الأربعاء 18 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

واحة الإبداع

شَكَلَّ ومجانص

الأعمال للفنان عمار شيحة



يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة أو خواطر «على ألا تتعدى 550 كلمة» مرفقا بها صورة شخصية على الإيميل التالى:

[email protected]

 

شَكَلَّ ومجانص 

 

قصة قصيرة

 

كتبها - أشرف غازى

 

كانا صديقين مخلصين لبعضهما البعض وأى إخلاص، شَكَلَّ هذا كان نحيل جدًا ولا يكاد يُرى، عظام صدره بارزة وواضحة، وجهه شاحب كشحوب الموتى، حتى أن الذى يراه يُشفق عليه من فرط ضعفه وهزلانه ، ولكن ربما عوضه الله عن هذا الجسد النحيل بلسان طويل وعقل حاضر. 

أما مجانص فيا لتعس حظه أن تقوده الأقدار ليقع فى طريقه، كان عريض الأكتاف كمحارب يونانى قديم، له ساعدان يفوقان سواعد المصارعين ضخامة، وجسد فى جملته مليء بالشحوم ولكنها شحومٌ تشد من عضد العضلات فيبدو جسدًا مترهلًا ذا قوة وصلابة، أما  الوجه فما أشقانى بالوصف، وبرغم أنه فى المرحلة الإعدادية إلا أنك تشعر وكأنك أمام طفل رضيع، له صدغ رجراج كلما مشى اهتز اهتزازات ظاهرة، وله أسنان عجيبة! كأن كل أسنانه العلوية قد اختزلت فى سنتين اثنتين عريضتين وكأنه أرنب بري، وإذا ما صعدنا أعلى الوجه لوجدنا جبهة عريضة وشعر معكوف على نفسه يشكل حلقات، وكأن الله قد وهبه بسطة فى الجسم وقلة فى العقل، إذا ما افترصنا أن له عقلًا من الأساس. 

هكذا كانا شَكَلّ ومجانص، كانا مختلفين فى كل شىء، الجسد والعقل والملامح ولكن لم يعرف الحى كله صداقة مثل صداقة شَكَلّ ومجانص فى الوفاء والإيثار والتضحيات الجسام، ولم يكن يُرى أحدهما دون صاحبة وكأنهما ملتصقان .

كان شَكَلّ أستاذًا فى ابتداء المشاكل وفرضها بالقوة ثم ينسحب من المشكلة بهدوء ليدخل مجانص دون تفكير فينهيها، إن المعارك الضارية عند مجانص لأهون بكثير من التكفير وإرهاق ذهنه فيما لا طائل من ورائه، وما هى سوى دقائق معدودة ويخرج مجانص ظافرًا مُظفرا ويمشى بجواره شَكَلّ فى خُيلاء وزهو ناظرا فى أعين زملاءه الذين افترشوا الأرض من جراء ركلات مجانص، ما أشد غطرسة المنتصر حين انتصاره وما أشد انكسار المهزوم حين هزيمته. 

ذات يوم اشتاقت نفسيهما لأكل التين الشوكى ولم يكن معهما ثمنه، وكان بالحى امرأة اشتهرت ببيع التين فلم تكن تبيع غيره وتنتظر قدومه من العام إلى العام، حتى أنهم أطلقوا عليها  سنية تين، فكر شَكَلّ فى حيلة يحصلان بها على بضع حبات من التين يتبلغون بها وترضى نفوسهم الملتاعة فتطمئن وتسكن، أمر شَكلّ مجانص بالتقدم نحو مشَنَّة التين واختطاف واحدة ثم يفر هاربا، لم يفكر مجانص كعادته بل انطلق كالسهم الذى خرج من قوسه نحو مشَنَّة التين وخطف واحده وفر مسرعًا فما كان من سنيه إلا أن تهرول خلفه وخلعت نعلها ورمته به وهى تطلق نحوه وابلًا من السباب واللعنات، أما شّكلَ فجلس بهدوء أمام المشَنَّة وراح يملأ الكيس الأسود الذى بحوزته ثم اعتدل وسار فى هدوء وتؤدة.

أتى شَكَلّ ذات يوم مُتجهم الوجه حائر النفس وكأنه قادم على مصيبة لا خلاص منها، والتفت إلى صديقه فوجده يُطبق بكلتا يديه على رغيف عيش ملفوف بداخله جبنه قريش حتى خُيل إليه أن الرغيف يئن وجعًا وأشاح بوجهه مبتعدًا عن هذا المشهد وكأنه قد صرف رأيه عن فكرة دارت بخلده ،لكن سرعان ما عاد ببصره مرة أخرى ثم قال فى حزم لمجانص: - أنا على وشك الفصل من المدرسة والناظر قد أبلغنى بعدم  الحضور إلا برفقة ولىّ امرى وسوف تقوم أنت بمقام وليّ أمرى فلا غضاضة من تعنيفى وتوبيخى أمام الناظر إذا ما لزم الأمر، فأطرق مجانص بسمعه ثم هز رأسه بالموافقة. 

فى صباح اليوم التالى أصطحب شَكَلّ مجانص وذهبا معًا قاصدين غرفة الناظر وما أن فُتح الباب ورأى مجانص الناظر جالسًا خلف مكتبه حتى إندفع كالثور الهائج فحمل شَكَلّ فوق رأسه ورمى به على  الأرض فانطلقت من شَكَلّ صرخات مدوية، فانقض عليه مجانص مُكملا ما بدأه فأمطره بالركلات واللكمات وهو يهدده ويتوعده بأنه سيُفعل به هكذا كلما اختلق مشاكل أو اقترف جُرمًا. 

اجتمع الناظر وأعضاء هيئة التدريس ليخلصوا شَكَلّ من بين يدى مجانص ولم يستطيعوا هذا إلا بعد مشقة وإستعطاف، فخرج شَكَلّ بصحبة مجانس وهو يجر قدميه والدماء تسيل من وجهه بينما ينظر لصديقه ولسان حاله يقول:عدو عاقل خيرٌ من صديق جاهل.