شابوه كوميديا موسيقية استعراضية راقية فى مواجهة قيم الفن الاستهلاكية
هند سلامة
«شابوه».. مصطلح درج استخدامه على مواقع التواصل الاجتماعى نتيجة الانفعال الزائف واللحظى بأعمال فنية عديمة القيمة والأثر؛ أصبحنا نعانى اليوم من انتشار وتضخيم تلك الأعمال التى جاءت نتيجة مجتمع استهلاكى يقدم المادة على المحتوى الفنى؛ ثم تجلى هذا الاستهلاك وامتد إلى الوعى الجمعى؛ فأصبح النقد مرادفا له؛ وبالتالى نسمع وتتكرر مصطلحات الإشادة بعمل هنا وعمل هناك؛ خاصة فيما يتعلق بالمنافسة الجماهيرية فى مديح الدراما الرمضانية وجاءت كلمة «شابوه» لتلخص هذا المستوى الضحل من التلقى الجماهيرى السريع الانفعال بهذه الأعمال صاحبة النجاح اللحظى.
تضاءل حجم الأعمال الفنية الجيدة على مدار سنوات متتالية نظرا لإيقاع العصر الحالي؛ تظهر وتختفى الأعمال بسرعة خاطفة فهى قريبة من ايقاع عصرها اللاهث وراء الكسب المادى غاضا الطرف عن مضمون ومحتوى العمل الفنى المقدم للجماهير؛ أدرك شباب العرض المسرحى «شابوه» تلك الأزمة الطاحنة التى تمر بها صناعة فنية كاملة؛ قرر أحمد محيى الممثل والمؤلف والمخرج أن يتناول هذه القضية فى المصطلح «الشابوه» كناية عما سبقت الإشارة إليه؛ تدور فكرة العرض حول مؤلف مسرحى متمسك بتقاليد المسرح التى تربى عليها والتى ستضمن له الخروج الآمن بعمل جيد الصنع على مستوى الكتابة الفنية والوقت الكافى لقراءة المسرحية والبروفات؛ لكنه يصطدم بالواقع ويتعرض للتهكم والسخرية من نجوم العرض زملائه القدامى بالمسرح الجامعى؛ والمخرج والمنتج الساعين بالأساس لإنجاز هذا العمل السريع للتفرغ لارتباطاتهم بأعمال أخرى؛ يبدو على المؤلف ضيقه وفزعه مما آل إليه وضع الفن خاصة فى صناعة المسرح؛ ويدخل فى صراع للمحافظة على ما كتب من نص متماسك؛ فالمخرج يسعى لإضافة أشياء تحول العرض من عمل كوميدى متماسك إلى عرض أقرب للتهريج أو الإسكتش؛ ويدخل فى صراع دائم مع المؤلف ولا يقبل الخضوع لرغبته فى تنفيذ ما كتب من عمل مكتمل الأركان.
«شابوه» يتناول أزمة جيل كامل من المخرجين والمؤلفين والممثلين الذين تربوا بالمسرح الجامعى؛ ثم اصطدموا بعالم السوق الفنى؛ الذى يرفض أشكال المسرح التقليدية أو المسرح فى قالبه المتعارف عليه.. من بناء العمل والاستعداد له لفترة زمنية كافية ثم مواجهة الجماهير وعرضه على المسرح لفترة زمنية أخرى؛ بينما يسعى السوق الحالى لإنتاج عدد أكبر من الأعمال المصورة سريعة التحضير والجرأة على مواجهة الجمهور بتلك السرعة الخاطفة؛ مما جعل معظمها يظهر ويخفت مثل الفقعات سريعة الزوال إما على المنصات أو لارتباطها بمواسم مسرحية محددة؛ وبالتالى انتقص المسرح وفقد أهم أركانه النسج والغزل والتشكيل للخروج بمنتج جيد الصنع.
كان شباب العرض على وعى كاف بهذه الأزمة الكبرى؛ كتبها محيى بألم مؤلف شاب يعانى حقا من السوق اللاهث وراء المادة؛ غير مكترث للمحتوى الفنى وللجمهور سريع الانفعال بهذه الأشكال الفنية سريعة الذوبان؛ كتب «شابوه» نتيجة هذا الوجع الفنى الذى أصبح يشغل جيلا من الشباب اضطروا للتنازل عن مبادىء صناعة الفن بشكله المتعارف عليه لمجاراة حسابات السوق الذى يشغله بالمقام الأول المكسب والخسارة؛ ثم ظهور فتاة «التيك توك» والتى يفرضها عليهم المنتج كوجه جديد صالح للقيام بأدوار مهمة لتمكنها الدائم من تحقيق «الترند» على السوشيال ميديا!
