الأحد 10 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
عن الرُعب والضحك

عن الرُعب والضحك

مع بداية الوعى للحياة ومايحدث فيها، يبدأ الإنسان فى اكتشاف عدد من الأحاسيس والمشاعر، بالطبع تبدأ بالأمور الحسية من ألم وجوع وعطش وشبع وارتواء ثم يتم بعد ذلك إضافة عدد من المشاعر مثل الغضب والحزن والفزع والرعب والاطمئنان والسعادة وخلافه وغالبًا ما يرتبط بها مجموعة من الأفعال كالبكاء والتوتر والضحك والارتياح، الإحساس بالرعب ربما يبدأ مع حمل الطفل الصغير ورفعه إلى أعلى أو سماعه للأصوات العالية مرورًا بالنهر والتهديد بالعقوبة، يشمل الأمر أيضًا التهديد بالإتيان بـ«أبورجل مسلوخة» أو الزج به إلى «غرفة الفئران» والعجيب أن الإحساس بالرعب هنا يكون نتيجة أسلوب التهديد وذلك قبل حتى أن يتعرف عن معنى أن تكون الرجل مسلوخة أو ماهية الفئران وماذا تستطيع أن تفعل.



ينتقل الرعب بعد ذلك إلى الحكايات التى يقُصها الزملاء فى المدرسة وهى غالبًا ما تدور حول الجن والعفاريت وزيارة المقابر ليلًا ومقابلة «الراجل أبورجل غزال» ثم ننتقل إلى مرحلة الأعمال السينمائية  تدرجًا من أفلام مثل «الطيور» للمبدع الفريد هيتشكوك أو “Evil Dead” و«حديقة الديناصورات» وغيرها حيث يتمثل الرعب فى الإحساس بالخطر جراء مخلوقات تثير هذه المشاعر سواء جراء الشكل أو الفعل الذى تقوم به وهو يتدرج فى الإيذاء الجسدى وصولًا إلى الموت والتمثيل بالجثث، يمكن أيضًا إضافة مستوى آخر من خلال مشاهدة أفلام لحوادث حقيقية واللحظات الأخيرة قبل الموت.

أما عن الضحك فالبداية قد تكون نتيجة أصوات يصدرها الأهل للطفل الصغير مرورًا بفعل «الزغزغة» ثم الانتقال إلى الحكايات الضاحكة التى تشتمل على مقالب وأفعال غير منطقية أو تتسم بالغباء بصورة مفاجأة وغير متوقعة وهو منطق النكت التى يتم إلقاؤها، يشمل الأمر أيضًا الأعمال الدرامية الكوميدية بأنواعها المتعددة مثل كوميديا الأخطاء وكوميديا المواقف-الفارس- وغيرها من الأنواع.

استمرت الأوضاع مستقرة ـ أو شبه مستقرة ـ مع ارتفاع طفيف فى مستويات الرعب والضحك حتى وصلنا إلى عصر المعلومات وتحديدًا إلى عصر شبكات التواصل الاجتماعى والتى تعرض فيها الإنسان إلى الكثير من الأخبار والأحداث والمنشورات المتتالية ومنها بالطبع ما هو مرتبط بمواقف صادمة ومرعبة أو تلك التى تثير الابتسام والضحك وهنا نجد أن معدل الارتفاع فى مستوى الرعب والإضحاك يتطور بسرعة رهيبة فربما ما كان يتم ويستغرق عشرات السنين فيما مضى لا يحتاج حاليًا إلا شهورًا قليلة ليتضاعف وهو ما نلحظه بسهولة عند محاولة استدعاء رعب الماضى أو ما كان يثير لدينا أحاسيس تدفعنا إلى الضحك والقهقهة.

المشكلة الحالية أن إنسان هذا العصر قد وصل إلى مستوى خطير من الامتلاء فلا شىء يصيبه بالرعب ولا شىء يدفعه إلى الضحك من القلب وهو نتيجة طبيعية لخراب الوجدان الذى أصيب به نتيجة إدمان استخدام مواقع التواصل الاجتماعى والذى تظهر تبعاته فى ازدياد معدلات العنف والاكتئاب.