الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 95

لغة الجينات 95

حتى الجينات الخبيثة درجات.. أحقرها الخيانة والغدر.. ومعهم اليأس.. اليأس إحباط يصيب الروح والعقل بسبب الغدر والخيانة.. صاحب الجينات الخبيثة  خاين بطبعه.. الغدر فى دمه..  اللحظة اللى بتطمن له  فيها هى لحظة نهايتك.. لا يتردد فى القضاء عليك ... فى الظاهر قد ينتظر لفترات طويلة ويوهمك أنه انتهى وأصبح عبدًا ذليلًا.. دخل الحظيرة وتاب وأناب وعمل صالحًا.. ولم يعد له وجود.. وفى الباطن بيرسم خطط جديدة وبيعيد حساباته وطرقه الخبيثة  للانقضاض عليك.. يمتلك روحًا شريرة قادرة على صبغ الحياة باللون الأسود.. يمتلك قدرة غير عادية على بث روح اليأس وفقدان الأمل.



وزى ما الجينات الخبيثة درجات.. أيضًا الجينات الأصلية درجات.. وفى رأيى أن أهمها الأمل.. غرس الأمل فى النفوس منحة عظيمة لا يقدر عليها ولا يستحقها إلا أصحاب الجينات الأصلية.. من يسيرهم النور بقلوبهم الطيبة... فى الظاهر ينشرون الأمل  بقول أو فعل يراه كثيرون بسيطًا... وفى الباطن ينتشلون أرواحًا معذبة قلقة من محنتها... يبحثون عن نقاط الضوء فى عالم مظلم ليجمعوها وتقديمها كسراج لحياتهم وحياة غيرهم... عارفين أن هناك أشخاصًا  فى أشد الحاجة لمن يضيء لهم الطريق بفكرة حتى ولو كانت صغيرة وبسيطة.. لكنها فى النهاية فكرة هتغير حياتهم.

فى عام 1957  العالم الأمريكى “كيرت ريكتر” أستاذ علم النفس بجامعة هارفارد عمل 3 تجارب مهمة جدًا علشان يثبت للعالم أن الأمل ممكن يغير حياتهم وسلوكهم وقدرتهم حتى على الصمود.

العالم الأمريكى جاب مجموعات من الفئران ولدت فى معمله.. يعنى ماعندهاش أى خبرة حياتية لمواجهة أى ظروف.. ماعندهاش معرفة بأى حاجة غير قفص التجارب.. وضع الفئران دى فى إناء زجاجى كبير مليان مياه  لحد منتصفه.. الفئران حاولت تتمسك بالحوائط الزجاجية فشلت.. حاولت تقفز خارجه فشلت.. وبدأت تسقط  فى المياه.

“ريكتر” والفريق المساعد له بدأ يحسب الوقت اللى الفئران هتصمد فيه وتستمر فى السباحة داخل الإناء قبل ماتستسلم لمصيرها وتغرق.. الفئران لم تصمد أكثر من 15 دقيقة وبعدها غرقوا كلهم واستسلموا للموت.

العالم الأمريكى وفريقه كرر التجربة.. نفس التفاصيل ونفس المصير 15 دقيقة وانتهى كل شىء.. توقفت عن الحركة والصراع من أجل البقاء على قيد الحياة استسلمت تمامًا وغرقت.. فى التجربة الثالثة  “ريكتر” عمل تغييرًا وحيدًا.. قبل دقيقة واحدة من الاستسلام والغرق يعنى فى الدقيقة 14 طلع الفئران ونشفها وسابها تستريح ورجعها تانى وبدأ يحسب متوسط صمودها.. المفاجأة أن الفئران دى اتغيرت تمامًا وظلت تصارع ولاتستسلم للغرق لمدة 60 ساعة.. أيوه الرقم صح 60 ساعة كاملة ومش بس كده ده واحد منها فضل يرفض الاستسلام والغرق لمدة 81 ساعة كاملة.

