الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 96

لغة الجينات 96

“مافيش” أسوأ من “خيبة الأمل”.. الشعور بالخذلان.. الإحباط.. التعرض لصدمات وإخفاقات.. كلها أمور بتأثر على أصحاب الجينات الأصلية بشكل مباشر، ممكن تدفعهم لحافة الانهيار.. بتخليهم يشعروا بالغربة واليأس.



 فى الظاهر يبدو متماسكين عندهم أمل ..وفى الباطن عايشين  تجربة الفرق بين اللى كانوا بيحلموا به ويأملوه ويطلبوه لأنفسهم وللناس وبين ماتحقق على أرض الواقع..معاناة حقيقية فتأثير خيبة الأمل كبير جدًا.

فى أوقات خيبة الأمل والخذلان بنواجه صعوبات شديدة فى التعايش.. بنكون محتاجين أمل حقيقى يخرجنا من هذه الحالة  أمل نستعيد به قوانا ونقدر ننهض من جديد.. أمل يخلصنا من الشعور القاتل بالفشل وأنه “مافيش أمل” .. “فخيبة الأمل” بتفقد الإنسان قدرته حتى على الاستمتاع بأى شىء.. ورؤيته للأمور بتكون مشوشة، وكل ما يحتاجه فى هذه اللحظات فقط هو إنجاز حقيقى  يرمم ما يمكن ترميمه حتى لا تتصدع روحه أكثر وتؤدى إلى انهيارات عميقة تؤذى كل شىء حولها”.

“خيبة الأمل” ممكن تنتج يأسًا قاتلًا لدى الأفراد والجماعات.. فهى قادرة على تعطيل الإرادة الإنسانية.. إجهاض الحلم.. وتسويد وتظليم النظرة إلى المستقبل.. تجعلك تستسلم  لواقع مرير تتمنى  فيه الرجوع إلى ما قبل الأمل... وممكن كمان تنتج أملًا جديدًا حقيقيًا يصحى ضميرنا وإنسانيتنا ويخلينا قادرين على صناعة الحياة... لكن ده مشروط بإرادة جمعية حقيقية قادرة على الحلم وبث الأمل من خلال حلول واقعية قابلة للتحقق وليست وعودًا وردية لاتفرز إلا المزيد من الخذلان.

“خيبة الأمل” شعورقاس لايفرح به ويسانده ويدافع عنه إلا أصحاب الجينات الخبيثة..فى الظاهر بيقدموا لك أملًا وهميًا مشوهًا مخلوقًا من رحم المعاناة والخذلان وبيحاولوا طول الوقت إقناعك بخطئك وتقصيرك وأنك سبب ما أنت فيه من خيبة.

وفى الباطن متآمرين وخونة يبحثون عن مصالح شخصية ضيقة ومكاسب قريبة ملوثة من خلال تقديم آمال جديدة مغرية.. آمال بألوان زاهية تخطف القلب والعين لكن مستحيلة التحقق لأنها نوع جديد من المسكنات والتى ستؤدى إلى الخذلان.. نوع جديد لن يقدم سوى المزيد من خيبة الأمل.

أسوأ مافى خيبة الأمل والخذلان أنها تأتى من أكثر الناس قربًا لك.. وده بيخلق عندك إحساس عميق ومؤلم.. مشاعر  مُزعجة معاناة وأذى نفسى كبير.

أسوأ ما فى خيبة الأمل أنك مشارك فيها  بسقف توقعات مُرتفع.. بحسن الظن والطيبة.. بتخليك عن حذرك وتسليم رقبتك لشخص آخر.. تسليم ممكن يكون فيه نهايتك على طريقة الأسد سلطان ومدربه محمد الحلو.

“خيبة أمل” محمد الحلو فى أسده سلطان دفع حياته  ثمنًا لها.. وخيبة أمل الأسد سلطان فى مدربه “محمد الحلو” دفعته لقتله  وقتها  شعر”سلطان “ أن مدربه  بيساند غريمه “جبار” فى معركته للفوز بأنثى فى موسم التزاوج .

