الثلاثاء 3 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الديالكتيك

الديالكتيك

الديالكتيك هى كلمة يونانية تعنى الجدل أو الحوار بين طرفين، ولذلك يطلق عليها أحيانا لفظ «الجدلية» للتعبير عن نفس المعنى، كثيرًا ما نرى بعض المتحذلقين يستخدمون هذا اللفظ فى موضعه أو فى غير موضعه بغية إضفاء درجة من العمق على ما يتعرضون له من الأمور مهما كانت تافهة، وعلى الجانب الآخر يستخدمها بعض المثقفين ودارسي الفلسفة بحكم العلم والدراسة.



وفى أصول النقاش والجدل بين طرفين حول موضوع ما أو فكرة ما أو مبدأ ما نجد أن كل طرف من الطرفين يوضح وجهة نظره، ويسوق الأدلة والبراهين للدلالة على صحة ما يقول، وقد يتطور الأمر إلى الاستدلال ببعض الأدلة والبراهين على خطأ الفكرة المطروحة من الطرف الآخر، وفى الحقيقة أنه مهما كان الموضوع مهما أو تافهًا فإن هذا الأسلوب الديالكتيك يكون دائمًا هو الأسلوب المتبع ولا أقصد هنا أن الجدل أمر سيئ أو مذموم فالنقاش واثارة الرأى والرأى الآخر بغية معرفة الحقيقة لهو من الأمور المحمودة دائما شريطة أن يكون طرفى النقاش على درجة عالية من الثقافة والمعرفة والصدق والموضوعية، أما إن كان أحد الطرفين غير ذلك أو كان الطرفان لا يعلمان عن الأمر شيئا أو لا يتسمان بالصدق والموضوعية فإن الجدل يتحول إلى عبث حقيقى ومضيعة للوقت والجهد بل قد يتطور الأمر إلى السباب، وربما الاشتباك بالأيدى أحيانا.

الحقيقة أن وصف الديالكتيك بأنه هو الجدل أو المناظرة بين طرفين بغية انتصار أحدهما على الآخر هو مفهوم منقوص للديالكتيك، حيث إنه من المعلوم أن أغلب الأمور هى أمور نسبية وأقل القليل منها هى الأمور المطلقة، وعليه فإن الديالكتيك يعتبر كل تلك المفاهيم أجزاءً من حقيقة عامة يُعبّرُ كل جزءٍ منها عن جانبٍ واحدٍ أو أكثر من الكلمة، ولذلك فإن المهارة تكمن فى محاولة التوفيق بين الآراء ومحاولة وضعهم جنبا إلى جنب واعتبارهم مجرد أجزاء تسهم فى رسم الصورة الكلية.

الأمثلة كثيرة على التقارب بين وجهات النظر مع تغليب أحدهما على الآخر وأقول تغليب وليس إنكارا أو نفى وهو ما نتعرض له كثيرًا فى حياتنا اليومية فعلى سبيل المثال تجد من يذم فى شبكات التواصل الاجتماعى ويعدد من أضرارها ومخاطرها وينادى بإغلاقها أو الامتناع عن الدخول فيها، فيما تجد على الجانب الآخر من لا يذكر إلا مميزاتها وكيف أنها ساعدت فى توثيق الصلات بين الأهل والأصدقاء وساعدت فى تواصلهم بصورة فعالة، والحقيقة أن الحقيقة تشمل وجهتى النظر فلا يوجد من ينكر أن لها بعض الفوائد، كما أن لا أحد ينكر أن لها الكثير من العيوب أيضا وعليه فإن الديالكتية السليمة تقضى بقبول هذا الرأى وذاك، ولكن يجب ألا يتوقف الأمر عند مرحلة القبول فقط بل يجب أن يتعداها إلى وضع حلول لتعظيم الفائدة وتلافى الضرر تماما، مثلما قد يتجادل شخصان حول خطورة أو أهمية السكين بين من يراها أداة للقتل وبين من يراها اداة مهمة لعمل وجبة طعام شهية.