الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 99

لغة الجينات 99

علم النفس يصف بعض أنواع «العناد» بالاضطراب السلوكى.. ويقول إنه  غالبًا بيكون بلا هدف أو وعى ودون تفسير الأسباب... عناد وتعالٍ وتكبر وتجبر.. دون هدف واضح.. فقط جينات خبيثة تتحكم فى الشخص تدفعه للعناد والتعالى والتكبر والتبجح.. فى الظاهر بيقدم نفسه للناس من باب «ولا يهمنى.. مافيش حد يقدر يعمل لى حاجة.. أنا فوق الناس» وفى الباطن أمن العقاب فأساء الأدب.



«العنيد المتكبر» لايرى فى الناس سوى تابعين تافهين ..غوغاء لايستحقون عبقريته الفذة.. فاسد ومفسد ويريد أن يسبح الناس بحمده.. وأن يكون الكل فسدة مثله.. لايتردد فى الظهور علنًا لاستفزاز المشاعر.. والإعلان عن قوته وسيطرته وجبروته.. علاقاته المتشعبة  حتى وهو بعيد  عن المنصب والجاه.

«العنيد المتكبر الذى أمن العقاب فأساء الأدب» شخصية مستفزة.. لا يرضيه شىء.. موهوب فى إحباط كل من حوله.. يتمسك برأيه ومواقفه بشدة.. يرى أنه دائمًا على حق.. هو الوحيد الذى يفهم والباقى أغبياء لابد أن يتبعوه ويوافقوا على آرائه طوال الوقت.

«العنيد المتكبر الذى أمن العقاب فأساء الأدب» مغرور يدعى المثالية ولايفوت فرصة للنهب كما لايفوت فرصة لإثبات أنه الأفضل سواء فى الحياة أو العمل... يمتاز بالبجاحة.. المجاهرة بكل الموبقات «رشوة أو سرقة».. يسعى خلف مصلحته فقط دون الاعتبار للصالح العام.

«صاحب الجينات الأصلية » لايعرف العناد ولا التكبر.. يعيش بالبساطة والتواضع .. لايجاهر بالخطأ ولا يرى الناس لا شىء.. لايتردد فى الاعتذار لو أخطأ. «زكى رستم» واحد من أصحاب الجينات الأصلية.. عاش بسيطًا محبًا للناس ورحل فى هدوء بعد حياة مليئة بالدراما.. شخصيته فى الحقيقة لم تشبه أى من أدواره المتعددة.

فى الظاهر زكى رستم حاد الملامح والطباع... ملامحه الحادة الصارمة والقوية، جعلته يتقن أدوار الشر، وفى الباطن قلب أبيض تربية قصور وابن باشاوات محب لدرجة الوله.. يتقدم لفتاة جميلة يحبها.. يرفضه أهلها لأنه مجرد «مشخصاتى» خرج عن تقاليد العائلات الراقية التى ترى الفن عيبًا.. يحزن وتحزن حبيبته وتنهى حياتها.. تنتحر فيصب بعقدة نفسية واكتئاب شديد.. يظل وفيًا لحب عمره ويعيش أعزب حتى آخر يوم فى عمره.

يعتز بنفسه لأبعد الحدود ولدرجة أنه يضرب صباح بالقلم على وجهها أمام العاملين بفيلم «هذا ما جناه أبى»، وذلك بعدما ضحكت عليه خلال اندماجه فى تصوير أحد المشاهد أمامها.

يهب حياته للخير وتكتشف أسرته عقب وفاته أنه كان متكفلًا بـ٢١ طفلًا يتيمًا فى دار الأيتام بحى الزمالك وكان يقوم بتقسيم دخله بينه وبينهم ويقوم بزيارتهم أسبوعيًا، وحزن الأطفال عليه كثيرًا عند وفاته عام 1972.

