أ.د. رضا عوض
شخصيات إسلامية الإمام الشافعى
هو عالم العصر، وناصر الحديث، وإمام قريش، والإمام المجدد، وأحد أبرز أئمّة أهل السنة والجماعة عبر التاريخ، وثالث الأئمة الأربعة وصاحب المذهب الشافعى فى الفقه الإسلاميّ.
ويُعَدّ مؤسّس علم أصول الفقه، وهو أول من وضع كتابًا لأصول الفقه سماه «الرسالة» وله عدة مؤلفات أخري.
وهو أيضاً إمام فى علم التفسير وعلم الحديث، وقد عمل قاضياً فعُرف بالعدل والذكاء، وكان شاعرا واشتهر شعره بالحكمة.
هو أبو عبدالله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمى القرشى المطلبي، ويلتقى نسبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عبد مناف، وكان أبوه قد هاجر من مكة إلى غزة بفلسطين بحثا عن الرزق لكنه مات بعد ولادة محمد عام (150هـ/ 767م) بمدة قصيرة فنشأ محمد يتيما فقيرا، ولما بلغ سنتين قررت امه العودة وابنها الى مكة حتى لا يضيع نسبه، فأتم حفظ القرآن وعمره سبع سنين، وعرف بشجو صوته فى القراءة، ولحق بقبيلة هذيل العربية لتعلم اللغة والفصاحة. وكانت هذيل أفصح العرب، ولقد كان لهذه الملازمة أثر فى فصاحته وبلاغة ما كتب، وبلغ من اجتهاده فى طلب العلم أن أجازه شيخه مسلم بن خالد الزنجى بالفتيا وهو لا يزال صغيرا. حفظ الشافعى وهو ابن ثلاث عشرة سنة تقريبا كتاب الموطأ للإمام مالك ورحلت به أمه إلى المدينة ليتلقى العلم عند الإمام مالك، وذهب الشافعى إلى الإمام مالك، فلما رآه الإمامُ مالكٌ قال له: يا محمد اتق الله، واجتنب المعاصي، فإنه سيكون لك شأن من الشأن، إن الله قد ألقى على قلبك نوراً، فلا تطفئه بالمعصية.
ولازم الشافعى الإمام مالك ست عشرة سنة حتى توفى الإمام مالك (179 هجرية) وبنفس الوقت تعلم على يد إبراهيم بن سعد الأنصاري، ومحمد بن سعيد بن فديك وغيره، وبعد وفاة الإمام مالك سافر الشافعى إلى نجران واليًا عليها ورغم عدالته فقد وشى البعض به إلى الخليفة هارون الرشيد، فتم استدعاؤه إلى دار الخلافة سنة (184هجرية) وهناك دافع عن موقفه بحجة دامغة وظهر للخليفة براءة الشافعى مما نسب إليه وأطلق سراحه. وفى أثناء وجوده فى بغداد اتصل بمحمد بن الحسن الشيبانى تلميذ الإمام أبى حنيفة وقرأ كتبه وتعرف على علم أهل الرأي، ثم عاد بعدها إلى مكة وأقام فيها نحو تسع سنوات لينشر مذهبه من خلال حلقات العلم فى الحرم المكى ومن خلال لقائه العلماء فى أثناء مواسم الحج. وتتلمذ عليه فى هذه الفترة الإمام احمد بن حنبل، ثم عاد مرة أخرى إلى بغداد سنة (195 هجرية)، وكان له بها مجلس علم يحضره العلماء ويقصده الطلاب من كل مكان. فلبث بها سنتين ولازمه خلال هذه الفترة كبار أصحابه وهم أحمد بن حنبل، وأبو ثور، والزعفرانى ثم غادر بغداد إلى مصر. وظل الإمام الشافعى فى مصر ولم يغادرها، يلقى دروسه فى جامع عمرو بن العاص، فمال إليه الناس وجذبت فصاحته وعلمه كثيرا من أتباع الإمامين أبى حنيفة ومالك. وبقى فى مصر خمس سنوات قضاها كلها فى التأليف والتدريس والمناظرة والرد على الخصوم، وفى مصر وضع مذهبه الجديد وهو الأحكام والفتاوى التى استنبطها بمصر وخالف فى بعضها فقهه الذى وضعه فى العراق، وصنف فى مصر كتبه الخالدة.
جاء الشافعى والجدل مشتعل بين مدرستين أساسيتين فى الفقه الإسلامى هما مدرسة الرأي، ومدرسة الحديث، فقد نشأت مدرسة الرأى فى العراق وهى امتداد لفقه عبدالله بن مسعود ثم أبو حنيفة النعمان الذى فاق أقرانه وانتهت إليه رئاسة الفقه، وتقلد زعامة مدرسة الرأي، وأما مدرسة الحديث فقد نشأت بالحجاز وهى امتداد لمدرسة عبد الله بن عباس، ومالك بن انس، فأخذ الشافعى موقفا وسطا، وحسم الجدل الفقهى القائم بينهما بما تيسر له من الجمع بين المدرستين بعد أن تلقى العلم وتتلمذ على كبار أعلامهما مثل مالك بن أنس من مدرسة الحديث ومحمد بن الحسن الشيبانى تلميذ أبى حنيفة النعمان من مدرسة الرأى.
وكان الإمام الشافعى حسن الخلق، محببًا إلى الناس، نظيف الثياب، فصيح اللسان، شديد المهابة، كثير الإحسان، كما كان جميل الصوت فى القراءة. ألحَّ على الإمام الشافعى المرض وأذابه السقم، وفى هذه الحال، دخل عليه تلميذه المزنى فقال: كيف أصبحت؟ قال: «أصبحتُ من الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقًا، ولكأس المنيَّة شاربًا، وعلى الله جلَّ ذكره واردًا، ولا والله ما أدرى روحى تصير إلى الجنة فأهنِّئها، أو إلى النار فأعزِّيها»، ثم بكى.. وتوفى الإمام الشافعى ودُفِنَ بالقاهرة فى أول شعبان، يوم الجمعة سنةَ 204هـ/ 820م.