الإثنين 29 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
السلطعون الناسك الجمعى

السلطعون الناسك الجمعى

فى كتاب بعنوان «نظام التفاهة» للدكتور آلان دون، تعبير ساخر يصف به مشاهدى التلفاز بأنه يحولهم إلى كائنات اجتماعية جديدة أطلق عليها هذا التعبير،فبالرغم من أن التلفاز يتيح لهم الاطلاع على المستجدات التى تحدث محليا وعالميا كما أنه يتيح لهم الاستماع إلى الخطابات والنقاشات التى يديرها المثقفون والمفكرون إلا أن الإفراط فى تلك المشاهدة يحولهم إلى «سلطعون» منعزل عن الواقع الاجتماعى الحقيقي،فالسلطعون الناسك Hermit Crab فى تعريفه عبارة عن كائن بحرى قشرى صغير يشبه السرطان ويعيش مختبئاً فى قشرة حلزونية كحماية له من الكائنات البحرية الأخرى التى قد تهاجمه ويستمر فى العيش داخل هذه القشرة حيث يتحرك ويتغذى من داخلها فلا يخرج منها أبدًا.



تذكرت هذا التعبير- وهذا المشهد - وهو الذى أثار لدىّ ذكريات قديمة عن تأثير طول مدة مشاهدة التلفاز ونصيحة الأهل بتقليل تلك المدة للحفاظ على النظر والسلامة العقلية، وقارنت تلك التنبيهات القديمة بما نراه اليوم من إدمان لشبكات التواصل الاجتماعى التى تختلف عن نمط مشاهدة التلفاز السابق الإشارة إليها فى أن التفاعل هنا يكون ثنائى الاتجاه وليس أحادى الاتجاه مثلما كان الحال عند مشاهدة التلفاز، ولكن بالفعل التأثيرات الناجمة لا تختلف كثيرا فمع طول مدد الاستخدام يتحول الإنسان - الاجتماعى بطبعه - إلى كائن منعزل قليل الحديث المباشر، خجول وملول عندما تضطره الظروف إلى التفاعل مع البشر الطبيعيين فبعد دقائق معدودة يشعر بحاجته إلى جرعة جديدة من مخدر التواصل الاجتماعى مما يدفعه إلى ترك البشر المحيطين به والانغماس داخل تلك الشبكات محدثًا بعينيه ومنتبهًا بأصابعه إلى شاشة التليفون الصغيرة الزرقاء 

والمشكلة أن الجميع يعرف أنه يعانى و أنه فى ورطة وأن تلك الورطة ناجمة عن هذا الانغماس والإدمان، ولكن ما من تحرك فى اتجاه العلاج إلا قليلًا من المستخدمين الذين يتمتعون بقدر من الوعى والإحساس بالخطورة ،أو هؤلاء الذين أصيبوا بالفعل بانهيار عصبى أو توترات حقيقية فى علاقاتهم الاجتماعية وفى قدرتهم السابقة على التفاعل مع البشر.

وإلى أن ينتبه الباقون ستظل البشرية تحتوى على ٣ مليارات سلطعون ناسك على الأقل يمثلون إجمالى أعداد مستخدمى تلك الشبكات.