الإثنين 4 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
 شاهد على انتصار أكتوبر المجيد(1)

شاهد على انتصار أكتوبر المجيد(1)

لن أنسى عندما التحقت بالقوات المسلحة ملازم أول طبيب لأخدم بالسرية الطبية فى تشكيل مدرع متمركز فى وسط سيناء، وذلك عام 1965 حيث تعلمت اسس الحياة العسكرية التى تعتمد على انكار الذات والانتماء الخالص للوطن وحماية ترابه وشاهدت قيام قائد اللواء وضباطه وأفراده بالتدريب شبه اليومى للوصول لأعلى درجات الاستعداد لخوض اي معركة ضد العدو مستقبلا وزيارة رئيس أركان القوات المسلحة لنا وإشادته بالمستوى القتالى المتميز الذى وصل اليه اللواء، وكان ذلك فى شهر مايو  عام 1967.



لن انسى عندما صدرت الينا الأوامر يوم 13 مايو سنة 1967 برفع درجات الاستعداد إلى الدرجة القصوى، وذلك استعدادا لمواجهه العدو عند الضرورة، عندما حشد قواته على الحدود السورية كما زعمت المصادر الإعلامية فى ذلك الوقت، وفوجئنا فى الخامس من يونيو بالهجوم الإسرائيلى، ثم قرار القيادة بالانسحاب المشئوم من أرض سيناء الغالية، والذى كان سببا فى هذه النكسة، فلم يكن هناك مواجهة مباشرة مع العدو بالرغم من المستوى العالى للكفاءة القتالية للتشكيل المدرع الذى كنت أخدم به قائدا ثانيا بالسرية الطبية للتشكيل. بعد الانسحاب من سيناء، تمركز التشكيل المدرع بعد ذلك فى موقع بجوار مدينة السويس حيث شاهدت أقسى مشهد رايته، وهو معاناة أهل السويس، عندما بدا العدو بقصف مدينة السويس بالمدفعية خصوصا منطقة الذيتية، وتصاعدت الحرائق فى كل مكان وبدا أهلها فى الهجرة الجماعية الى القاهرة مستخدمين كل وسائل الانتقال من السيارات والعربات الكارو إلى السير على الأقدام.

لن أنسى عندما التحقت بعد هذه الحادثة بمستشفى بورسعيد العسكرى للخدمة هناك، وكان ذلك بعد أول حدث قلل من قسوة الهزيمة وهو اغراق المدمرة ايلات بواسطة أبطال القوات البحرية المصرية البواسل وغرق عدد كبير من أفراد طاقمها، حيث أمرنى قائد المستشفى أنا وبعض الزملاء بالذهاب إلى شاطئ بورسعيد لاستقبال جثث العدو من طاقم المدمرة “إيلات” والتى لفظتها أموج البحر لتسليمها للصليب الأحمر الدولى، وكان لهذا الحدث أثر كبير فى نفسى فحينها أيقنت أن النصر قريب بإذن الله.

 لن انسى عندما التحقت بالقوات الجوية عام 1968 وفى بداية حرب الاستنزاف، وشاهدت أبناءنا الطيارين يتسابقون للتدريب على المقاتلات بحزم واصرار يوميا، وذلك من أول ضوء بعد الفجر مباشرة حتى غروب الشمس، ونال الشهادة عدد من نسور الجو البواسل فى عمليات التدريب أثناء حرب الاستنزاف، وكنت اصطحب الطيارين بعد حوادث الطيران للترويح عنهم وتقليل تأثير هذه الحوادث عليهم إلى المدينة القريبة من القاعدة الجوية التى نخدم بها، فلا أنسى كلمات الشهيد ملازم طيار عبدالله عندما قال لى لن أذهب إلى أى مكان للترويح عن النفس الا بعد تحقيق النصر على العدو، فأيقنت أن النصر لقريب مع وجود أبناء لهذا الوطن بهذه الروح المعنوية العالية مع قوة الانتماء والإصرار على التدريب الشاق لتحرير الوطن.

لن أنسى الفرحة التى كانت تغمرنا بالهجمات  شبه اليومية التى كانت تقوم بها وحدات القوات المسلحة من قوات الصاعقة والأسلحة الأخرى والهجمات التى تمت فى سيناء، وعلى ميناء ايلات بواسطة قوات الضفادع البشرية لقواتنا البحرية، وعملية ميناء دكار بواسطة المخابرات المصرية.

لا أنسى عندما أعلن الرئيس الراحل محمد أنور السادات عام 1972 أنه يفكر فى تطهير وفتح قناة السويس للملاحة الدولية، فحينها قال «موشى ديان» وزير الدفاع الإسرائيلى حينذاك إذا قررت مصر فتح قناة السويس فنحن مشاركون فى تشغيل القناة حيث إننا نمتلك الضفة الشرقية من القناة، فكان هذا القول بمثابة خنجر فى قلبى وقلب كل مصرى مما زاد على إصرارنا على الاستمرار فى التدريب الشاق لاستعادة أرض سيناء الغالية.

لا أنسى أيضا تلاحم شعب مصر العظيم مع قواتنا المسلحة فقد تحمل هذا الشعب أعباء كثيرة نفسيا واقتصاديا ومعنويا فكل موارد الدولة كانت توجه لدعم المجهود الحربى، وكان لكل أسرة بطل فى الجبهة انتظارا لمعركة النصر وتحرير سيناء الغالية ورد كرامة شعب مصر العظيم.