الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
النيل عين الحياة

النيل عين الحياة

فى مثل هذا التوقيت من كل عام يبهرنى نهر النيل العظيم.. كانت دائمًا تساورنى الشكوك عن هذا الرافد الجميل الذى خلقه الله رحمة لكل الدول التى يمر فيها بداية من  المنبع ـــ مرحلة سقوط الأمطار ـــ وانتهاءً بدولتنا دولة المصب. 



الكتابة عن نهر النيل تحتاج إلى الوضوء بماء هذا النهر الطاهر أحد أنهار الجنة فى الأرض.. حاولت أن أغير مقالى هذا الأسبوع وأكتب عن أى قضية أخرى نطرحها للنقاش لم أستطع أن أبتعد عن ماء نهر النيل، أحد أهم أسباب الحياة التى خلق الله منها كل شىء عندما قال فى كتابه الكريم فى آيات متعددة ذكرت فيها كلمة الماء مرات عديدة منها :«وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ﴿٢٢ البقرة﴾

الأسبوع الماضى كنت على موعد مع صحبة طيبة قامة قانونية عظيمة وأصدقاء أعزاء.. الصديق المستشار الخلوق وهو ابن الأكرمين يشتهر عنه وعن والده ــ رحمة الله عليه ــ الكرم الحاتمى بعد واجب الضيافة قمنا بنزهة طويلة داخل النهر العظيم بداية من نادى اليخت حتى المعادى.. ربطنا اللنش بالقرب من جزيرة وسط النيل وجلسنا لمدة ساعة كاملة نستمتع بالهواء العليل وماء النيل الجميل.. مددت واغترفت شربة من المياه الجارية شعرت بسعادة غامرة وحمدت الله على هذه النعمة.. نعمة النيل الذى يفيض بالخير كل عام فى هذا التوقيت. 

نهر النيل هو سر الحياة بالفعل فى مصر، ولا أبالغ عندما أقول: إن مصر بدون ماء نيلها لا يمكن أن تستمر فى هذه الدنيا.. كنت قد كتبت عدة مقالات العام الماضى عن النيل خاصة أن لهذا النهر معى ذكريات لا تموت بمرور الأعوام والسنين. 

يرجع سر عظمة نهر النيل إلى تكوينه الطبيعى حيث  ينحدر من الجنوب إلى الشمال حاملًا معه الماء والطمى الذى حول مصر من صحراء جرداء إلى جنة خضراء ولقد اقترن هذا العامل بجهد المصريين فعملوا على استغلال مياهه  فأقاموا المقاييس وشقوا الترع وشيدوا السدود والجسور وقد تعلم المصريون الكثير من القيم التى غرسها النهر عندما شق طريقه فى هذه الأرض الطيبة ونما على ضفتى الوادى والدلتا الحضارات القديمة ,وجاد النهر مع الأرض الطيبة بالخيرات فى الزروع والثمار وعلى الرغم من تأكيد القيادة السياسية على أن مصر لا يمكن أن تفرط فى حصتها المائية التى لم تتغير منذ سنوات طويلة عندما كنا  ٢٠ مليونًا وأصبحنا الآن ما يقرب من ١٠٠ مليون وزيادة.. الحقيقة التى لا شك فيها أن النيل سيستمر فى الجريان وسيتدفق من الجنوب إلى الشمال ولن تعطش مصر يومًا بإذن الله. 

طالعت أحد التقارير الإخبارية عن نهر النيل  وفيه عرض موجز  لكتاب «النيل إحدى عجائب الدنيا الطبيعية» وقد بدأ  الكتاب بفصل عنوانه «نهر النيل أصله وتطوره» يسجل فيه الجيولوجى والمفكر المصرى رشدى سعيد أن النهر لا يكف عن التطور وأنه غير مجراه عدة مرات ثم استقر على هيئته الحالية «شكله ومجراه» منذ عشرة آلاف سنة وأنه بلغ منسوبه الحالى فى عهد الدولة الحديثة التى يطلق عليها مؤرخون وأثريون عصر الإمبراطورية المصرية (نحو 1567-1085 قبل الميلاد) التى تأسست كحكم وطنى بعد طرد الغزاة الهكسوس.

وقسم علماء المصريات والمؤرخون تاريخ البلاد إلى فترة مبكرة تزيد على أربعة آلاف عام قبل الميلاد ولم يؤرخ لها ثم توحدت مصر جغرافيًا وإداريًا تحت حكم مركزى نحو عام 3100 قبل الميلاد على يد الملك مينا مؤسس الأسرة الفرعونية الأولى.

وفى عصر بطليموس الثانى الذى حكم مصر تقريبًا بين عامى 284 و246 قبل الميلاد قسم الكاهن مانيتون أشهر المؤرخين المصريين تاريخ البلاد إلى 30 أسرة حاكمة منذ توحيد مصر حتى الأسرة الثلاثين التى أنهى حكمها الإسكندر حين غزا مصر عام 332 قبل الميلاد.

 تيرى إيفانز الأستاذ بجامعة كمبردج يتحدث عن النيل فيقول: إن سجلات دورة الفيضان السنوى نقشت على عمود حجرى كبير فى عصر الأسرة الأولى وأنه “لسوء الحظ” عثر على قطع صغيرة فقط من ذلك العمود الحجرى وأكبرها “حجر باليرمو” الموجودة حاليًا فى متحف باليرمو.

ويربط بين الجفاف وتدهور أنظمة الحكم فى مصر القديمة بما يمنح النهر أهمية استراتيجية للبلاد.

فيقول :إن مصر مرت بما يسميه عصر الظلام الأول مرجحًا أن السبب هو عجز النيل عن الوفاء بفيضانه لمدة نحو 25 عامًا فى نهاية الأسرة السادسة “وانهيار الدولة القديمة” التى تلاها ما يطلق عليه المؤرخون عصر الانتقال الأول بداية من  عام 2181 قبل الميلاد.. نهر النيل هو روح وعين الحياة لهذا الوطن.. تحيا مصر.