شِبل الأسود أمير الجيوش

من أعظم العلوم الدنيوية فى كل العصور بعد الكتب السماوية التى نزلت على أهل الأرض.. يأتى التاريخ على رأس معظم العلوم التى توثق حياة الشعوب والأفراد والعادات والتقاليد لكل الأمم. 

منذ عدة سنوات كنت فى زيارة لمدينة الشهداء، وتحديدًا ضريح أحد قادة الجيوش الأكابر والذى استشهد فى إحدى المعارك الكبرى مع الرومان فى مدينة الشهداء.. المسجد كان فى احتياج إلى توسعة وكذلك الضريح وحجرة أخوات الأمير المجاورة للمقام من الداخل، هذا المكان قبلة منذ عشرات السنين لسياح المزارات والأضرحة من شتى بقاع الأرض يأتى إليه الزوار من المغرب والأردن والعراق وبعض الدول العربية ودول شرق آسيا حتى الهند وقد شاهدت ذلك على مرور سنوات زيارتى لهذا المقام. 

 سيدى شبل الأسود هو محمد بن سيدنا الفضل بن سيدنا العباس رضى الله تعالى عنه، فلقد شرف الله مصرنا العزيزة بأن جعلها كنانته فى أرضه، وجعل جنودها خير أجناد الأرض، وحباها بنخبة من أهل بيته.. المصادر والمراجع التاريخية ذكرت  أن سيدنا الفضل بن العباس بن عبد المطلب قد سافر من المدينة المنورة إلى بلاد الحبشة فى السنة الثامنة للهجرة للتجارة، أدرك حاكم الحبشة فضل سيدنا الفضل بعد تعرض الملك لمرض كان شفاؤه على يدى سيدنا الفضل، فوهب له جاريته-  تسمى ميمونة- هدية له فأعتقها وتزوجها، وأنجب منها سيدنا محمد بن الفضل فى العام التاسع الهجرى وعندما علم سيدنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - طلب رؤيته مع والده الفضل وعندما رآه مع والده أخذه بيده الشريفة ومسح على رأسه بيده وقبله فى فمه وقال - صلى الله عليه وسلم - اعلم يا فضل أن ولدك هذا اسمه كاسمى وبذلك سمى محمد شبل الأسود كما رزق الله سيدنا الفضل بسبع بنات من السيدة ميمونة الحبشية أخوة لسيدنا محمد بن سيدنا  الفضل بن سيدنا العباس رضى الله عنهم.

وقيل فى بعض الروايات التاريخية : إن الإمام الحسن والإمام الحسين قد حملاه إلى السيدة  فاطمة الزهراء فأرضعته فصار للإماميين أخًا فى الرضاعة  ما زاده شرفًا على شرفه وأصبح محسوبًا على آل البيت إضافة إلى قرابته من الأب إلى  سيدنا رسول الله، وقد رزق سيدنا الفضل سبع بنات من سيدتنا ميمونة. 

وعرف الناس الأمير محمد بن الفضل، فارسًا شجاعًا تخشاه الوحوش وتفر منه الجيوش، حتى جاء اليوم المعهود وأرسله الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه على رأس قيادة الجيوش إلى مصر، لكى يدافع عن هذه الأرض وأهلها من بطش الرومان فى ذلك الوقت.. بعد هذا المدخل التاريخى لواحد من عظماء القادة والصحابة الكرام الذين شرفت بهم مصر وتحديدًا محافظة المنوفية وبعد زيارة سريعة الأسبوع الماضى لمسجد سيدى شبل فقد وجدت خلية من العمل تجرى على قدم وساق لترميم المسجد والضريح وإحلال وتجديد دورات المياه على أحدث طراز بتكلفة تصل إلى ما يقرب من سبعة ملايين من الجنيهات حتى يظهر هذا المكان مرة أخرى بشكل يليق بأهله من الشهداء الذين قدموا أرواحهم من أجل الدفاع عن مصرنا الغالية من بطش المعتدين على أهلها. 

نحن فى هذا العصر فى أشد الاحتياج إلى دراسة سير الأولين من أولياء الله الصالحين وآل البيت رضى الله عنهم، حتى نستطيع أن نحصن أبناءنا من التيارات السلفية والإخوانية المتشددة والتى ظهرت بكل وضوح ما بين عامى ٢٠١١ و٢٠١٢ وقد حاولت تغيير المفاهيم الروحية التى يتمتع بها معظم المصريين فى المحبة والتسامح ورفض العنف والتطرف قولًا وفعلًا. 

وما يحدث فى هذا العصر من اهتمام القيادة السياسية ووزارة الأوقاف فيما يتعلق بعمليات التجديد والتحديث والتطوير لمعظم مساجد آل البيت وأولياء الله الصالحين فى ربوع مصر كلها من علامات البِشر والخيرِ والسرورِ وإن دل على شىء فإنه يؤكد أن هذه الدولة لن تقع وستظل مرفوعة الهامة لأنها تهتم ببيوت الله فى الأرض وهى المساجد.. المعادلة بسيطة للغاية وهى معروفة وثابتة فى كل زمان على أرض مصر كلما زاد القرب من محبة الأولياء والصالحين انتشرت الرحمة والمحبة بين الناس.  تحيا مصر.