى ساحة القضاء
حول العبث بحق الفنان النحات كتب أربع قضايا يتخللها أسئلة أجاب عنها قانونيًا وحسمها بموجب القضاء الفرنسي، كم عدد النسخ المسموح بها لكل منحوتة، هل من حق الورثة إعادة صب العمل، هل من حق مقتنى العمل سواء أفرادًا أو مؤسسات إعادة صب المنحوتة.
ومن هذه القضايا كما ذكرها أن أحد المشاهير قدم لوزارة الثقافة تمثالا لمحمود مختار «الفلاحة» إهداء. وقد عهد هذا المشهور إلى أحد كبار النحاتين لصب نسخة برونزية أخرى. وهنا طرح ياسر عمر تساؤلا هل يعتبر التمثال المصوب عملا فنيا أصيلا. فمن جهة القانون لابد من موافقة من الورثة، لكن حتى مع وجود الموافقة أين إرادة النحات مختار فى عمل نسخة، القدر لم يمهله لصنعها. هذا المشهور يملك نسخة التمثال من الجبس وطلب صبها برونز إلا أنه قانونًا لا يملك الحق فى استغلال المصنف لأن صاحب العمل يحتفظ بحقه مدى الحياة ولا يسقط هذا الحق بالتقادم.
وجريمة أخرى نشرناها بصفحتنا بروز اليوسف بتاريخ 9 أغسطس2017 وشاركنا المحامى ياسر عمر بالرأى القانونى الحاسم وهو تمثال «على ضفاف النيل» لمحمود مختار الذى اقتناه مقتنى عربى بمزاد سوثبى بمبلغ 725 ألف جنيه إسترليني. وبعد نزاع استمر عامًا بالقضاء البريطانى تكشف أمران: إنه تم صبه بعد وفاة النحات محمود مختار وبالتالى اختلفت القيمة الفنية والمادية وثمن النسخة أصبح 70 ألف جنيه إسترلينى فقط. وتحريف بمعلومات الكتالوج عن التمثال، تعارض مصالح حيث المالك الأصلى أحد العاملين بسوثبي.
تحدث ياسر بتقاريره القانونى المطول عن الضوابط التى تحكم عملية صب التمثال وثلاثة شروط أساسية لكى يصبح العمل أصيلا هي:- يجب أن يكون التمثال المصبوب ذات طبعة محدودة بما لايتجاوز الصب أثنتي عشرة نسخة مرقمة أشرف عليها النحات أو خلفه العام. ثانيا: يجب أن تكون النسخ المنفذة مطابقة تطابقا تاما للبروفات المسموح بها تلك التى أرادها الفنان لنفسه. ثالثا: ضرورة وجود موديل أو نموذج سواء من (الجبس أو الفخار) يكون نفذه النحات نفسه.
علاقة الفنان بالجاليرى الخاص
بالتأكيد الفنان يجهل حقوقه عند الجاليرى ويكتفى التعامل بينهما بالبيع فقط. بحسب ما طرحه ياسر عمر بمقالته أن عرض الأعمال على الإنترنت مواقع التواصل الاجتماعى قانونًا لابد أن تكون بتصريح من الفنان ويتقاضى عنها مقابلًا ماديًا وهذا ما ذكره القضاء الفرنسى لحماية حقوق الفنان التشكيلي. ولابد من وجود عقود البيع موثقة يقتدى بها الفنانون. حق الفنان بنسبة مالية جديدة إذا انتقلت ملكية العمل من مقتنى لمقتنى آخر. كما شدد ياسر عمر على ضرورة وقف إصدار شهادات التوثيق التى تمنح من كبار الفنانين أو خبراء للتجار ومقتنى الأعمال، لأنها تحتمل الخطأ وتحتمل الصواب وفى كلتا الحالتين غير دقيقة وتفتح الباب لعرض الأعمال بالمزاد لمنحها شرعية العرض وحتى إن لم تبع.
ومازالت الأخطاء مستمرة
أول من ابتكر مصطلح «الكتالوج المُسَبب» وأدخله ضمن مفردات لغة عالم سوق الفن التشكيلى بمصر بالوطن العربي، وأهمية هذه الكتالوجات أنها قاعدة بيانات وأرشفة تاريخ الفنان وأعماله وتتبع مسار العمل الفنى وانتقال ملكية العمل للورثة أو لأفراد أو لجهات ويؤرخ بصحة العمل وبتفصيل ووصفه وصفًا دقيقًا. لدينا مؤخرًا «الكتالوج المُسَبب» لمحمود سعيد الصادر عام 2017 وقام بإعداده الخبير الفنى والمؤرخ دكتور حسام رشوان والناقدة «فاليرى هيس» كما شارك بالجانب القانونى بالكتالوج المحامى ياسر عمر. يشار للكتالوج فى كل المزادات العالمية ويبعث طمأنة للمقتنى بصحة العمل. بالإضافة لتصحيح المعلومات المغلوطة التى يتم تدوالها فى رسائل علمية وإصدارات ثقافية لنقاد ومشاهير الفن دون تدقيق فى صحتها مما جعل البعض يظن أنها الصواب السائد، أليست كارثة ومأساة أن الأخطاء مازالت مستمرة.