«زكى رستم» فى الظاهر شخص قوى الشخصية وقوى الجسد.. فاز بالمركز الثانى فى بطولة مصر لرفع الأثقال عام 1923.. وفى الباطن متواضع مسالم لأبعد الحدود عشق الفن ورفض من أجله دخول كلية الحقوق والتى كان يطلق عليها وقتها كلية الوزراء فخريجوها من صفوة المجتمع..  طردته والدته من قصر جده الباشا عندما عاد فجرًا من المسرح يرتدى باروكة، فطبقًا للعادات والموروثات القديمة التى كانت سائدة فى عصره، كان العمل «مشخصاتى» يجلب العار.. والدته كات تخشى «كلام الناس»، تخاف ألا يتقدم أحد من أولاد الأسر العريقة للزواج من ابنتيها «شقيقتا زكى رستم».. طردته فخرج ببساطة وهدوء شديد  وعاش وحيدًا حتى مات.

«البساطة» نفسها والتى عاش بها زكى رستم طوال حياه ودخل من بابها الفن.. هى التى دفعت مجلة بارى ماتش الفرنسة لوصفه برائد مدرسة الاندماج ومن أفضل 10 ممثلين عالميين.

«مدرسة الاندماج» التى جعلت كل النجمات تخاف من الوقوف أمامه.. وحكت الفنانة الكبيرة هدى سلطان أنه أثناء تصوير مشاهد فيلم «حميدو»، كان أحد مشاهد الفيلم يقتضى أن يضربها بالقلم على وجهها بعد أن يكتشف أنها أبلغت عنه البوليس، وكان ذلك فى نهار رمضان وأثناء الصيام.

ولم يكد زكى رستم يهوى بيده على وجه هدى سلطان حتى وقعت على الأرض وأغمى عليها وفقدت النطق، فساد الوجوم والصدمة كل الموجودين بالاستديو، وحاولوا إفاقة هدى سلطان ولكن محاولاتهم باءت بالفشل، فاضطروا لاستدعاء الإسعاف.

كل هذا والفنان الكبير زكى رستم لا يستطيع التحدث من شدة الصدمة والمفاجأة والخوف من أن يكون تسبب فى إصابة هدى سلطان  بمكروه... وبعد محاولات عديدة استطاع رجال الإسعاف إفاقة هدى سلطان بعد مرور أكثر من ساعة.

وبعد أن تمكنت الفنانة الكبيرة من الكلام قالت: «معلشى يظهر إنى مرهقة وماستحملتش علشان الصيام»، فرد عليها  الكبير زكى رستم: «ياشيخة نشفتى دمى يعنى الصيام هو اللى دوخك مش أنا».. وانفجر كل من فى الاستديو بالضحك.

«الواقعية» التى كان يتقنها زكى رستم هى التى دفعت شركة «كولومبيا الأمريكية» أن تقدم له سيناريو ليكون بطل أحد أعمالها.. وببساطة شديدة رفض.. رفض أن يكون بطلًا فى فيلم عالمى يفتح له أبواب هوليوود والشهرة العالمية.. رفض ولم يتاجر برفضه  ولما سألوه عن السبب  قال بغضب «مش  معقول اشتغل فى فيلم يُعادى العرب».

«البساطة» التى عاش بها  هى من دفعته لقبول وسام العلوم والفنون من الرئيس جمال عبدالناصر.. رغم أن ناصر نفسه هو من صادر نصف أملاك عائلة زكى رستم لأن جده كان من كبار ملاك الأراضى الزراعية.

«البساطة» نفسها خرج بها العملاق الكبير زكى رستم من الفن.. فضل الابتعاد.. لم يعاند أو يكابر أو يتبجح.. أصيب بضعف حاسة  السمع فى نهاية عمره.. تغلب على الحكاية فى البداية بقراءة الشفايف وعندما عجز عن المواصلة ابتعد فى بساطة وهدوء وقضى مابقى من عمره مع خادمه الأمين وكلبه الذى يحبه.

اعلم أن صاحب الجينات الأصلية يتواضع عن رفعة وعزة نفس وكرامة.. وصاحب الجينات الخبيثة لئيم لايتواضع ويتقرب إلا عن احتياج، وإذا استغنى تجبر وتكبر.