السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
 القيم غير المباشرة

القيم غير المباشرة

لا أحد يستطيع أن ينكر أن القيم التى يتحلى بها الإنسان هى من نتاج البيئة المحيطة به، البعض يرجع بعض من هذه القيم إلى عوامل وراثية بحتة، والبعض الآخر ينكر هذا تماما وهو جدل مستمر لا ينتهى حيث يستطيع كل طرف من الطرفين التدليل على صحة اعتقاده من خلال ضرب العديد من الأمثلة، وبغض النظر عن مدى صحة هذا المعتقد- الخاص بعوامل الوراثة فقط- إلا أن العقل والمنطق يشيران إلى أن عوامل التربية والاحتكاك والمواقف التى يتعرض لها الإنسان فى سنوات عمره الأولى هى الأكثر تأثير الا شك.



أما عن الأسلوب المباشر لمحاولة زرع قيم ما فى ضمائر النشء فإنها وبالرغم من وضوحها بصورة مباشرة مثل أن يتم تلقينهم تلك المبادئ بصرة مباشرة مثلما جاء فى تعاليم الحكيم الفرعونى بتاح حتب من عينة «لا تكذب، لا تسرق، لا تلوث النهر....إلخ) أو كما جاء فى الوصايا العشر التى تلقاها سيدنا موسى عن ربه من عينة «لا تسرق، لا تزني،... إلخ) إلا أن فاعليتها تبقى محدودة مقارنة بالأسلوب غير المباشر الذى يرصده النشء من خلال ما يقوم به الأهل من تصرفات، فعلى سبيل المثال قد يستمر الأب قى ترتيب عبارات التحذير من الكذب على اذان أبناؤه لسنوات عدة ثم يقوم هو شخصيا بفعل قد يراه بسيطا فينسف هذه القيم تماما، مثل أن يقرع أحدهم الباب فيوجه الأب أحد الأبناء إلى فتح الباب والادعاء بأن الأب غير موجود فى المنزل أو أنه يخلد إلى النوم أو غيرها من التبريرات الكاذبة.

أمر مشابة وربما آراه أكثر خطورة يحدث حاليا من خلال شبكات التواصل الاجتماعى وخاصة من خلال المنشورات الساخرة الباعثة على الضحك والتى يطلق عليها Memes وهى منشورات على شكل صور فوتوغرافية أو مرسومة يتم من خلالها السخرية من أمر ما مثلما تنتشر منشورات فى الصباح تتناول حالة الموظف فى مساره من المنزل إلى محل العمل أو تتحدث عن وصوله إلى مقر العمل متأخرا، أمر مشابه نراه فى المنشورات الخاصة بالطلبة والتى تتناول إهمال البعض لدروسه أو قيامه بالغش بأساليب مبتكرة وضاحكة وغير ذلك الكثير وهى ما ترسخ فى الأذهان قيم شديدة السلبية ومستهجنة إلى حد كبير، ولكن مع تكرار وضعها فى اطار ساخر قد يشعر المتلقى أن هذا الأمر منتشر، وليس على هذا القدر من الرفض المجتمعى بل قد يشجع البعض على القيام بهذه الأفعال للفوز بموقف ضاحك فى الحياة الواقعية مشابه لما جاء بالمنشور.

أما أخطر تلك المنشورات التى ترسخ لقيم سلبية وتتم بنفس الطريقة أيضا ما هو مرتبط بالانتماء إلى الوطن أو الاعتقاد فى أخلاق مواطنيه أو قدرتهم على العمل والإنجاز والاتقان أو ما قد يمس بعض المعتقدات الدينية، فيسهل الخطيئة ويغلفها بطبقة من العسل اللذيذ أو يفعل العكس مع الطاعة ويغلفها بغلاف من السم الزعاف.

لا أدرى على وجه الدقة كيف يتسنى لنا وللأجيال الجديدة النجاة من براثن تلك الأساليب شديدة الخطورة والضرر ولكن فى جميع الأحوال فإننا يجب أن نطبق النظرية القائلة بأن العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة لذلك فإنه يتعين علينا جميعا نشر القيم الإيجابية بالطرق المباشرة وغير المباشرة بمعدلات كبيرة تفوق معدلات نشر السلبيات.. لعل وعسى.