تحت عنوان «اللوحات المنسوبة للفنانين الرواد بين الحقيقة العارية والزيف المستورد» كتب ياسر عمر عن اللوحات المنسوبة لكبار الفنانين وهى أحد أبواب التزوير ووصف معنى «منسوبة» بالمعجم مشتقة من النسب أو القرابة وحدد المشرع الفرنسى أهمية تقنن اللفظ قانونيًا. منسوبة لا تعنى أن اللوحة مزيفة قد يضمن أن العمل الفنى كان قد تم تنفيذه وإعداده أثناء فترة إنتاج الفنان. وبالعرف المألوف تعنى مشكوكًا فيها. «المنسوب» والمشكوك «كلاهما وجهان لعملة واحدة”.
ومن اللوحات المنسوبة كما ذكرها ياسر بمقالته لوحتين لمحمود سعيد الأولى بورتريه منسوب زورًا لمحمود سعيد ، والثانية : ووصفها بملاحق الكتاب ، لوحة السيدة الإسبانية منسوبة للفنان محمود سعيد ومعلقة بمتحف محمود سعيد بالإسكندرية إلى هذه اللحظة. إلا أن قبل احتفالية متحف محمود سعيد بالإسكندرية اجتمعت لجنة من كبار وخبراء الفن وهما كل من: مريم عبد العليم، فاطمة العراجى صبرى حجازى وصبرى الخولى وقدم كل منهما دراسة تفصيلة مطولة حسمت أنها ليست من أعمال محمود سعيد ، وتم نشر هذه التقارير بكتالوج محمود سعيد ص 28. وأثناء إعداد كتالوج محمود سعيد تم تصويرها تصويرا دقيقا كشف عن وجود توقيع باللوحة باسم» هدجابا hadgaya «1919.
بالإضافة إلى أنه من المؤسف أن اللوحة وردت فى إحدي الرسائل العلمية لفنانة أنها من أعمال محمود سعيد. ، وكتب عنها بإصدارات أخرى أنها زوجة الفنان محمود سعيد وبريشته ، وتكرر الخطأ وكتب عنها ناقد فنى أنها من أعماله.
لوحات بين الاختفاء والإعارة والنائب العام الراهبة.. أحمد صبري
السبب وراء اختيار ياسر عمر لغلاف كتابه لثلاث لوحات وهي «الراهبة – إنسان السد – قبرص بعد العاصفة ذلك لقيمتها الفنية والتاريخية والتراثية ، ذكر عن لوحة» الراهبة «لرائد البورتريه الفنان أحمد صبرى رسمها 1934 بتتبع مسارها فقد خرجت من متحف الفن المصرى الحديث للعرض بالخارج ولم تعد منذ الستينيات والمتداول عنها أنها مختفية . عام 2015 شوهدت اللوحة بمقر إقامة رئيس وفد مصر لدى الأمم المتحدة بنيويورك وكشف عن ذلك أثناء إعداد كتالوج محمود سعيد وتصوير لوحة « ذات العيون الخضراء «الموجودة بنفس المقر كما تم تصوير الراهبة بتكليف من السفير رئيس وفد مصرو بناء على طلبه، إذا لم تعد مختفية ، فهل لنا استعادتها أم لا.
إنسان السد.. عبد الهادى الجزار
على حد قول ياسر عمر لوحة «إنسان السد» للفنان عبد الهادى الجزار أن وصفها باللوحة المختفية قد يعنى أنها فقدت أو سرقت أو حرقت أو أتلفت لتبرير الاختفاء تضارب فى تحديد مكانها. فقد ذكر قطاع الفنون أن اللوحة كانت ضمن مجموعة من المقتنيات «أهديت» إلى الاتحاد الاشتراكى عام 1967 وأنها من المحتمل أن يكون نالها حريق مبنى الحزب الوطنى عام 2011 الذى كان محل الاتحاد الاشتراكى وذكرت السيدتان ياسمين وفيروز الجزار بأنهما شاهدتا اللوحة بمتحف الفن الحديث عام 2012 وذلك فى احتفالية الجزار.
بينما ذكر الناقد الفنى صبحى الشارونى أن هذه اللوحة «نقل ملكيتها» إلى الاتحاد الاشتراكى العربى وبالتالى لم تصبح ضمن مقتنيات متحف الفن الحديث ورجح أنها قد حرقت بالفعل وذلك بمقالة جريدة المساء 16/3/2011. وهنا توقفت الأزمة بدون حسم واضح.
قبرص بعد العاصفة.. محمود سعيد
وبملاحق الكتاب وثق ياسر عمر أضرار الإعارات من 62 عاما لوحات محمود سعيد «زوبعة على الكورنيش» 1935 عرضت بمعرض «مونتفيديو» بأمريكا الجنوبية بحسب السجلات الوزارة بتاريخ 17/7/1960 وتحمل رقم (803). وبنفس المعرض والمكان لوحة «قبرص بعد العاصفة» 1943 تحمل رقم 1297). ومن خلال مخاطبات القطاع مع الخارجية ورد أن بحوزتهم 10 لوحات ليست من بينهم محمود سعيد. وبعد الاختفاء الطويل ظهرت اللوحة خلف الضيوف عام 2013 بأحد جاليريهات الزمالك، ثم تواجدت اللوحة وإلى الآن بموقع متحف الفن الحديث والعالم العربى بالدوحة وأنها من مقتنيات المتحف. وثقت بكتالوج محمود سعيد صفحة 369.
وموقف هام نقدره وهو تقدم المحامى ياسر عمر أمين ببلاغ للنائب العام برقم 14794 مقدم بتاريخ 24/11/2016 لاستعادة لوحة محمود سعيد . ورغم نشرنا بروز اليوسف نص البلاغ 29 نوفمبر 2016إلا أنه إلى الآن لا جديد.






