السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أجواء هادئة فى افتتاح مهرجان أيام قرطاج المسرحية

تونس تتحول إلى مسرح كبير ينافس كأس العالم على استقطاب الجماهير

تونس - هند سلامة  



انطلقت فعاليات الدورة الثالثة والعشرين لأيام قرطاج المسرحية بمدينة الثقافة مسرح دار الأوبرا بتونس برئاسة الفنانة نصاف بن حفصية؛ ومنذ ساعة الانطلاق؛ دقت ساعة المسرح والإبداع فى تونس؛ تحولت العاصمة التونسية إلى ساحة مسرح كبير تستوعب الوافدين من داخل وخارج البلد لحضور ومتابعة فعاليات المهرجان الذى تتشكل وتتنوع على خشبته المزيد من الأعمال المسرحية المتباينة فى خفليتها الثقافية والإنتاجية ما بين عروض مسرح شارع؛ طفل؛ ومسابقة خاصة لعروض مسرح السجون؛ وأعمال مسرحية خارج وداخل المسابقة الرسمية ومع انتهاء حفل الافتتاح تفرق الجمهور بين قاعتى عرض مسرح مدينة الثقافة لحضور عرض «أنا الملك» إخراج معز حمزة؛ وقاعة الريو لحضور عرض «شوق» إخراج حاتم دربال؛ وكان التحدى الأكبر هذا العام تزامن فعاليات المهرجان مع بطولة كأس العالم والمفاجأة أن هذا التزامن لم يؤثر سلبا على الإقبال الجماهيرى والتزاحم والتنافس لحضور فعالياته.

انطلق حفل الافتتاح فى أجواء هادئة؛ اعتمد على الاحتفال الموسيقى بتقديم نوعيات موسيقية متفرقة ما بين فن الأوبرا الكلاسيكى والغناء العصرى قدم الحفل الإعلامى عماد دبور؛ وكرم المهرجان هذه الدورة من مصر الفنانة القديرة سهير المرشدى والتى احتفت بهذا التكريم على طريقتها الخاصة بعد حصولها على درع التكريم؛ اعتلت خشبة المسرح لتؤدى جزءا من مسرحية «الحسين ثائرا وشهيدا» لعبد الرحمن الشرقاوى والقت الجزء الشهير من المسرحية مونولوج «الكلمة» وأشارت أنها ساعدت الفنان الراحل كرم مطاوع أثناء تقديمها على المسرح القومي؛ استقبلها الجمهور التونسى بحفاوة شديدة وأخذ البعض يردد وراءها؛ كما كرم المهرجان أيضا سلوى محمد من تونس؛ محمد اليانقى تونس؛ أيمن زيدان سوريا؛ حبيب ديمبيلى مالي؛ قاسم بياتلى العراق؛ علاء الدين أيوب تونس..كما كرم المهرجان هذه الدورة دولة السنغال.

تتوزان وتتوازى فى الأهمية عروض المسابقة الرسمية مع العروض خارج التسابق؛ حتى أنه فى بعض الأحيان قد تتفوق عروض الهامش فنيا على العروض المشاركة ضمن المسابقة الرسمية؛ ومن هنا تكمن قوة وأهمية المهرجان الذى تعتبر المشاركة ضمن فعالياته جائزة واحتفاء بالعرض فى حد ذاته؛ وليس لمجرد التنافس على جوائزه الرسمية؛ بينما يكفى متعة ممارسة الفن والتفاعل مع الجمهور؛ شارك ضمن المسابقة هذه الدورة عروض «ضوء» إخراج الطاهر عيسى بن عربى تونس؛ «تائهون» إخراج نزار السعيدى تونس؛ «النسر يسترد أجنحته» السودان إخراج وليد عمر بابكر؛ «شمس ومجد» سوريا إخراج أسامة غنم؛ «انتيجون» الجزائر إخراج عقباوى شيخ؛ «المجوهرات» جمهورية الكونغو الديمقراطية إخراج ويليام شام ويتيش؛ «حدائق الأسرار» المغرب إخراج محمد الحر؛ «ايزدان» العراق؛ «هاملت بالمقلوب» إخراج مازن الغرباوى مصر؛ «لغم أرضي» إخراج جورج إبراهيم فلسطين؛ «كوكتيل شقف بلا معنى» إخراج جانا بو مطر لبنان.