الفئران فى أول تجربتين فقدت الأمل بسرعة بعد أن تأكدت أنه لا سبيل للخروج واستسلمت للموت.. لكن  فى التجربة الثالثة كانت لديها خبرة سابقة.. كان هناك أمل وأن ممكن فى أى لحظة يخرجوا من المياه علشان كده استمروا وفضلوا يحاولوا لمدة  أطول  فى انتظار تحسن الظروف.

السؤال هنا إذا كانت الفئران بزراعة الأمل بداخلها صمدت.. ممكن شعوب كاملة تصمد إذا كان عندها أمل.. وهل ممكن شعوب تانية تنتهى وتختفى من الحياة إذا فقدت الأمل؟ الإجابة ممكن نعرفها من تجربة ألمانيا.. تجربة شعب فى وقت واحد كلهم امتلكوا جينات أصلية حقيقية أنقذتهم من الدمار والضياع.

فى سنة 1945 استسلمت “ألمانيا” للحلفاء بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.. تحولت إلى حطام دولة.. كل حاجة انهارت.. الشعب فى حالة إحباط تام.. مدن كاملة اختفت وتساوت بالأرض.. قوات الحلفاء سرقوا المعدات والمصانع والخبراء وشحنوهم على بلادهم.. دمروا البنية التحتية بالكامل.. لابقي فيه شعب ولا حكومة ولا دولة.. الشعب كله عبارة عن نساء وأطفال وشيوخ... مفيش شباب كلهم ماتوا فى الحرب أو قتلهم الحلفاء بعد الانتصار العظيم على هتلر.. انتشرت فكرة الانتحار وآلاف انتحروا على طريقة فئران “ريكتر” فقدوا الأمل واستسلموا تمامًا لمصيرهم.. وقتها العالم كله اعتقد أن ألمانيا انتهت للأبد.. لكن فكرة بسيطة بدأتها النساء والعجائز أعادت ألمانيا للوجود.. شعار بسيط جدًا كتبوه على كل الجدران .. وكان له مفعول السحر.. الشعار بيقول “ازرع الأمل قبل القمح”.. “لا تنتظر حقك”.. “افعل ما تستطيع”..

بدأت النساء والشيوخ فى الظروف دى تجمع الأنقاض وتعيد بناء البيوت ..وبقا اسمهم نساء البيوت المحطمة.. جمعوا الكتب المقطعة  والأوراق المتسخة والأقلام المكسرة وفتحوا المدارس.. عملوا ملابس من أجولة السكر الخشنة.. ومن هنا نهضت من جديد... وبالأمل عاشت ألمانيا الفترة بين عاميّ (1945م) إلىٰ (1955م) كمرحلة إعادة... ألغوا العطلات  الرسمية وأضيفت ساعة عمل يومية مجانية أطلقوا عليها “ساعة من أجل ألمانيا”.

 الأمل أعاد كل شىء ولدرجة أنه فى العام “1954م”  فازت “ألمانيا”  بكأس العالم واللاعيبة بتاعتهم لابسين جزم مقطعة وصوابعم باينة منها.

وفى الفترة من عام (1955م) إلىٰ (1965م) كانت مرحلة بناء المصانع، وكان الأمل هو الطريق الوحيد.. تم استقدام عمال من كل الدنيا  لإعادة الإعمار، وكتبوا شعارًا للعمل  “جديّة + أمل”…

الفترة من “1965م” إلىٰ “1975م” ظهرت رؤوس الأموال ورجال الأعمال، وتكفّل كل رجل أعمال بخمسين شابًا وشابة يعلمهم ويدربهم علىٰ بناء الوطن والنهوض به... كانت مهمة الجميع هى بث الأمل والإصرار علىٰ التطوّر والتقدم.

اعلم أن “الأمل”  هو شعاع من النور فى حياتنا وهو اللى بيخلينا نتحرك لتحقيق أحلامنا وطموحاتنا.. بيخلينا نتمسك بالحياة.. يمحى ظلام اليأس من حولنا.

فقدان الأمل هو الموت البطيء هو أن تعيش  كالآلة وتترك الظروف التى صنعها اليأس تتحكم بك.. إنك تستسلم للضلمة وتنسى النور بداخلك وتبطل تحاول تكون أفضل.