الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
موقف الثقافة والأدب من الطبيعة والتغيرات المناخية

موقف الثقافة والأدب من الطبيعة والتغيرات المناخية

منذ الحرب العالمية الثانية وتفجير القنبلة النووية وقد تصاعدت بقوة الدراسات الثقافية والأدبية المرتبطة بالطبيعة والحفاظ عليها ومقاربة التغيرات المناخية أو التحولات الأخرى فى البيئة والمناخ والتكوين الجغرافى والحيوانى والتنوع النباتى والتلوث وغيرها من الظواهر التى تعكس هواجس الإنسان المثقف تجاه الطبيعة وكوكب الأرض المهدد بهذه المخاطر والتحولات الصعبة الناتجة عن الثورة الصناعية وما يعرف بثقافة النفط ونقله عبر البحار والمحيطات والتزايد السكانى والنزعات الاستهلاكية والتوسع فى استخدام الكمياء والتجارب الحربية والنووية وغيرها الكثير.



إذن كان الإبداع الأدبى والإنتاج الثقافى بأشكاله المختلفة من سينما وفن تشكيلى متجاوبا مع هذه الهواجس بل كان يمثل ضميرا حقيقيا لهذه المخاوف الإنسانية، فعبر الأدباء سردا وشعرا عن هذه المخاوف وتناولوا كثيرا من تحولات الطبيعة وكانت الطبيعة محورا لكثير من الأعمال الأدبية فى أوربا وأمريكا وبعض دول آسيا مثل كوريا واليابان، وتكاثف العمل على هذه الهواجس والمخاوف المرتبطة بالطبيعة وتحولاتها فى النقد الأدبى وبعض النزعات الفلسفية وتشكلت منذ تسعينيات القرن الماضى نظرية نقدية كاملة الأركان تعرف بالنقد البيئى Ecocriticismأو Ecological Literary Theory وصدرت فيها كثير من المؤلفات والكتب التى نقل بعضها إلى اللغة العربية مؤخرا جدا ومع الأسف دون أن يكون لها صدى واسع أو استيعاب وتلقى جيد ومبشر فى ثقافتنا العربية وإبداعنا الأدبي، وربما أخشى أن أقرر بقدر من الصراحة أن هذا مؤشر حاسم وواضح على تراجع الفكر النقدى لدينا وربما تراجع الثقافة بشكل إجمالي.  هنا تتجلى أهمية التفكير النقدى وتطور الفكر الفلسفى والنظرى الذى يمكن أن يمهد لهذه الاهتمامات ويرسخها لدينا ويلح عليها حتى تصبح الطبيعة هاجسا لدى الأدباء والمبدعين وليخرجوا من دوائر الاهتمام المألوفة أو المعتادة والضيقة والمتكررة وربما الثابتة منذ مئات السنين، إن الانشغال بالطبيعة والبيئة هو انشغال بالمستقبل بالأساس، وربما يكون من سمات العقل المتأخر التلفت إلى الوراء والانحباس داخل أسوار الماضى وسجونه الفكرية وقضاياه. لا يعنى هذا أن الطبيعة أو البيئة ليست حاضرة فى الإبداع الأدبى والثقافى العربي، بل على النقيض من هذا نجد لدينا حضورا عميقا للطبيعة والبيئة بوصفها مكونا جماليا من جانب وبوصفها هاجسا من جانب آخر، بل الطريف أن الشاعر العربى القديم جدا فى العصر الجاهلى كان مشغولا بالطبيعة وبالتغيرات المناخية وتحولات البيئة ومشاكلها وعلاقاتها المتشابكة مع السلوك الإنساني، وفى دراسته العميقة (التفسير الرمزى للشعر القديم) الصادرة مؤخرا عن الهيئة العامة للكتاب يقارب أستاذنا الراحل الدكتور أبو القاسم رشوان فكرة البكاء على الأطلال مقاربة عميقة تكشف هذه الهواجس والشواغل البيئية والطبيعية لدى الشاعر الجاهلى واستمر ذلك فى مراحل الأدبى العربى كافة، لكن الاهتمام النقدى والفكرى والمقاربة النقدية هى التى فيها كثير من الإشكالات وتعانى من التأخر الشديد، فليس هناك دراسات تطبيقية مهمة وكثيفة وذات حضور حقيقى تلح على هذه الظواهر والشواغل المرتبطة بالبيئة والطبيعة لدى الأديب العربى سواء فى السرد أو الشعر وسواء فى الأدب القديم أو الحديث أو المعاصر، إلا عدد قليل جدا، فمثلا نجد أن الأديب الكبير الدكتور محمد المخزنجى يغلب على خطابه القصصى منذ مجموعته الشهيرة أوتار الماء ومرورا بمجموعة صياد النسيم ووصولا إلى مجموعة رق الحبيب مهجوسا بالطبيعة وتحولات البيئة وتغيراتها وعدوان الإنسان على النبات والحيوان والمحميات الطبيعية وفى سرد أدبى فارق ومحمل بجماليات كثيفة ومتعددة وفى سرد فى غاية العفوية، وحتما قد نجد هذا لدى بعض الأدباء والكتاب الآخرين، وقد درست بعض أعمال الدكتور محمد المخزنجى من هذا المنظور البيئى أو النقد البيئى على مدار السنوات القليلة الماضية، وحتما توجد أعمال أدبية كثيرة فيها هذه الهواجس البيئية والطبيعية وفيها توظيفات مهمة ولكن قد لا يكون التفاعل النقدى دون المستوى وهو ما نأمل أن يتزايد ويتصاعد ويكون هناك قدر من التحرر من العقل النقدى التقليدى وأن نركز على الجوانب الإنسانية العامة فى الممارسات الأدبية والنقدية وأن تكون هناك نقلة حقيقية تتناسب مع الوعى السياسى الذى يبدو واضحا أنه سباق وأكثر تفاعلا وحساسية فى مقاربته للوضع الإنسانى وللسياقات العالمية المستجدة، وربما يكون هذا هو الطريف لأن المعتاد أن الأدب والخيال دائما ما يكون سباقا ورائدا.