«تائهون»

يطرح العرض قضية شديدة الحساسية والمعاصرة عن أزمة الصراع والهوية لدى شباب العصر الحالى والبحث عن الذات حالة من التيه يتعرض لها هؤلاء قد تدفعهم للعنف وارتكاب الجرائم والحماقات وأحيانا الانتحار؛ يتناول العرض قصة فتاة تدعى اشراق تقتل والدتها وتنكل بجثتها وتهرب تتحول هذه الحادثة إلى قضية كبرى يناقشها المجتمع والإعلام وأحد المسئولين عن حقوق الإنسان يطرح العرض مدى التشوه النفسى الذى يسببه الإعلام بادعائه وتناوله لقضايا من هذا النوع بشيء من الاستخفاف والاستعراض أكثر من البحث عن الحقيقة ومحاولة معالجتها؛ وكذلك المتحدثين باسم حقوق الإنسان هم مجرد مجموعة من المدعين المهتمين بتحقيق الشهرة والمصالح الشخصية على حساب ضحايا هذه القضايا والجرائم؛ قدم العرض هذه القضية بحساسية تمثيلية كبيرة لجميع المشاركين يراهن العمل على مهارة ممثليه ومخرجه فى تناول هذه القضية المعاصرة عن مواقع التواصل الاجتماعى وما تسببت فيه من تفشى حالة الإدعاء والاستعراض المجتمعى والاستخفاف بقضايا كبرى تنزع قدسية المشاعر فيما يتعرض له المجتمع من كوراث إنسانية وتحويلها إلى مجرد مادة للشعارات والمصالح الشخصية التى يجنى هؤلاء من ورائها مصالح كبرى بالتشدق واستعراض التعاطف المفتعل مع الجريمة وليس الفزع من تلك الحوادث غير المنطقية؛ حالة مسرحية شديدة الحساسية للواقع المشوه عالميا وعربيا قدمه أبطاله بمهارة وإبداع كبير.

حدائق الأسرار

شارك العرض المغربى «حدائق الأسرار» ضمن فعاليات المسابقة الرسمية للمهرجان يتناول العرض قصة أم وابنتها أو قضية الحب والإكراه على الزواج طبقا لتقاليد العائلات مما ينتج عنه فى النهاية أسرة مفككة وعلاقات اجتماعية خالية من الترابط والحب؛ يتزوج الأم والأب بالإكراه طبقا لتقاليد العائلة؛ وكذلك الفتاة بعد أن تبلغ سن الزواج يحاولون إكراهها؛ لكنها تهرب ليلة الزفاف وتلقى حتفها فى حادث أليم؛ تتناول القضية الأزمة الأزلية فى العلاقة بين الرجل والمرأة أى كانت الظروف التى أجبرتهما على الزواج والاستمرار معا؛ استخدم المخرج محمد الحر فى تناول تلك القضية تكنيك أقرب إلى المسرح الإذاعى من عمل درامى مكتمل الأركان؛ بمعنى آخر تم وضع أكثر من مكبر للصوت أحاط المسرح فى أماكن متفرقة مع حركة الممثلين وحديثهم للجمهور وقيام المخرج بدور الراوى خارج الحكاية والاستعانة ببعض الجمل الرنانة المتعددة المعانى والأشعار التى تحمل كلمات فضفاضة؛ كل هذه الأجواء الإلقاء واستعراض ابيات وجمل شعرية جعلت العمل أقرب لوصف حالة مسرحية من معايشة قضية واقعية؛ امتلك المخرج طاقات تمثيلية كبيرة لكنها كانت غير مستغلة لاعتماده على السرد القصصى والحكى الروائى والوصف أكثر من المعايشة الدرامية للعمل الفنى فهذا الشكل والتكنيك المسرحى قد يفصل المشاهد بشكل كبير عن معايشة القضية لانشغاله بالجماليات الشعرية والجمل الفضافضة التى تحمل معانى فلسفية؛ وهذا يجعلنا نتساءل لماذا أصبح يلجأ بعض المخرجين إلى استخدام هذا الشكل المسرحى الأقرب للإذاعة منه لتقديم صراع درامى يعتمد على مهارات الممثل واستغلالها بشكل جيد والمعايشة للحدث الفني؟!

لبؤات التاريخ

«شارك العرض الفلسطينى «لبؤات التاريخ» ضمن فعاليات المهرجان خارج التسابق بينما أقبل الجمهور على حضوره وبقوة؛ يتناول العرض قضية مثيرة ربما كانت فكرته الرئيسية أقوى من المعالجة الدرامية؛ قصة أم فقدت زوجها وأصبحت أرملة تعيش فى حالة من الرعب والخوف بعد أن ذهب زوجها الذى ظل فى عقلها غير الواعى مسيطرا عليها وعلى حياتها وكأنه لا يزال يحيا بينهما تخشاه وتهب أن تفعل ما كان يرفضه؛ وكأن ظله يطاردها بلا رحمة؛ تدرس ابنتها التمثيل وتقوم بعمل مشروع تخرجها حول عرض مسرحى بنفس الاسم «لبؤات التاريخ» يتناول العرض قضية نساء غيرن التاريخ مثل «زنوبيا» ملكة تدمر؛ «جميلة بوحيرد» التى اسمهت بشكل مباشر فى الثورة الجزائرية؛ «ليما جوبوي» المرأة التى أسست مع مجموعة من النساء «شبكة حفظ السلام فى ليبيريا» قادت اعتصام تاريخى لدفع المتناحرين إلى الذهاب لحفظ السلام بغانا عام 2003 وانهت الحرب؛ تحاول الفتاة الاستعانة بأشخاص لاسكتمال مشروعها الفنى ترفض الأم خوفا من الناس والجيران وبالتالى تضطر الابنة إلى الاستعانة بأمها لمساعدتها فى تقديم مشروعها الفنى تحدث مفارقات كوميدية لكن الأم تكتشف مع كل امرأة كيف كن هؤلاء النسوة أقوياء أشداء غيرن التاريخ وهى لاتزال أسيرة الخوف والرعب من هذا الرجل الراحل الذى لم يتبق منه سوى صورة فوتوغرافية قبيحة الشكل تعكس شخصيته الكريهه معها؛ ادى الممثلات الدور برشاقة ومهارة أسهمت فى تقديم عمل كوميدى أقرب للسخرية من واقع النساء المقهورات لكنه كان مباشرا فى رسالته إلى حد كبير وكما ذكرنا كانت الفكرة أقوى من التناول الدرامى للعرض المسرحى عزز من قوتها مهارة البطلتين التمثيلية.