تكمن أهمية هذا العمل فى ابتعاده عن الاستعانة بقوالب مسرحية تقليدية؛ فلم يسع المخرج ومؤلف العرض إلى الاستعانة بأحد النصوص الكلاسيكية المعروفة أو اللجوء إلى إعادة كتابة أو الأخذ عن؛ رأى فى الواقع ما هو أشد وأكثر عمقا وجذبا فى ضرورة مناقشته وتناوله فنيا وطرحه على الجمهور ليعرض عليهم ويذكرهم بما فقدناه من قيم فنية وكيف تم استبدالها بقيم استهلاكية بحتة؛ استطاع أن يعبر عن واقعنا فى قالب كوميدى استعراضى بسيط التناول عميق المضمون بذكاء ومهارة واحتراف غزل كوميديا راقية فى عمل متماسك دراميا تجمعه وحدة واحدة لا يشرد صناعه عن فكرته الأساسية لمجرد وضع افيهات وكسب المزيد من الضحك؛ انضبط العمل فى مشاهده واتسق بين تتابع الضحك والدراما والاستعراض؛ عمل يقوم بتشريح الواقع الحالى بعيدا عن اللجوء إلى الاستعانة بأعمال متماسة مع هذا الواقع.
يعرض «شابوه» يوميا على خشبة مسرح مركز الإبداع الفنى ويعد العرض امتدادا للمشروع الذى ينفذه المخرج خالد جلال بإنتاج عروض مسرحية لخريجى ورشة مركز الإبداع من دفعاتها المختلفة؛ وفى هذا العمل شارك عدد من خريجى المركز من دفعات متفرقة على رأسهم أحمد محيى مخرج ومؤلف العرض ولاعب دور المخرج «التافه» الذى لا يقبل ورق المؤلف ويدخل فى صراع دائم معه ثم ميشيل ميلاد فى دور المؤلف والذى قدمه ميشيل بثقل فنى ومهارة واحتراف كبير بين صعود وهبوط شخصيته وتنقلها بين الكوميديا والتراجيديا بخفة ورشاقة المحترفين تصعد وتهبط شخصية ميشيل بين النقيضين كما شكل مع محيى ثنائية صراع رسمت حالة من الكوميديا عميقة الأثر؛ ثم محمد المحمدى فى دور النجم بطل العرض والذى أصبح يجارى منطق السوق ناسيا ما تربى عليه من أصول وتقاليد مسرحية بالجامعة سحبته الشهرة والنجومية إلى عالمها الزائف يعيش فى صراع آخر مع صديقه المؤلف القديم؛ لعب محمدى دوره بمهارة كبيرة وتنقل وتجول بين شخصية النجم المأخوذ بمظاهر وسحر الشهرة وبين الطالب الجامعى الساعى للنجومية والذى كان يبذل جهدا فى تقديم شخصيات ثرية فنيا مثل كاليجولا ومسرحية الدخان؛ تنقل محمدى بين هذه الحالات بسلاسة ونعومة شديدة وخبرة ممثل محترف؛ ثم أميرة عبدالرحمن التى شاركته حالة الهوس بالشهرة وهى قادمة أيضا من عالم المسرح الجامعى الذى تناسته؛ لعبت اميرة بخفتها ورشاقتها الحركية المعهودة شخصية النجمة الحائرة بين الانصياع للمؤلف حبيبها القديم والذى استدعته من الذاكرة حتى تمحو شعورها بالذنب تجاهه وبين حياتها الحالية المقيدة بالشهرة والنجومية والأموال؛ ثم محمد حسيب فى دور المنتج اللاهث وراء المادة وتحقيق الترند الرجل المتوافق مع العصر الحالى بكل معطياته الاستهلاكية؛ وعادل الحسينى فى دور صديق الجامعة القديم الذى لم تمنحه الحياة فرصة الظهور والشهرة مثل زملائه برغم أنه لا يقل مهارة عنهم رضى بكونه موظفا فى هذا المسرح الذى أصبح يتراجع على يد المتحكمين فيه؛ وألحان المهدى وفرح عنانى اللتان لعبتا دور ابنة هذا الرجل الموظف بالمسرح بخفة وروح ورشاقة بالتمثيل والأداء الحركي؛ ومريم محروس فى دور فتاة التيك توك؛ اتقن كل هؤلاء معا بروح جماعية واحدة تنفيذ وتقديم هذه الحالة الفنية المعبرة عن واقعنا الحالى بذكاء واقتدار كبير؛ ساهم فى الإضافة لهذه الحالة المسرحية الصورة السينوغرافية التى خرج بها العرض من ملابس وديكور خاصة فى جزيرة الجنيات وتصميم الإستعراضات التى تخللت مشاهد العرض المتفرقة؛ وبالتالى قدم المخرج أحمد محيى مع فريق عمله عرض مكتمل الأركان فى عناصره بدءا من الكتابة ونهاية بشكله الفنى المتكامل ثم تأليف الأغانى والألحان التى ابدعها أحمد محيى مع المؤلف الموسيقى أحمد كيكار؛ العرض ديكور محمد زكريا؛ تصميم استعراضات شيرين حجازي؛ ستايلست شيماء القاضى؛ إضاءة أحمد عبدالتواب ووليد فوزى.