حكاية مثيرة جدًا حصلت فى الثمانينيات من القرن الماضى وكتب عنها الدكتور الراحل العظيم مصطفى محمود فى كتابه “رأيت الله”.

الحكاية بتقول: إن محمد الحلو كان بيثق فى الأسد”سلطان” اللى رباه ودربه بنفسه ثقة عمياء.. والأسد لايستجيب لأحد إلا لمحمد الحلو.. ثم جاءت خيبة الأمل والخذلان.

“خيبة” أمل سلطان بدأت فى موسم التزاوج بين الحيوانات، صراع شديد  بين الأسدين (سلطان وجبار) على الفوز بأنثى الأسد فى السيرك القومى..  المدرب محمد الحلو  بيتدخل ويوقف الصراع اللى كان فيه سلطان متفوق وقرب يفوز بحبيبة القلب.. وقتها شعر سلطان بالخذلان بخيبة الأمل وأن مدربه بيفضل “جبار” عليه.. وفى أول فرصة قتله.. وقف الحلو بعد العرض يحيى الجماهير وظهره لسلطان فلم يتردد لحظة فى القفز عليه وقتَله غدرًا فى أحد عروض السيرك القومى بالقاهرة.

القصة بدأت أمام جمهور غفير من المشاهدين فى السيرك حينما استدار محمد الحلو ليتلَقَى تصفيق النظارة بعد نمرة ناجحة مع الأسد “سلطان”، وفى لحظة خاطفة قفز الأسد على كتفه من الخلف وأنشب مخالبه وأسنانه فى ظهره، وسقط المدرّب على الأرض ينزف دماً ومن فوقه الأسد الهائج، اندفع الجمهور والحُرّاس يحملون الكراسى وهجم ابن الحلو على الأسد بقضيب من حديد وتمكن أن يخلص أباه  لكن بعد فوات الأوان.

“خيبة أمل” المدرب فى سلطان كان ثمنها حياته لكن الغريب أن الحلو بنفسه أوصاهم على سلطان.. طلب أن مافيش حد يقتله ولا يعاقبوه ويحاولوا يدربوه من جديد..  وكانت آخر كلمة قالها “الحلو” وهو يموت: “أوصيكو ما حدش يقتل” سلطان “والوصية أمانة ما حدش يقتله”!

مات “محمد الحلو”  فى المستشفى بعد ذلك بأيام، أما الأسد “ سلطان “ فقد شعر بالغربة باليأس ..دخل فى حالة اكتئاب شديدة رفَض الطعام،ورفض الحياة نفسها .. حتى الأنثى اللى كانت السبب فى الكارثة رفضها وضربها وطردها من القفص .

وقتها قرر مدير السيرك نقل “سلطان” إلى حديقة الحيوان باعتباره أسدًا شرِسًا لا يصلح للتدريب، وفى حديقة الحيوان استمر سلطان على إضرابه عن الطعام، قدموا له أنثى.. ضربها فى قسوة!! وطردها ورجع لعزلته واكتئابه.

شعور جديد ظهر على ىسلطان.. الندم..  وأخيرًا انتابته حالة جنون، بدأ  يعضّ جسده، ويقطع ديله بأسنانه، والأكثر إثارة وغرابة أنه بدأ يعض اليد اللى اغتال بها مدربه.. راح  يأكل منها فى وحشيّة، وظل يأكل من لحمها حتى نزف ومات واضعًا بذلك خاتمة لقصة  خيبة أمل وندم من نوع فريد.

اعلم أنك السبب الحقيقى خلف هذا الألم، وهذه النتيجة القاسية، أجل، أنت من سمح للآخر أن يسيطر على أفكارك ومشاعرك، وسلوكك أيضًا، أنت من رفع سقف التوقعات لأبعد الحدود، أعطى أكثر مما ينبغى، فوجد ما لا يستحق. ومن هنا، كانت خيبة الأمل.. ويكون الخذلان.