شوق

قدم خارج التسابق أيضا العرض المسرحى «شوق» للدكتور حاتم دربال رئيس أيام قرطاج المسرحية السابق؛ والذى حرص على المشاركة هذا العام خارج مسابقته الرسمية عن العرض والتسابق قال دربال فى تصريحات خاصة.. «شوق» يعتبر أول عمل ما بعد فترة ادراة ايام قرطاج المسرحية؛ قررت القيام بدورى كمبدع واتمنى يكون العمل إضافة للمهرجان؛ العرض يحمل حساسية ذاتية خاصة بعد ما مررنا به الفترة الأخيرة من ظروف العزلة والكورونا والعودة من جديد باشتياق ولمسة وفاء لكل من غادرونا سواء من العائلة الفنية أوالوطنية أوالساحة المسرحية الثقافية والعربية؛ العرض كان رحلة جماعية مع الممثلين وورشة وجدل تحاور بين خشبة المسرح والمخرج؛ مأخوذ عن نص فرنسى «فقط نهاية العالم»؛ ما يعينى فى النص الفرنسى عودة الكاتب الذى اكتشف أنه سوف يموت بعد أن علم أنه مريض يخبر عائلته؛ من هنا توقفت عند فكرة موت المؤلف التى أصبحت ضرورية وأساسية بالنسبة لي؛ وهى من ابرز علامات المسرح التونسى مسألة موت الكاتب آخر السبعينيات قررت أن نفتح القبر حتى نعلم أسباب وفاة هذا الكاتب؛ موت الكاتب حتى يعيش تأولية النص بعدة مستويات محاولة فى الفهم والقراءة.

ويضيف.. العرض يتناول قصة رجوع ابن إلى عائلته المنزل الذى نشأ وتررع فيه حتى يخبر العائلة بقرب موعد وفاته المعلومة تكون لدى المتفرج لكنه لا يستطيع اخبار العائلة تبدأ ذكريات الماضى تطفو على الذاكرة فى تنافرهم ومحبتهم وعزلتهم وغيرتهم؛ كل المشاعر المتناقضة التى تجمع افراد عائلة واحدة إلى أن نكتشف فى النهاية انتقال الأحداث من المنزل فى المستشفى كان فى غيبوبة طويلة اختلطت فيه الأزمة والوجوه والأصوات نهاية المسرحية هى البداية داخل المستشفى تبدأ لحظات شوق فى اللقاء مع العائلة وكل ما حدث كان فى ذهنه؛ لكنه لم يقم بهذه الرحلة فى الواقع؛ ذهب بذهنه لأفراد عائلته حتى يتم منحه فرصة ثانية لتحسين العلاقات لحظة الموت والوداع سافر فى خياله وذهنه لمقابلة افراد العائلة للم الشتات نسرد ونحكى تفاصيل وطن وبلد أصبحنا على يقين أننا مختلفين الاختلاف لابد من الاقتناع به دليل ثراء سوف أموت فى القريب لإعلاء الحب والشوق والحنين مهما اختلفنا؛ لأن الحب مسألة أساسية لرأب الصدع الاجتماعى وتقليل الفوارق.

   وعن مشاركته خارج التسابق..عندما تسلمت رئاسة أيام قرطاج أعدت التسابق؛ باعتباره فرصة لتقييم المنجز المسرحى التونسى والعربى والأفريقي؛ فرصة جديدة داخل المهرجان؛ لكنه قسم من اقسامه وليس القسم الأهم كل عروضنا منتقاة دائما بعناية ولها إضافة؛ تستحق أن تكون ضمن برنامج ايام قرطاج؛ والمسابقة قسم مهم للمخرجين الشباب؛ لكن لا يمكن أن تتسابق التجارب المسرحية المكتملة؛ عبر كل دورات ايام قرطاج الأسماء الكبرى كانت خارج المسابقة وكانت تعرض تحت بند التكريم لأصحابها حتى نشاهدها ونستمتع بها؛ التسابق مهم وأدخل ديناميكية على ايام قرطاج المسرحية؛ لكن ليس هناك هامش ومركزي؛ ولا يمكن اعتبار العروض خارج المسابقة عروض هامشية أو أقل قيمة هناك اقسام أخرى تحتوى على عروض مهمة جدا واسماء مسرحية مهمة.